هل يستطيع أردوغان الرد على تهديدات ترامب بتدمير تركيا؟
عبد الباري عطوان
التهديدات العلنية والاستفزازية التي أطلقها مساء الاحد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي اذا هاجم الجيش التركي القوات الكردية في شمال سورية، بعد انسحاب القوات الامريكية، قد تعني بداية انهيار الشراكة الاستراتيجية الامريكية التركية، وانسحاب انقرة من حلف الناتو، وانتقال تركيا الى الخندق الإيراني الروسي كليا اذا لم يتم تطويق هذه الازمة بشكل وآخر مثل أزمات سابقة مماثلة.
انها الازمة الأخطر من نوعها في الأعوام السبعة الماضية، ليس لانها تؤكد ان الولايات المتحدة هي التي وقفت خلف الحرب الاقتصادية ضد الليرة التركية في آب (أغسطس) الماضي على أرضية رفض إطلاق سراح القس الأمريكي اندرو برونسون وانتهت بالافراج عنه، وانما أيضا لان إدارة الرئيس ترامب قررت الوقوف في الخندق الكردي، وفضلته مجددا على الخندق التركي، الامر الذي دفع إبراهيم كولين، مستشار الرئيس اردوغان والمتحدث باسمه الى ابداء صدمته واستغرابه من هذا الموقف الأمريكي المفاجئ، وقوله "معاتبا” بالحرف الواحد "نتوقع من أمريكا احترام شراكتنا الاستراتيجية.. الارهابيون لا يجب ان يكونوا شركاءكم وحلفاءكم.. ليس هناك أي فرق بين (داعش) ووحدات حماية الشعب الكردية”.
الليرة التركية انخفضت حوالي 1.5 بالمئة بمجرد نشر تغريدة ترامب التهديدية، ومن غير المستبعد ان يصل سعرها الى سبع ليرات مقابل الدولار، مثلما حدث اثناء الحرب الاقتصادية الامريكية على تركيا في آب (أغسطس) الماضي (سعر الليرة الآن 5.52 مقابل الدولار.
من الواضح انه في ظل استمرار التحشيدات العسكرية التركية في منطقة هاتاي (لواء الإسكندرون) استعدادا لشن هجوم على قوات سورية الديمقراطية في شمال شرق سورية، قرر الرئيس ترامب الانتقام للإهانة التي تعرض لها جون بولتون، مستشاره لشؤون الامن القومي على يد الرئيس اردوغان الذي رفض استقباله اثناء زيارته لأنقرة الأسبوع الماضي، وانتقد بشدة تصريحاته (بولتون) التي طالب فيها تركيا بتوفير ضمانات لحماية الاكراد بعد الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري.
الازمة التركية الامريكية في فصلها التصعيدي الجديد ما زالت في بواكيرها، ومن الصعب التكهن بما يمكن ان يطرأ عليها من تطورات، ولكن ما يمكن قوله حتى الآن، ان إدارة ترامب ستتجنب أي مواجهات عسكرية، والاكتفاء فقط بالحرب الاقتصادية ضد تركيا في المرحلة الأولى على الأقل، لقناعتها بأنها ستخرج خاسرة ماديا وبشريا في أي صدام عسكري.
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن كيفية وحجم الرد التركي على هذا الاستفزاز الأمريكي العلني وغير المسبوق، والخطوات التي يمكن ان يقدم عليها الرئيس اردوغان لتجنب هذه الحرب الاقتصادية وانعكاساتها السلبية على اقتصاد بلاده التي كانت قوته هي ابرز الانجازات التي ابقته وحزبه في الحكم طوال الـ17 عاما الماضية؟.
في ازمة آب (أغسطس) الماضي التي كان من ابرز نتائجها انهيار قيمة الليرة التركية ووصول المصارف التركية الى حافة الإفلاس، اضطر الرئيس اردوغان الى الوصول الى حل لها بالافراج عن القس برونسون، وبعد الإعلان عن هذا الافراج بدقائق بدأ التحسن في سعر الليرة التركية، فما هي الورقة التي سيلعبها اردوغان هذه المرة؟.
القيادة التركية اكدت على لسان فخر الدين التون، مدير الاتصال في مكتب الرئاسة "انها ستواصل مكافحة الإرهاب بتصميم، وان تهديدات ترامب لن ترهبها” ووجد هذا الموقف دعما من الحزب الجمهوري المعارض الذي عبر متحدث باسمه عن رفض التهديدات الامريكية التي قال "انها لا تنفع معنا”.
الرئيس اردوغان لم يقل كلمته حتى كتابة هذه السطور، وترك المهمة لمستشاريه، ولا بد انه يدرس هذه الازمة من كل جوانبها، ويجري اتصالاته مع حلفائه الروس من جهة والقطريين من جهة ثانية، قبل بلورة الرد الحاسم على هذه التهديدات الامريكية ذات الطابع الاستفزازي الوقح، للتنسيق في الجبهة السورية الداخلية، والقطريون لضخ اموال واستثمارات في اجراء وقائي لتقليص اثار هذه الحرب التجارية.
هل سيرد الرئيس اردوغان بقصف قوات سورية الديمقراطية شرق الفرات، وينفذ تهديداته، ام يطير الى موسكو وربما طهران بحثا عن صفقة او مظلة دعم وحماية في الوقت نفسه؟.
وكيف سيكون موقف موسكو؟ واذا جرى التوصل الى صفقة مقايضة” مع روسيا هل سيكون ابرز عناوينها التخلي عن ادلب للجيش العربي السوري لاستعادتها من جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) التي باتت تسيطر على 80 بالمئة من اراضيها مقابل الدعم الروسي الإيراني لاردوغان؟.
لا نملك إجابة على هذا السؤال المشروع لان الازمة في بدايتها مثلما قلنا في بداية هذا المقال، ولكن ما نعرفه ان القيادة السورية في دمشق تفرك يديها فرحا وهي تراقب الصدام بين خصومها الأبرز، أي تركيا وامريكا.
هل نبالغ اذا قلنا ان تركيا باتت اقرب الى المثلث الروسي الإيراني السوري من أي وقت مضى منذ بداية الازمة السورية؟.
نترك الإجابة لتطورات الأيام، وربما الساعات المقبلة.. والله اعلم.