انقرة والحساب العسير
لهذه اللحظة لم يستطع أي من المراقبين ان يضع تفسيرا للموقف التركي المعادي لسوريا، وكذلك الاندفاعة الكبرى للحكومة التركية نحو تقديم الدعم اللامحدود للمجموعات الارهابية في كل من العراق وسوريا، ولا يمكن للمراقبين كذلك ان يفسروا ماهو الهدف من وراء هذا التصرف الذي خرج عن الاطر والاعراف الدبلوماسية فضلا عن الاخلاقية؟, وقد اثار التصرف التركي في دعم الارهابيين حفيظة الكثير من المنظمات الحقوقية والانسانية الدولية وكذلك حتى الداخل التركي اذ ارتفعت اصوات المعارضة التي طالبت من حكومة اردوغان ان تغير موقفها وتعديل مسيرتها من خلال التظاهرات التي عمت ارجاء تركيا، وقد كانت تنصب مطالبها بأن تكف الحكومة التركية في تدخلها السلبي سواء كان في العراق وسوريا، الا ان حكومة اردوغان قد اغمضت عينيها وأصمت اذانها من ان تسمع لهذه الاصوات واخذت تتجاوز وبصورة وصلت الى حد الوقاحة، والا ماذا يمكن ان نفسر موقفها المخزي بالامس من انها لن تشارك في التحالف الاميركي الا اذا ضمنت لها واشنطن اربعة شروط الا وهي فرض حظر جوي وارض منزوعة السلاح وفتح معسكرات تدريب لما تدعيه كذبا للمعارضة والاهم في هذه الشروط هو ضرب سوريا لاسقاط النظام السوري؟.
والسؤال هنا لو ان اي دولة من دول العالم قد طالبت بهذه الشروط ضد انقرة، فماذا سيكون موقفها وماذا يمكن ان تفسر هذا الامر؟ هل تستسلم وتجلس صامتة ولم تحرك ساكنا ام انها تقيم الدنيا ولا تقعدها وتعتبر ذلك تجاوزا على سيادتها واستقلالها وتدخل سافر ووقح في شؤونها، اذن لما ترفض وذلك لنفسها وتقبله لغيرها وتضع حتى المعايير والمقاييس الدولية كما تدعي؟.
وطبيعي ان هذه السياسة الهوجاء لحكومة اردوغان قد اوقعها في حالة من العزلة ليست الاقليمية فحسب، بل حتى الدولية، وقد اتضح هذا بالامس في مجلس الامن عندما فقدت مقعدها والذي وصفتها اوساط اعلامية وسياسية بانها ضربة قاصمة ورد قاطع على سياستها الغير منسجمة مع الواقع الاقليمي والدولي.
وانقرة لا بد لها ان تدرك جيدا ان فعل هذه المواقف المتسرعة وغير الحكيمة قد لا توصلها الى ما تهدف اليه وبذلك ليس فقط يفقدها اعتبارها الاقليمي والدولي، بل سيجعلها في حالة من العزلة القاتلة، خاصة وفيما اذا اتخذت الدول الداعمة لسوريا قرارات تستطيع ان تجعلها في حالة من الضعف خاصة في الموضوع الاقتصادي وهو عصب الحياة لانقرة بحيث يمكن ان تواجه مقاطعة اقتصادية من هذه الدول والتي بلغت في بعض الاحيان مبادلاتها التجارية الى اكثر من عشرين مليون دولار.
لذلك يتطلب من انقرة اليوم ان تفكر جديا في مستقبل علاقتها مع دول الجوار خاصة التي اكتوت ولا زالت تكتوى بنيران الارهاب المدعوم من قبلها، لان هذه المجاميع الارهابية والتي تتلقى الضربات الموجعة من قبل الجيشين السوري والعراقي لابد ان يأتي اليوم الذي ستنتهي فيه، وعندها ستضع الحرب اوزارها وتبقى تبعاتها على كل الذين مولوا ودعموا وساندوا هذه المجاميع ليتلقوا حسابهم العسير من قبل الشعبين العراقي والسوري واللذين كانوا حطبا لنيران هذه المجاميع. وبالطبع ستكون انقرة هي الدولة الاولى بعد الدول الداعمة بان تقف في قفص الاتهام لتنال جزاءها العادل جراء الدماء البريئة التي سالت على يد من الارهابيين المجرمين.