kayhan.ir

رمز الخبر: 8835
تأريخ النشر : 2014October21 - 20:09

غزة… واشتراطات المانحين… وثمن إعادة إعمارها!

عبداللطيف مهنا

جال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون متفقدًا أنقاض غزة المدمَّرة، ومن بين ركامها… الذي سبق وأن أدمن كل العالم وحفظ عن ظهر قلب مشاهده المريعة بالصوت والصورة مُتكررةً على شاشات التلفزة ثم ما لبث وأن شفي من إدمانه ونسي بسرعة ما حفظه

كان للأمين العام لهذا المحفل الأممي تصريحًا مدهشًا، قال فيه إن "الدمار الذي رأيته اليوم في غزة يفوق الوصف"! المفارقة هنا هي في أن ما قاله يذكِّرنا بأن الرجل نفسه كان قد جال في ذات الأمكنة المدمَّرة والمعاد تدميرها إياها قبل خمسة أعوام مرددًا ما يقارب ذات التصريحات، مضيفًا إليها في هذه المرة قوله، "وهو أكبر بكثير مما رأيته في العام 2009! ويقصد هنا ما شاهده إثر عدوان نهايات العام 2008 وما ألحقه حينها من خراب بغزة لم يتم إعمار أغلبه حتى الآن، أو هو ما ظل الباقي حتى إضافة ما أضافته الحرب العدوانية الأخيرة على ركامه من ركام يعجز بان كي مون مرة ثانية عن وصفه.

الصهاينة أبوا إلا أن تكون لهم لمستهم الخاصة لإعطاء زيارة الأمين العام التفقدية لما ألحقوه من دمار في غزة نكهتها الإعمارية المطلوبة، واستغلالًا منهم للمناسبة التي تتيحها لهم لتجميل قبائح فعالهم، فسمحوا ولأول مرة منذ أن توقفت الحرب بإدخال كمية بخسة من مواد البناء عبر معبر كرم أبو سالم، تلقفها ورحب بها رئيس حكومة سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال رامي الحمدالله وعدَّها إشارة البدء لانطلاق عملية إعادة إعمار غزة المنتظرة، أو هذه المفترض أنها المعطوفة على حصيلة مداولات مؤتمر المانحين الذي دعت إليه النرويج واحتضنته القاهرة قبل يومين فحسب من تفقُّد بان كي مون لغزة وانطلاقة الحمدالله الإعمارية.

كان مؤتمر القاهرة الأخير أكثر كرمًا على غزة من مؤتمر شرم الشيخ في العام 2009، ففي حين أن الأول قد تعهَّد حينها برصد4,481 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، تعهَّد الأخير مزاودًا على سابقه بـ5,4 مليار دولار… وحيث إن الرعاة والداعين والمتداعين والمضيفين هم في المؤتمرين، ونعني الأميركان والأوروبيين وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمعنى ذات حلفاء الصهاينة ورعاتهم وحماتهم ونفس أعداء المقاومة ودعاة نزع سلاحها، يضاف لهم أصدقاؤهم إياهم من العرب، لم يُنفَّذ، كما هو المعروف، شيئًا مما تعَّهد به الأول، أما الثاني فإن وعوده مشروطه ومربوطة سلفًا بالتسوية، وعودة سلطة أوسلو إلى غزة…عودتها التي، ووفقًا للمراد منها، وما يتيحه ما هو بادٍ من حالها العصي على التبدُّل، لن تكون إلا مع معهود نهجها التسووي إياه وبمساراته التفاوضية التنازلية إياها، ناهيك عن تعهُّداتها الأمنية وعلى رأسها تنسيقها الأمني مع الاحتلال، أي سحب أنموذجها الأمني المطبق راهنًا في الضفة على غزة… كان جليًّا أن ما أجمع عليه كل المشاركين في هذا المحفل الإعماري التسووي، هو ذات ما سبق وإن كان منهم في شرم الشيخ وأخبرونا به سلفًا مؤخرًا في القاهرة، أو ما تستبطنه مقولة إن "الحل السياسي يجب أن يسبق الإعمار"… ويمكن أن نضيف من عندنا، وبالنظر إلى ما هو كامن وراء كرم المانحين، وفتح المعابر رهن بنزع سلاح المقاومة… بمعنى أن إعادة الإعمار هذه مشروطة بتقدم المفاوضات، الذي لا يعني سوى استدرار المزيد من التنازلات الفلسطينية باتجاه تصفية القضية، بمعنى أن العملية بمجملها معلَّقة بمدى مردودها التصفوي!!!

هذه الجلبة الإعمارية التسووية مُهِّد لها بالتباطؤ المنسَّق لإعادة الإعمار، وعدم رفع الحصار، ومواصلة إحكام إقفال المعابر، بشقيه الصهيوني والعربي، ويمكن إضافة تزامن راهن الجلبة الأوروبية المثارة حول الاعتراف الرمزي بدولة فلسطين الافتراضية إلى ذلك. وإذ يتحدث المانحون عن ضرورة إعادة الإعمار، لكنهم يركِّزون على ضمان أن ما سيجودون به لن يذهب هباءً، بمعنى ضمان أن لا يغضب الغزِّيون الصهاينة فيعيد هؤلاء تدمير ما يبنى، والذين من عجب يتحدثون اليوم بحماس عن إعادة إعمار ما دمَّروه، وعن معاناة الغزيين، وكأن مسؤولية ما ارتكبوه تقع على عاتق سواهم. والأطرف منه، هو أنهم، وهم الذين يعتبرون أنفسهم المعنيين قبل سواهم بالحكاية، قد غُيِّبوا ظاهريًّا عن المؤتمر بتفاهم مسبق يقولون إنه قد تم مع المضيفين، لكنهم، وبالعودة إلى تصريحات ليبرمان، قد حرصوا مسبقًا على رسم خريطة لمسار هذا الإعمار عبر تنسيق تم مع الولايات المتحدة، إذ يقول، إن "هناك تفاهمات لا بأس بها" قد تمت مع الأميركان، وإن "العتاد سيمر عبر حواجزنا الأمنية"، وأكثر منه، أنه "يستحيل إعادة إعمار غزة من دون مشاركة إسرائيل"، بمعنى وجوب أن يأخذ الصهاينة نصيبهم من مليارات إعادة الإعمار لو أنها تمت، أو أنها لا بد أن تصب في نهاية المطاف في صالحهم!

في ظل جلبة الإعداد لمؤتمر إعادة الإعمار المعلق، أو المشروط بتقدم المفاوضات التسووية التصفوية المنتظرة، أقر الصهاينة مشروعًا جديدًا لخطوة تهويدية إضافية تقضي ببناء 2160 وحدة استعمارية جديدة في القدس ومناطق أخرى في الضفة، وعشية انفضاض هذا المؤتمر، وقبل أن تتبدد أصداؤه الإعمارية، طبقوا هدفهم الذي مهَّدوا له عمليًّا منذ أمد وهو تقسيم الحرم المقدسي زمنيًّا، حين استباحوا ساحاته في عيدهم المعروف بـ"العُرش"، ومنعوا المقدسيين من الصلاة فيه، وأحرق رعاعهم في ظل حماية جندهم مسجدًا في نابلس… مما سبق يتضح لنا أن أول ضحايا إعادة الإعمار المشروطة والمشكوك في تنفيذها هو تكاذب ما بعد فرية ما دعيت ذات يوم بالمصا لحة… ومعها حلم الوحدة الوطنية الفلسطينية.