هل سيكون سلاح البحرية الإيراني مفاجأة الحرب القادمة بعد الصواريخ الباليستية؟
*لماذا لا نستبعد أن تكون جولة بومبيو للمنطقة توزيعا للأدوار على دول "الناتو” السني؟
عبد الباري عطوان
يبدأ مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، اليوم الثلاثاء جولة في منطقة الشرق الأوسط تشمل السعودية ودول الخليج (الفارسي) الست، علاوة على مصر والأردن، والهدف هو اطلاع هذه الدول على الخطط الأمريكية لمواجهة التهديد الإيراني في ظل التوتر المتصاعد بين إيران والولايات المتحدة.
هذه الجولة تتجاوز ما تتحدث عنه بعض الصحف الخليجية من قضايا نراها ثانوية، مثل المحاكمات السعودية للمتورطين في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، والمصالحة الخليجية، إلى قضايا استراتيجية أكثر عمقا، خاصة بعد عزم إيران إرسال سفنا حربية مزودة بصواريخ باليستية وطائرات مروحية، ومنظومة دفاع جوي متطورة ومتكاملة، إلى فنزويلا، وقرب المياه الإقليمية الأمريكية في المحيط الأطلسي تحديدا، وإجرائها مناورات عسكرية في جزيرة "قشم” قرب مضيق هرمز الأسبوع الماضي، شاركت فيها سفن حربية ومروحيات وزوارق سريعة ووحدات كوماندوز.
*
ما يقلق الإدارة الأمريكية حاليا هو تطور البرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني بشكلٍ متسارعٍ، وإعلان إيران عن عزمها إطلاق مجموعة من هذه الصواريخ إلى الفضاء حاملة أقمار تجسس، الأمر الذي دفع بومبيو إلى توجيه تحذيرٍ شديد اللهجة إلى القيادة الإيرانية بالتراجع عن هذه الخطوة التي يقول أنها تشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي.
إيران، وبعد أن نجحت في تطوير صناعة الصواريخ الباليستية من مختلف الأبعاد والأحجام، وألغت عمليا مفعول التفوق الجوي الأمريكي والإسرائيلي، انتقلت إلى تطوير صناعاتها العسكرية البحرية، ابتداء من تصنيع الغواصات، وانتهاء ببناء مدمرات بحرية على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة، الأمر الذي مكنها من زعزعة هيمنة حاملات الطائرات الأمريكية في منطقة الخليج (الفارسي) والمحيط الهندي وباب المندب بشكلٍ أو بآخر.
التحدي الإيراني البحري للولايات المتحدة جاء على لسان الإدميرال تورج حسني مساعد قائد البحرية الإيراني عندما أعلن عن عزم بلاده، وبتعليماتٍ من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، إرسال مدمرة "سهند” الحاملة للمروحيات إلى جانب مدمرات أخرى إلى غرب الأطلسي كرد على إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات إلى منطقة الخليج (الفارسي).. والمدمرة "سهند” صناعة محلية يصعب رصدها من قبل الرادارات، ومجهزة بصواريخ أرض جو، وأخرى مضادة للطائرات، ومجهزة لخوض أي حربٍ إلكترونيةٍ محتملةٍ، وبهذا تصبح إيران رابع قوة بحرية تقدم على هذه الخطوة بعد الاتحاد السوفيتي والصين، وروسيا الاتحادية (أرسلت طائرات قاذفة تحمل قنابل نووية إلى فنزويلا قبل شهر).
القيادة العسكرية الأمريكية تأخذ تهديدات إيران على محمل الجد، فعندما هددت نظيرتها الإيرانية، وعلى لسان المرشد الأعلى، والجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري، بأنها ستغلق مضيق هرمز في حال تم فرض حظر أمريكي كامل على صادراتها النفطية، تراجعت إدارة الرئيس ترامب عن هذه التهديدات تحت ذريعة إعطاء ثماني دول إعفاءات، والسماح لها بالاستمرار في استيراد النفط الإيراني، ومن المفارقة أن معدل الصادرات النفطية إلى الهند والصين وتركيا وأوروبا ما زال على حاله ولم يتأثر.
لا نعرف تفاصيل المهمة التي سيحملها بومبيو إلى دول الناتو السني الخليجية والعربية (مصر والأردن)، وما هي الأدوار التي سيوزعها على هذه الدول الثماني، وما إذا كانت زيارة زميله جون بولتون، مستشار الأمن القومي لتل ابيب التي بدأت اليوم، مكملة لهذه الجولة، وتعكس تبادل الأدوار بينهما، فضم دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى جولة بومبيو ربما يشكل حرجا للدول العربية الثماني التي ستشملها، وستظهر إسرائيل بمظهر الدولة العضو في حلف الناتو العربي المتبلور، خاصة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كشف في مقابلته المثيرة للجدل مع محطة :سي بي إس″ الأمريكية أن طائرات إسرائيلية تتعاون مع نظيراتها المصرية وقصفت مواقع "داعش” في سيناء.
*
إعلان ترامب عن عزمه سحب قواته من سورية، وزيارته المفاجئة والسرية إلى قاعدة بلاده في عين الأسد غرب الرمادي العراقية، وتأكيده أن هذه القاعدة قد تستخدم في أي هجمات ضد تنظيم "الدولة الإسلامية” (داعش)، كلها تعكس ملامح المخطط الأمريكي في العام الجديد ومحطاته.
أمريكا لا تريد قتال "داعش” في سورية أو العراق، وإنما الاستعداد لأي مواجهة محتملة مع إيران بتحريضٍ إسرائيلي، وتريد تهيئة قواعدها سواء في العراق أو في منطقة الخليج (الفارسي)، وخاصة في قطر (العيديد) والبحرين والسعودية والإمارات والكويت.
لا نستبعد أن يتطرق الوزير بومبيو إلى الأزمة الخليجية، ويمارس ضغوطا لحلها مع أطرافها، وخاصة السعودية وقطر، ولكن ليس من أجل مصلحة هذه الدول، ووحدة مجلس التعاون الذي يشكل المظلة الإقليمية التي تستظل بظلها، وإنما في إطار المواجهة المحتملة مع إيران.. والأيام بيننا.