kayhan.ir

رمز الخبر: 90444
تأريخ النشر : 2019February17 - 19:24

في أربعينية الانتصار: نموذج الدولة الواثقة وخصومها المتهالكون

غالب أبو زينب

تحتفل الثورة الإسلامية في إيران بعيدها الأربعين، في ظل اشتداد التجاذب العالمي في حقبة مفصلية تنحو باتجاه إعادة تشكيل للقوى العالمية وتوازناتها المختلفة، ولا يخفى دور إيران الدولة الثورية المحوري الذي تمارسه ويعزز من مكانتها الإستراتيجية وحضورها المتعاظم، ومما يعزز قوة إيران الثورة ويشكل مصدر قلق لدى أعدائها المفترضين،هو حكمة التوازن بين الانسداد إلى مبادئها وعدم التنازل عن قناعتها الثورية وترجمتها إلى أفعال سياسية واقعية، وبين تأمين البنى الأساسية الاقتصادية والعسكرية والعلمية والاجتماعية التي توصلها لان تصبح في مصاف الدول المسموعة الكلمة والتي تُؤخذ بالحسبان نظرا لتمتعها كدولة ثورية بكل المقومات الضرورية التي أسقطت من يد الأعداء الكثير من الوسائل ودفعت الإدارة الأميركية المتماهية مع الكيان الصهيوني إلى استعمال ورقة الحصار مجددا بعد أن سقطت كل الأوراق الأخرى وتحولت كل الجهود المتواصلة على مدى عمر الدولة الثورية إلى خيبات متتالية أعجزت الإدارة الأميركية ومنعتها من تحقيق أهدافها ليس في الداخل الإيراني فحسب وإنما في إفشال المشاريع الأميركية المعدة للمنطقة، بالرغم من الإمكانات الهائلة والتآمر من بعض الدول المحيطة التي ضلت السبيل وظنت أنها تستطيع إذا ما ارتدت الثوب الأميركي أن تحصد نجاحات في المواجهة إلى جانب الإدارة، وان تكون الرابح الأساسي في قيادة المنطقة، وان تكون بديلا لإيران الدولة الثورية في المنطقة.

ولكن إن أجرينا مقارنة مكثفة حول موقع إيران وموقع تلك الدول المحاذية لإيران، لوجدنا أن المقارنة لا تستقيم وان الهوة شاسعة، ففي حين تتمتع إيران الثورة باستقلالية القرار وقوة النفوذ وبنية صناعية واقتصادية وعسكرية متقدمة ومهمة، وتشكل أحلافاً أساسيةً في المنطقة وتحمل راية فلسطين بكل أثمانها الباهظة، وانخرطت في مواجهة الظلام التكفيري لمنعه من التمدد والسيطرة، في العراق وسوريا، وأصرت رغم كل الضغوط الهائلة عليها بالحفاظ على مكانتها النووية وطورت بنيتها الصاروخية الدفاعية وسط ممارسة سياسية شفافة تستند إلى مشروعية شعبية وسياسية منبثقة من إرادة الشعب الإيراني الذي يمحض دولته الثورية بغالبيته العظمى ثقة منقطعة النظير، ويمارس دوره ويقول كلمته بحرية كاملة، كل هذا يجعل إيران دولة مقتدرة بالمعايير الدولية المعتمدة ويقوي من عضدها المشروعية الشعبية الفعلية في ظل ولاية الفقيه التي تشكل المظلة لكل هذا التطور برعاية سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي الذي هو أساس في قيادة النهضة ودفع إيران إلى موقعها الحالي بكل نجاحاتها المتعددة.

في المقابل فإن السمة الأساسية للدول التي تتنطح لتلعب دورا في مواجهة إيران وعلى رأسها السعودية، هي الالتصاق بالإدارة الأميركية وعدم القدرة على اتخاذ قرارات منفصلة، وضعف الاستقلالية السياسية إلى درجة الإحراج، حيث عبر وصف الرئيس ترامب عن واقع حال هذه الدول ومدى هشاشتها وعدم وجود أي مقومات تجعل منها دول حقيقة لها مالها في مختلف المجالات المتعارف عليها دوليا، حيث جعل وجودها صورياً حين صرحه إن هذه الدول تسقط خلال أسبوعين في حال لم نؤمن لها الحماية، وهذا بحد ذاته يشكل اهانة لا تحتمل لكن الألسن ابتلعت وكأنه إقرار بالواقع المزري وتسليم بهذا الوضع مكشوفا وبلا أقنعة، صحيح انه صادمٌ ولكنه يعطينا فكرة واضحة عن كل المواقف السياسية والاقتصادية وغيرها التي تأخذها هذه الدول وتأتي في سياق مخالف لمصالح شعوبها وتقدمها وعزتها، ناهيك عن سياسة كم الأفواه السائدة وانتفاء الحياة السياسية والتعبير الشعبي ولو بالرأي الحر، والمؤشر الفاضح بقوة هو الموقف من فلسطين والاستعداد للتطبيع مع العدو الصهيوني على حساب فلسطين وحقوق شعبها المقدسة، والإيغال في التعاطي مع القادة الصهاينة ومحاولة فرضهم أمراً واقع على شعوبنا، ومحاولة العمل على إقرار صفقة القرن التي تعني ترجمتها الفعلية تصفية القضية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني وحقوقه وحقوق الأديان بالمقدسات.

إن هذا الانهيار القيمي والسقوط السياسي لا يمكن فهمه إلا في عبارات الرئيس الأمريكي التي لا ترى في هذه الدول إلا موردا ماليا يجب أن يدفع ويدفع من اجل أن يبقى، وهذا يعني أن هؤلاء الذين لا يملكون قول لا في أي مجال سياسي أو اقتصادي، هم في النهاية مرتهنون للمصالح والنفوذ الأمريكي ولن تقوم لهم قائمة في مجال الاستقلال السياسي، طالما أنهم يفتقدون إلى القدرة والإرادة...

أمام هذا التناقض الصارخ في كفتي المعادلة تستطيع أن تدرك تماما إلى أين تسير إيران الدولة الثورة ومدى أهمية ما أنجزت على المستويات كافة، والى أين يسير من يحاول أن يواجهها تحت العباءة الأمريكية.!!!