درء “التنمر” الأميركي بفلسطين
د. أسامة نور الدين
هيمنة اللوبي الصهيوني على مراكز اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأميركية، يدفع الكثيرين للتنمر بفلسطين وكل ما هو فلسطيني وبثوابت قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لكن مبدأ الحريات المتداول يدرأ غالبية هذه المحاولات على المستوى الشعبي، وعلى مستوى النخبة ينعكس التنمر بشدة على قرارات وتوجهات البيت الأبيض وأذرعه القوية في الحكم كالبنتاجون والخارجية والكونجرس؛ لكن كيف يمكن درء هذا التنمر، خصوصا وأنه يرتقي لمستويات عليا؟
لعل الجميع تابع كيف اقتنصت رشيدة طلب (النائبة الأميركية ذات الأصول الفلسطينية) مقعدا في الكونجرس الأميركي في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في نوفمبر الماضي، لتصبح أول امرأة من أصل فلسطيني تنتخب عضوا في الكيان التشريعي الأقوى بالولايات المتحدة، ورغم قوة خطابها الانتخابي وتبنيها إقالة ترامب، إلا أنها كانت ذات حدة في مواجهة ظاهرة التنمر بفلسطين، خصوصا في الأوساط العليا بالإدارة الأميركية، لعل أهمها حذف إسرائيل من خريطة العالم الموجودة بمكتبها في الكونجرس واستبدلتها بدولتها المحتلة "فلسطين” وهو ما نقلته مراسلة موقع "بزفيد” الإخباري الأميركي على حسابها بتويتر، أنه أثناء قيامها بجولة في مكتب طليب الجديد ـ بحسب وكالات الأنباء لاحظت وضع ورقة لاصقة بالقرب من موقع إسرائيل على الخريطة، وكتب على الورقة كلمة "فلسطين”، مصحوبة بسهم يشير إلى موضع إسرائيل.
فبينما اعتبر كثيرون خطوة ترامب بنقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس عثرة كبيرة على مسار المفاوضات وحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي سلميا اعتبرها كثيرون تنمرا بالقضية الفلسطينية، وربطت النائبة بالكونجرس الأميركي بين حملات التنمر بوطنها وبين وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب على رأس هرم السلطة، واعتبرت أن انتخابه كان شريانا لتغذية هذه الحملات، وبالعكس فإن إسقاطه هو قطع للوريد المغذي لهذه الحملات العنصرية، وحذرت طلب من خطورة حملات التنمر السياسي والعرقي التي يقودها ترامب على الأجيال القادمة ودورها في التنشئة، فبعد أدائها اليمين الدستورية الخميس الماضي خاطبت طلب الأسر الأميركية قائلة "عندما ينظر إليك ابنك ويقول أمي، انظري لقد فزتِ، المتنمرون لا يفوزون! فأجبته بالقول إنهم لا يكسبون، لأننا سنذهب إلى هناك وسنقيله (واصفة ترامب بلفظ بذيء)” – بحسب سكاي قناة نيوز الإخبارية.
وإذا تضع رشيدة طلب "التنمر الأميركي” سرطانا يجب اجتثاثه من منابعه، فهي تعتمد على الخطاب المباشر الموجه للجماهير في نقل رسائلها، ففي صبيحة يوم دخولها الكونجرس نشرت مقالة مشتركة في صحيفة "ديترويت فري برس” وصفت فيها ترامب بأنه يمثل تهديدا مباشرا وجِديا لأميركا ـ حسب قولها، وتابعت "كل يوم يمر، يوقع ترامب مزيدا من الضرر على عدد هائل من الناس الذين يتعرضون للأذى بسبب أفعال الرئيس الخارجة عن القانون. لا يمكننا إزالة الأذى الذي يسببه لشعبنا” – بحسب وكالة فرانس برس.
رغم أن جنسيتها أميركية ووصلت في عملها السياسي إلى مكانة مرموقة رغم أنها مهاجرة؛ إلا أن رشيدة طلب لم تنسلخ من هويتها الفلسطينية، وتمسكت بالأصل العربي والإسلامي لشعب وأرض فلسطين، بل ومارست مهامها السياسية وفق مبدأ "تمزيق ستارة التنمر الأميركي التي تتخفى بها إدارة ترامب” فدخلت الكونجرس ومعها نسخة للقرآن المترجم استعارتها من المخطوطات النادرة بمكتبة الكونجرس ووضعت يدها عليها وأدت اليمين، وتزينت برداء فلسطيني تراثي.
الحقيقة أن القضية الفلسطينية تتعرض للتنمر يوميا في مختلف دول العالم، ولا سيما داخل لدول العربية بل وحتى في الداخل الفلسطيني، لكن رشيدة طلب تعتبر أن درء هذه المحاولات والتصدي لها واجب تفرضه عليها الأرض والشعب والهوية قبل أن يكون واجبا إنسانيا، وأرست مبدأ أنه حال أُجبرت على الانسلاخ من أرضك ووطنك وفقدان أهلك وشعبك فلا ينبغي لك أن تنسلخ من أصولك مهما بلغ اندماجك في المجتمع الجديد، وأن تضع نصب عينيك "درء التنمر” الملم بوطنك حتى لو كنت في أقوى وأعظم بلدان العالم.