kayhan.ir

رمز الخبر: 89552
تأريخ النشر : 2019January28 - 19:33

قراءة في رسائل السيد حسن نصر الله


ناصر قنديل

بعد الإطلالة التي ظهر فيها الأمين العام لحركة المقاومة الإسلامية في لبنان السيد حسن نصر الله ورغم وضوح ما تحدث بناء تعقيد المشهد في المنطقة كان لابد من تقديم قراءة توضح مضامين الرسائل التي وجهها السيد نصر الله للأعداء والأصدقاء حد السواء.

حول هذا الموضوع وفي حوار خاص لبرنامج "ماوراء الحدث" تحدث رئيس شبكة توب نيوز الإعلامية النائب السابق و السياسي اللبناني المعروف ناصر قنديل

هل جاء حديث السيدحسن نصر اللهعلى ما إنتظره مريدوه ومؤيدوه في كافة أنحاء العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط حيث القاعدة الشعبية الداعم الأول ، وماهي المضانين الأساسية لحديثه؟

في الحقيقة أولاً لابد من الإيضاح أنه في بيئة المقاومة سواء في لبنان أو سورية أو فلسطين وبيئة المقاومة بشكل عام لم يكن هناك أي تعامل إيجابي أو تفاعل أوتأثر بحملة الشائعات التي تناولت صحة السيد نصر الله ،وبالتالي لم يكن لهذا لحديث أو هذه الإطلالة أي وظيفة تتصل بتبديد الشائعات، على العكس تماً ، وأنا أعتقد أنه من المهم جداً أن نضيء على هذا الأمر قبل أن نضيء على المضامين التي جاءت في حديث السيد نصر الله، لأن هذا العنوان أعتقد أنه يشكل مفتاحاً في فهم إدارة سماحة السيد لقواعد ومفاهيم الحرب النفسية التي أظهر سماحة السيد براعة إستثنائية فيها.

لقد حول سماحة السيد نصر الله الحملة الإسرائيلية والشائعات الإسرائيلية إلى حملة دعائية للحوار، بحيث أن الإسرائيليين كانوا قد تسمروا أمام شاشات التلفزة بفعل حملة الشائعات التي لم يصدقها أحداً سواهم، وكانوا ينتظرون لكي يستمعوا ويحتققوا من هل أنهم أمام صدق ما تقوله قيادتهم العسكرية، أم صدق ما يقوله السيد نصر الله، وبالتالي يكون قد سدد وأصاب السيد نصر الله وسجل إصابة مباشرة في المرمى الإسرائيلي، إصابة بالغة لأنه خلال ثلاثة شهور إنتشرت حملة الشائعات الإسرائيلية وإمتلأ الإعلام الإسرائيلي بها وحتى وصلت إلى الحديث عن وفاته ، وبالتالي أول إنجاز كان لهذه الإ‘طلالة تحويل حملة الشائعات الإسرائيلية إلى حملة دعائية أعطت الحديث هذا المستوى من الإنتباه للرأي العام الإسرائيلي، وهذا يفسر لنا لماذا كان تركيز السيد نصر الله في رسائله على البعد الإسرائيلي، ثمة عناوين كثيرة تناولها وكان تناوله لها تهدئة للبعض وخاصة على المستوى الداخلي اللبناني وعلى مساحة الإقليم ومابعده.

كيف يمكن ترتيب الرسائل التي وجهها السيد نصر الله من حيث التوعية والتهديد، ومن عليه أن يدرسها بشكل دقيق أكثر من غيره من بين قوى الحلف المعادي ؟

أعتقد أن النقطة الأولى الثابتة التي خاطب فيها سماحة السيد الكل الأصدقاء والأعداء هو أننا أمام مرحلة جديدة وأن هذه المرحلة عنوانها الإنكفاء الأمريكي الإستراتيجي وأن المسألة ليست مسألة تكتيكات ولاحتى مزاجية ترامب في موقف مفاجىء بدد كل النقاش حول المواقف التي كان يتم الحديث عنها في الولايات المتحدة الأمريكية تحت عناوين مشابهة، وهل أنالإنسحاب الأمريكي من سورياهو إبتزاز أو تلويح أم هو رمي لقفاز نار في وجه الخصوم، أم هل هوم حالة إنفغالية يمكن التراجع عنها...؟؟؟

حسم السيد نصر الله أن هناك مرحلة جديدة تبدأ هي من ثمار هذا الصمود البطولي والأسطوري الذي شكلت سورية ساحته المركزية والتي شكل محور المقاومة الرافعة الأساسية فيه والتي تشكل الدولة السورية وجيشها ورئيسها المعقل الأول، الأبرز فيه أن هذا التحول هو واحدة من إنجازاتنا ومن ثمار تضحياتنا ،وأنناعندما نبخس قيمة هذا التحول ونصوره وكأنه مجرد حالة إنفعالية أو مزاجية، إنما نبخس هذه التضحيات، وبالتالي نحن أمام مرحلة جديدة.

في ظل هذا الإنكفاء الإستراتيجي الأمريكي العلامة الثانية هي الإرتباك في معسكر الأعداء، وهذا الإرتباك هو إسرائيلي بالأساس لكنه إنكعس هرولة وتسابقاً على قوى محور المقاومة وحلفائه في الضفة التي كانت أمريكياً خالصة،هم يقصدون موسكو الآن ويطلبون الهدنة منها ويبحثون عن كيف يحمون أنفسهم من خلال العلاقة مع موسكو، أو يتقون الكثير من المخاطر التي تنتظرهم.

تبعثر الحلف مع هذا الإنكفاء الإستراتيجي الأمريكي وبالتالي هنا محور المقاومة أمام تحولين بارزين:

العامل الأول: هو أن العدو رقم واحد الذي يقود جبهة الأعداء يخرج من المنطقة، ليس من سورية فقط بل منأفغانستانوقريباً من العراق أيضاً، ولن يبقى للأمريكيين القدرة على أن يكونوا القوة الوازنة التي ترسم الإطار الإستراتيجي لمستقبل آسيا وليس لمستقبل الشرق الأوسط فقط.

العامل الثاني: هو أن الحلف الذي كانت تشكل أمريكا مظلته هو الآن في حال إرتبك وضياع رغم محاولات الفرملية الأمريكية لإندفاعاته بإتجاه سورية وبإتجاه إيران وروسيا وقوى المقاومة، لكن هذا لن يحدث تغيير وإنما سيبطىء قليلاً، لكنه لن يغير في الإتجاه هذا في القراءة وفي رسم المشهد.

أنا أعتقد أن سماحة السيد كان غاية في البراعة في المحاجحة المنطقية العاقلة، يعني ليس في توجيه الرسائل الحامية الحماسية العالية الوتيرة، مثلاً مسألة الأنفاق التي إشتغل الإسرائيليون طوال ثلاثة أشهر ، ليقولوا أن هذه الحملة أنهت الخطر المسمى بحملة الجليل، لم يعد هناك شئ أسمه عملية الجليل، ولم يعد هناك إمكانية للمقاومة مستطاعاً للتلويح للتهديد بإمكانية دخول الجليل.

في الرسالة الأولى جاء سماحة السيد وقال ثلاثة أشياء:

الأول أن الغبي وحده هو من يعتقد أن هذه الأنفاق تصلح وحدها لعملية الجليل ، بغض النظر عن كم دمر وكم بقي ولو دمرت كل الأنفاق فهي لاتؤثر بأكثر من عشرة بالمئة من العملية، لأن أي عسكري يعرف أن الحديث عن عملية بحجم عملية الجليل يستدعي تدفق على الأقل من 5000 إلى 10000 مقاتل، ولن تتسع الأنفاق لاكثرؤ من 500 منهم، ما يعني أنك بحاجة إلى 10 ساعات لعبور المقاتلين من الأنفاق ال 5 التي وضعوها ب 500 مقاتل، فكيف ب 5000 أو 10000...؟ وبالتالي التهويل بأن إكتشاف هذا العد د من الأنفاق يعني نهاية عملية الجليل هي كذبة عسكرية مفضوحة.

الأمر الثاني: من قال أنكم إكتشفتوم كل الأنفاق؟ بالعلم بالفرضية بمنطق الإحتمالات هل هناك أنفاق أخرى نعم هناك أنفاق أخرى وسيكون هناك أنفاق أخرى لكنها كلها لاتشكل أكثر من 10 بالمئة من عملية الجليل التي كانت بنظر الإسرائيليين، أي المستوطنين في الشمال إحتمالية مصدر قلق لكن غير مؤكد. الإسرائيليون بحملتهم على الأنفاق قدموا المسباق والإثبات على أن تهديد المقاومة بالقيام بعملية برية تهدف الدخول إلى الجليل هو تهديد حقيقي، وأن لدى المقاومة القدرة والخطة والآلية وهو أعاد التأكيد أن هذه العملية جاهزة وأن القرار عندما يصدر إذا صدر بالدخول إلى الجليل فإن كامل التفاصيل اللازمة لتنفيذه هي بين أيدي المقاومة، وبالتالي الآن نحن أمام حرب نفسية خاضتها إسرائيل على جمهور المستوطنين، وقالت لهم صدقوا عندما يقول لكم السيد نصر الله أنه سيدخل الجليل.

الآن الإختباء في الملاجىء لايرد الخطر، لأن الخطر لم يعد صاروخ يسقط بالقرب من بيوتكم بل الخطر أصبح في أن يصل شباب ومقاومة ومن حزب الله إلى الجليل، وبالتالي نقل المعركة داخل الرأي العام الإسرائيلي في منطقة الشمال من الوجهة التي أرادها نتنياهو وإيزنكوت إلى الوجهة التي صممها بالأصل قادة المقاومة والتي منحها سماحة السيد نصر الله دفعة إضافية مستثمراً بذلك الحملة الإعلامية الإسرائيلية

الرسالة الثانية

هي تلك المتصلة بموضوع الصواريخ الدقيقة، وفي الحقيقة أن المقاومة منذ عام 2012 وهي تؤكد على أنها تملك صواريخ ثقيلة مدمّرة وذات رؤس تزيد عن 500 كغ ، قادرة على أن تصل إلى كل أنحاء فلسطين المحتلة. الذي حدث بعد عام 2016، هو أن المقاومة بدأت تمتلك القدرة على تحويل هذه الصواريخ دقيقة ، مالذي قاله سماحة السيد ؟ قال للمواطن أو المستوطن الإسرائيلي...ماهو الفارق بين الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة ؟... الفارق ليس هو بقدرة التدمير، الفارق هو أننا عندما نستخدم صواريخ دقيقة ونستهدف وزارة الدفاع مثلاً فإننا سوف نصيب وزارة الدفاع ، وعندما لاتكون لدينا القدرة على إستخدتم صواريخ دقيقة كي نستهدف وزارة الدفاع علينا أن نطلق عشرات أو مئات الصواريخ على الأحياء التي تتموضع في قلبها وزارة الدفاع، إذاً نتياهو يستخدمكم دروعاً بشرية من خلال حملته التي تقوم تحت عنوان منع حزب الله من إمتلاك الصواريخ الدقيقة، وإذا كاننتنياهوحريصاً على مستوطنيه عليه أن يفرح بإمتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة بدلاً من الصواريخ التي لابد من إطلاقها بصورة عشوائية.

الرسالة الثالثة:

هي الأهم في الحقيقة، وهي الرسالة المرتبطة بمستقبل المواجهة، فقد أكد سماحة السيد بموقعه ودوره وصفته القيادية وبلسان محور المقاومة مجتمعاً، أننا لسنا أمام تقدير موقف لما سيحدث، ولا أمام إنتظار التطورات لندرسها، لقد درسنا وحللنا وأخذنا القرار، وأن أي محاولة لتعديل قواعد الإشتباك ستفتح الباب لمواجهة كبرى وربما حرب شاملة، وبتلك المواجهة أو تلك الحرب الشاملة إذا ما أدت إليها تصرفات طائشة من جانب القيادة الإسرائيلية فإن المنطقة سوف تنقلب رأساً على عقب وحجم المفاجآت فيها، كافي للقول بإختصار ستندمون.

ماهي أهم الملفات التي حسمها السيد نصر الله بقوة الموقف والموقع والتي ولارجعة في طريقة التعاطي فيها ومعها وخاصة إستراتيجية محور المقاومة بشكل عام على المستوى الإقليمي وصولاً إلى إمتداده الدولي ؟

هناك محوران في مقاربة هذه المتغيرات، محور يتصل في فرضيات المواجهة ومحور يتصل بقراءة أداء محور المقاومة وحلفائه أمام المتغيرات.

أبدأ بالمحور الثاني لأنه أقل تعقيداً:

هو يتصل بمستقبل العلاقة مه تركيا ويتصل بمستقبل شرق الفرات وأعتقد أن أي متابع لما جاء على لسان سماحة السيد كان قادراً على تلمس درجة الثقة العالية بأن ما يجري في منطقة إدلب أو في شرق الفرات هو مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وأن إستعادة الدولة السورية بجيشها الشرعي والدستوري وفي ظل رئيسها المعترف بشرعيته ودستوريته هي مسألة لا مساومة عليها ولا قلق حول إمكانية تحقيقها على المدى المنظور وليس على المدى البعيد. إدلب وشرق الفرات عائدان إلى حضن الدولة السورية ، وهيمنة وسيطرة جيشها، والعلاقة بالأكراد أو العلاقة بالأتراك هي مسألة وقت، والحسم مع الجماعات الإرهابية التي تتصدرها جبهة النصرة ومن لف لفها آت لاريب فيه.

المسألة الثانية

في قلب ذات العنوان أي الملفات المحيطة نرى أن محور المقاومة وروسيابينهما علاقة متماسكة رغم الحق الطبيعي في فهم التباينات والتمايزات، إلا أن أحداً لايبيع أحد وأحد يشتري على ظهر أحد، وأحد لايساوم على أحد، وبدا ذلك واضحاً من خلال عرض سماحة السّيد لكيفية نقل المسؤولين الروس للرسائل الأمريكية التي قامت على عرض المقايضة بين الإحتلال الأمريكي والوجود الإيراني في سورية، وبالتالي القلق من وضع هذا الحلف ومن محاولة العبث بمرتكزاته هو قلق في غير مكانه، فالسّيد قال لجمهور المقاومة إطمئنوا، علاقتنا بروسيا وعلاقة أطراف محور المقاومة فيما بينها هي في أحسن أحوالها وعلى أحسن مايرام، لأن الجميع يعلم أن الإنجازات هي ثمرة هذا التماسك وأن أي إهتزاز في هذا التماسك سيستفاد منه الأعداء وسيخسر منه الجميع.

يبقى أمامنا كيف سندير المواجهة، واضح أن سماحة السيد يتحدث عن عراق جديد، عن يمن جديد، وعن فلسطين جديدة، ويتحدث عن حجم القوة المختزنة لدى هذه القوى المقاومة، ويتحدث عن المواجهة الشاملة، ويتحدث عن جيش سوري إستثنائي بقدراته البرية، محمي بشبكة دفاع جوي لم تكن لديه في يوم من الأيام. إذاً هو يقول، إذا ما وقعت التصرفات الطائشة وذهبنا إلى المواجهة الشاملة أو إلى الحرب المفتوحة، فإن الجبهات كلها ستكون جزءاً من هذه المواجهة، وأن هذه الجبهات سوف تعني أنه كما خرج الأمريكي من المنطقة، فإن مصير إسرائيل سوف يكون مطروحاً على الطاولة.

أجرى الحوار: نواف إبراهيم