سورية تقاوم العدوان والحصار
غالب قنديل
عندما انطلق العدوان الاستعماري على سورية بقيادة الولايات المتحدة كان من اخطر محاوره الحصار الاقتصادي ومنظومة العقوبات المصرفية والمالية التي استهدفت الاقتصاد السوري وسائر مؤسسات الدولة وجزءا كبيرا من شركات القطاع الخاص.
اشتدت شراسة الحملة المعادية لسورية في المجالات الاقتصادية والمالية والمصرفية وزاد من وطأة الحصار انخراط معظم الحكومات العربية والإقليمية التابعة والعميلة بناء على الأوامر الأميركية وعلى الرغم من ذلك تمكنت القيادة السورية ان تواصل بانتظام تأمين جميع الضروريات وحتى بعض الكماليات في السنوات العاصفة التي كان خلالها التدمير والعنف الإرهابي يستهدفان مرافق الإنتاج الصناعية والزراعية وخصوصا منشآت القطاع العام السوري الذي استطاع الصمود وشكل ركيزة حاسمة للصمود الشعبي والسياسي.
نادرا ما اجتازت البلاد خلال الحرب فترات اختفاء طويلة للضروريات من الأسواق وقد عملت السلطات السورية بصمت ومن غير استعراض للحفاظ على مناخ حياة أقرب إلى الطبيعي رغم الخسائر والأضرار الجسيمة والظروف الصعبة والتكالب الاستعماري الصهيوني الرجعي ضد سورية وقد أثارت سورية إعجابا هائلا في بعض منابر الإعلام العالمي بسرعة تحرك ورش المؤسسات الحكومية إلى المناطق التي يتم تحريرها لمباشرة إنعاش موارد الحياة وشبكات الخدمات العامة على اختلافها وثمة مقارنة مستحقة بين سرعة الوزارات والمؤسسات السورية في العمل لترميم الطرق والمدارس وشبكات الهاتف والمياه والكهرباء وبين الشكوى المزمنة لسنوات من عجز الحكومة الأميركية عن تحقيق إنجاز مشابه في الولايات التي نكبتها الأعاصير رغم انقضاء سنوات طويلة.
المرحلة الراهنة تشهد فشلا للعدوان ومأزقا ظاهرا لحلف الحكومات المتورطة في الحرب على سورية لكن ذلك لا يعني ان الحسم قد تم وأن زمن الحصاد الكبير لانتصار سورية قد حل وآن أوانه فلا تزال سورية تقاتل لتحرير سائر المناطق من الإرهاب وامامها تحديات ومهام كبيرة لطرد الاحتلال الأميركي والتركي واقتصاديا امامها تحدي استعادة المرافق الاقتصادية الباقية تحت سيطرة المحتلين والمسلحين والإرهابيين في الشرق والشمال وكذلك تحتاج الأمور إلى وقت ضروري لاسترجاع الدورة الانتاجية المعتادة صناعيا وزراعيا وإعادة تشغيل حقول الغاز والنفط السورية والمصافي لتلبية حاجات السوق من المحروقات الضرورية للاستهلاك ولمحطات التوليد الكهربائية.
الشراكات التجارية السورية مع اطراف محور مناهضي الهيمنة الإقليمي والدولي تفسح المجال لإحباط وإفشال كثير من القيود والعقوبات لكن سورية ستبقى دائما عرضة للضغوط والعراقيل التي يثيرها الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يرتعد خوفا من دنو لحظة التعافي السوري والنهوض السوري سياسيا واقتصاديا ولذلك صعدت الإدارة الأميركية مؤخرا من ضغوطها فلجمت حركة انفتاح بعض الحكومات العربية على سورية وفرملت عملية إعادة فتح السفارات الخليجية والغربية بالإيعاز إلى الحكومات المعنية بالتمهل في العودة إلى دمشق وهو ما كان مضمون جولة وزير الخارجية مايك بومبيو ومعاونه ديفيد هيل ومستشار الأمن القومي جون بولتون والذين تضمنت تبليغاتهم للعملاء والتبع تعليمات صارمة بفرملة عودة العلاقات الاقتصادية والسياسية مع سورية بما في ذلك منع أي شكل من التبادل التجاري الكاسر لقيود الحصار.
من يراجع مظاهر الشكوى من شح بعض الحاجات الاستهلاكية والمواد الضرورية مؤخرا يلمس انها حصيلة خطة مدبرة فقد تمت عرقلة وصول بواخرمحملة بالبضائع والمشتقات النفطية إلى سورية وتم الضغط على السلطات المصرية التي ميزت نفسها منذ بداية العدوان ورفضت التورط لكنها أرغمت مؤخرا وقسرا على عرقلة شحنات تجارية من المواد الضرورية والغاز والمحروقات والأدوية والأغذية المخصصة للأطفال بما في ذلك الحليب ومنعت البواخر من بلوغ الساحل السوري كما سجلت عدة مرات حوادث اعتراض قطع الأسطول الأميركي في حوض المتوسط لشحنات تجارية مبحرة إلى سورية.
هذا واقع حقيقي ينبغي التصدي له بتسريع العمل لاسترجاع اهم دعائم الاستقلال السياسي والاقتصادي السوري تاريخيا وهو الاكتفاء الذاتي وهذا ما يقتضي زمنا ضروريا من العمل العسكري والتضحيات ومن العمل الاقتصادي وبالتالي من إرادة الصمود وهو ما يملي مكاشفة الشعب العربي السوري وتعبئة قواه في مقاومة الحصار وتكييف لوائح الاستيراد وعادات الاستهلاك بما يناسب اولويات التعامل مع حالة الحصار دفاعا عن الاستقلال.
لم تقصر الدولة الوطنية السورية في سعيها لاستنفار الشركاء والحلفاء في كل مكان ولم تبخل إيران وروسيا والصين والهند وغيرها من الدول المناهضة للهيمنة الأميركية في التعاون لكن الضغوط الأميركية تعمل أيضا على إحكام طوق الحصار وهي تتحرك في الأردن ولبنان والعراق لمنع أي متنفس محتمل للشقيقة سورية مصرفيا كان ام تجاريا وهذا يتطلب من القوى الوطنية والقومية تحركات عاجلة وحازمة لإسقاط الحصار الذي يستهدف سورية والنضال لإسقاط الإذعان المحلي للعقوبات والقيود التي تستهدف سورية وشركاءها الأقرب أي لبنان والعراق والأردن في الجوار وروسيا والصين وإيران في الخيار الاستقلالي التحرري.
معركة كسر الحصار أشد تعقيدا ودقة من المعارك العسكرية وتستوجب توليد حركة وعي ومقاومة داخل المجتمع السوري ورفع مستوى التضامن الوطني والالتفاف حول الدولة الوطنية لمواصلة مسيرة الصمود والتحرير ولا يجوز الاستغراق الشعبي في التعامل العفوي واللهاث خلف الأحداث فهذا ما يضع زمام المبادرة بيد حلف العدوان ولذلك فإن كسر الحصار هو في صلب معركة الوعي وروح المقاومة التي يتمسك بها أبنا سورية الأباة هي محط الآمال.
سورية تستطيع ولديها الموارد والسواعد المنتجة والإرادة التحررية الحازمة وفيها قيادة برهنت على وعي تاريخي وقدرة على الإبداع في التخطيط وفي إدارة الصراع مهما كان قاسيا والمطلوب هو تعزيز الثقة بالأفعال والتدابير الحازمة التي ترفع منسوب طاقة الناس على الصمود في المربعات الباقية من مسيرة التحرير والانتصار حيث يتوقف مصير كل ما بذل من التضحيات على الفصول الأخيرة من هذه الملحمة.
ختاما إن من الواجب إطلاق حركة مقاومة هادرة ضد الحصار الاستعماري الرجعي الذي يستهدف سورية في جميع البلاد العربية وفي دول العالم ولا عذر لمتقاعس او متغيب.