خارطة التهديدات الإرهابية للعام الجاري: ابحث عن الامريكي
محمد محمود مرتضى
ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أسباب ودوافع انسحاب القوات الامريكية العسكرية من سوريا؛ بهزيمة "داعش"، ففيما رأى خبراء أن "داعش" قد دُحر نهائياً، يرى آخرون أن التنظيمات الإرهابية ستظل حاضرة ومؤثرة على المشهد الدولي لقدرتها على التكيّف، والاختباء في أوقات المحاصرة الأمنية ضدها، وتنتظر اللحظة للعودة مجددًا.
وقد استقبل العالم العام الحالي بعدد من العمليات الإرهابية. ففي الساعات الأولى من 2019، سجلت عدة عمليات إرهابية بمناطق متفرقة حول العالم، على رأسها؛ هجوم مدينة "مانشستر" البريطانية، إذ طعن رجل مسلح بسكين 3 أشخاص، بينهم شرطي بمحطة قطارات "فيكتوريا" بالمدينة، وفي تونس، حيث فجر إرهابيان نفسيهما عقب تبادل لإطلاق النار مع وحدات الشرطة، وفي "برلين" دهس مواطن ألماني أربعة أشخاص باحتفالات رأس السنة الجديدة.
في الواقع لم تؤدِّ هزيمة تنظيم "داعش" في 2017، الى انتهاء وجوده، فما زالت ذيوله تنشر في عدة جيوب بسوريا، إضافة لتابعيه في العالم الغربي، وحضوره الافتراضي، الذي يُعهد إليه أهم أسباب صموده حتى الآن، ويمكن أن نطرح سؤالًا يتعلق بأسباب صمود التنظيمات الإرهابية رغم القضاء عليها بمناطقها الجغرافية؟ وما أهم مسارات العمليات الإرهابية المتوقعة للعام الحالي؟
في الواقع ترجع استمرارية التنظيمات الإرهابية لعدة أسباب، أكسبتها القدرة على التكيف مع المحاصرة الأمنية، والتتبع الاستخباراتي لعناصرها، ناهيك عن خلق بدائل للروايات المجتمعية التي تميل للاضطهاد والمظلومية، ومن ضمن أهم الأسباب:
1ـ تستغل الجماعات الإرهابية الأزمات المجتمعية كفرصة لبناء أفكار عن مثالية خلافتهم المزعومة، لا سيما الأزمات السياسية والمجتمعية، مثل الاضطهاد السياسي، أو التفرقة العنصرية، أو اضطهاد أقلية، إضافة إلى استغلال الدين وتأويلاته لاستقطاب الشباب لما يُعرف بضرورة القضاء على الكفر والجهل في العالم الغربي.
2 ـ يُعاني العالم من تصدع مفهوم القومية، نظرًا لموجات العولمة والانصهار بين العالم أجمع، بما ينتج عنها أقليات تنعزل جزئيًّا عن الثقافة السائدة في المجتمع.
3 ـ ارتفاع معدلات البطالة وغلاء المعيشة التي أوجدتها الأزمات الاقتصادية وما نجم عنها من انخفاض معدلات النمو، واتجاه الدول نحو سياسات التقشف الاقتصادي، الى بجانب معدلات العجز التجاري ما بين صادرات وواردات الدول، جميعها عوامل أنتجت تذمراً لدى شريحة واسعة من المجتمع، خاصة قطاع الشباب ومستقبلهم.
أمام هذه المشكلات، يسقط الشباب فريسة لإغراءات الجماعات الإرهابية التي تتحدث عن دولة الخلافة، وتحقيق العدل والمساواة بين البشر، إضافة إلى المبالغ المالية التي تغدقها تلك الجماعات على المقاتلين الأجانب، واستغلال جهل الشباب بأمور الدين، مستغلين التأويلات الدينية للتدليل على أهدافهم المتطرفة.
لقد اتخذ الإرهاب أنماطًا عديدة في العام الحالي لاستعادة نفوذه، ومحاولة إثبات حضوره، ومن تلك الأنماط ما هو الا استمرار لاستراتيجياته السابقة، ومنها ما هو محاولة لاستعادة أراضيه، فيما يتخذ بعضه شكلًا للبحث عن مناطق أخرى تُعدُّ أرضًا حاضنة له. فما هي صورة التهديدات الارهابية المتوقعة للعام الحالي؟
فقد كانت ولا تزال أهم استراتيجية في العمليات الإرهابية لدى تنظيم داعش في الخارج هي استراتيجية الذئاب المنفردة كونها لا تحتاج إلى مجهود كبير من ناحية لوجستية، أو على مستوى التدريب البدني والنفسي، إذ ترتكز على التواصل الإلكتروني، ومن الذئاب المنفردة خرجت معظم ان لم نقل كل العمليات داخل أوروبا في الأعوام السابقة.
ورغم أن "داعش" ما زال يُحارب لأجل معركة البقاء في آخر جيوب له في شرق الفرات، والتي هي تقريبا على وشك الانتهاء، تقوم التنظيمات أخرى بالتوسع في مناطق رخوة أمنيا، أو تمتلك عوامل خصبة للتطرف والإرهاب مثل أفغانستان ومنطقة غرب أفريقيا.
ففي أفغانستان، تُسيطر حركة طالبان على حوالي 50% من الأراضي الأفغانية، ورغم تمركز كبير للقوات الأمريكية والقوات الأفغانية، فإن حركة طالبان لها نفوذ كبير، ناهيك عن وجود تنظيم "داعش"، ومنافسته لحركة طالبان. دون ان ننسى ان واشنطن تفاوض حركة طالبان تمهيدا لانسحابها من افغانستان، ومن الواضح ان المفاوضات تتجه لتسليم امريكا البلاد لطالبان. وهذا حراك يصعب فصله عن التصعيد الامريكي ضد ايران، فاذا ما نظرنا الى العملية الارهابية الاخيرة ضد حافلة للحرس الثوري الايراني في اقليم زاهدان الايراني، وتصريحات المسؤولين الايرانيين عن ان المنفذين نقلوا اسلحتهم من خلال الاراضي الباكستانية، فاننا يمكن ان نتصور رابطا بين ما يجري في افغانستان وما يجري من تصعيد ارهابي ضد ايران تقوده السعودية والامارات بحسب مسؤولين ايرانيين. ما يشير الى ان الحدود الايرانية مع كل من باكستان وأفغانستان مقبلة على تصعيدات كبرى لا سيما اذا ما نجحت المفاوضات الامريكية الطالبانية، دون ان ننسى الاندفاعة الكبيرة السعودية تجاه باكستان.
وغرب أفريقيا، يعد مناطق خصبة للتنظيمات الإرهابية؛ حيث الهشاشة الأمنية التي تمتاز بها، إضافة إلى ضعف السيطرة على الحدود فيما بينها، والصراعات العرقية بين القبائل، كل ذلك سيجعلها مرتعًا للتنظيمات الإرهابية على رأسها جماعة بوكو حرام. وفي هذه المنطقة ينبغي مراقبة التحركات التكفيرية والغربية على مربع ( مالي ـ النيجر ـ ليبيا ـ تشاد وصولا الى نيجيريا) حيث تقع الجزائر على هذه الحدود، وهي دولة (أي الجزائر) تمتلك من الثروات (نفط وغاز) ما يثير شهية تجار الحروب في العالم، اضافة الى علاقات اقتصادية وتجارية متصاعدة بشكل كبير جداً مع كل من الصين وروسيا، ومواقف متقدمة من بعض القضايا الحساسة في المنطقة، ما قد يجعلها عرضة للاستهدافات الامريكية والغربية.
وفي القرن الأفريقي، تنشط حركة شباب المجاهدين الصومالية، حيث تعاني منطقة القرن من التدخلات الإقليمية وضعف السيطرة الأمنية، الى جانب التناحر الدولي على المنطقة، الذي خلَّف مساحات كبيرة من الفراغات الأمنية، تسعى حركة الشباب لاستغلالها.
الخلاصة، فكما ان تفكيك تنظيم "القاعدة" في افغانستان كان مقدمة لتشظي التنظيم في مناطق اخرى، فتضاعفت مخاطره بدل ان تتقلص، فان القضاء على "داعش" في العراق وسوريا (لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها الامريكي) قد يؤدي الى تشظي المقاتلين الى مناطق اخرى تسعى الادارة الامريكية للضغط عليها او تفتيتها عبر عمليات نقل ممنهج لعناصر داعش اليها. ولمعرفة اماكن المخاطر الارهابية التكفيرية فان كل ما علينا هو البحث عن الامريكي.