kayhan.ir

رمز الخبر: 85972
تأريخ النشر : 2018November25 - 20:15

’نيوم’ الدرع الواقي للنظام السعودي (2-2)


د.لينه بلاغي

مرت على العالم العربي والاسلامي قضايا عديدة ليست اولها فلسطين وليس اخرها "صفقة القرن" بعد تمرير صفقة "القدس"، او الحرب على اليمن الذي كان سعيدا، وسوريا والعراق برمزيتيهما الحضارية، او الصراعات والحروب المتنقلة، التي لن تهدأ، انما جاء مشروع نيوم " السعودي " ليمثل واحدة من اكثر خطوات الراسمالية تقدما في العالم الاسلامي، لم يعكر صفوها الا جريمة اغتيال الخاشقجي .

ان الهدف من صفقة القرن، استقرار الحكم في الكيان الاسرائيلي الطموح جدا، سياسيا وامنيا، في مراحله الاولى، وثقافيا ودينا واقتصاديا، في مراحله التي تمتد حتى 2030 (عام تحقق الرؤية السعودية)، فبعد الاعتراف الرسمي الدولي المباشر او غير المباشر بالقدس، مهبط الرسالات، عاصمة للكيان الاسرائيلي، وبعد انطلاق فاعليات التطبيع العربي، سنكون في محضر مشهدية " نيوم"، مشروع، المدينة المستقبلية، الراسمالي الحضاري بامتياز .

على الخريطة يتضح أنه يضم الى جانب منطقة تبوك، جزيرتي تيران و صنافير، بالإضافة إلى أجزاء من سواحل خليج العقبة و شواطئ البحر الأحمر و حدود السعودية مع دولتي مصر و الأردن، اما شعاع نيوم فسوف يطال كل الحجاز وامتدادته جنوبا اليمن (السعيد) وعمان عطفا على زيارة نتنياهو الاخيرة للسلطنة والخليج الفارسي شرقا، والشمال الشرقي، العراق، وشمالا سوريا ولبنان عبر الاردن والعراق، والبحر الابيض المتوسط، بالتناغم مع مصر، عبر سيناء والسودان بشقيه... ان شعاع نيوم كبير جدا بحجم الطموحات الاسرائيلية بـ"اسرائيل الكبرى"، مشروع يوحد الجهود ويضاعف الامكانات التي تبذل لوصل المحيطين الاطلسي والهندي عبر بحري الابيض المتوسط والاحمر، ويفتح الافاق مستقبلا للالتفاف على او للشراكة او لاستيعاب احزمة الصين وطرقها الحريرية .

منطقة الحجاز المستهدفة

منطقة تبلغ مساحتها مرتين ونصف مساحة لبنان ومرة وربع مساحة فلسطين المحتلة، حسبما وصفت وسائل اعلام المملكة، وتقع أراضيها في موقع استراتيجي دقيق على البحر الأحمر وخليج العقبة.لكن اين هو هذا الموقع من التراث والدين الاسلامي ؟، تقع الحجاز في غرب وشمال غرب شبه الجزيرة العربيّة، وسمّيت بالحجاز لأنّها تحجز نجد ا عن تهامة. تمتدّ أرض الحجاز ما بين كل من تبوك التي تميزت بانها كانت موضع اخر حملة عسكرية قادها النبي محمد وهزم فيها الروم دون معركة ، " مدين " التي ورد ذكرها في قصص النبي موسى(ع)، والمنطقة التي عبر منها موسى ما بين مصر والحجاز (حسب بعض الروايات) والباحة، وخيبر ومنطقة المدينة المنوّرة، ومنطقة مكّة المكرّمة، وهذا الترتيب من الشمال إلى الجنوب، إلّا أنّ مكة المكرمة تعود إلى تهامة؛ فتهامة هي السهل المجاور والموازي للبحر الأحمر. وكان إقليم الحجاز هو أحد أهم الأقاليم الإداريّة التي كانت تتبع للعصور الإسلامية المختلفة ابتدا ء من عصر رسول الله (ص) إلى عصر العثمانيين، مرورا بالخلافة الرّاشدة والعصر الأموي والعصر العبّاسي والعصر الفاطمي والعصر المملوكي.

واذا ما جمعنا اليها اي الحجاز،الدول المشاركة كمصر والاردن وتقنيا " اسرائيل "، فاننا نكون امام دائرة جغرافية كبيرة تصب في عمق الاهتمام الاسرائيلي، التاريخي الديني الراسمالي تتمدد كتمدد الروايات اليهودية .

النص الاعلامي الذي وزع من قبل المملكة العام الماضي حول المشروع، ركز على مسالتين، التسمية اولا: حيث كانت: "المستقبل الجديد" نسبة الى نيوم (NEOM) حيث تمثل الكلمة اليونانية "نيو" اي "الجديد"، "الحديث"، "الذي تم إحيائه"، "المعدَّل"، لكن كان من الصعب تقبل فكرة ان يكون مختصر M هو كلمة "مستقبل" في اللغة العربية، فاما ان تكون اختصارا لاسم او لصفة من اللغة عينها، كمحمد او المحمديين، وهي تستخدم مركبة سياسيا وايديولجيا مع كلمات، نيوفاشية، نيونازية، المحافظون الجدد..

وقد تكون كلمة "نيو" كما تدلل عليها الروابط الالكترونية، بحيث تقود مباشرة الى كل ما له علاقة بالعملات الرقمية او ما له علاقة بالاقتصاد الذكي القائم على تكنولوجيا " السلاسل ذات العقد " المعلوماتية التي تغذي العملات الرقمية، وبطبيعة الحال "العقود الذكية" او "العقود الجديدة" وهي وجه من وجوه الراسمالية العالمية الجديدة .

وثانيا: ارتكزت الدعاية السعودية، على مسالة الانفتاح الديني والثقافي والحريات، وهو ما ترافق مع عدد من القرارات السعودية بالتوازي وتباعا، من بينها قرار قيادة المراة للسيارات، فتح دور السينما وعروض الازياء...بالاضافة الى جملة من الاعتقالات لداعمي النظام بالامس القريب من رجالات الدين والمثقفين والامراء ... كما ارتكزت الدعاية الى جانب الموضوع العلمي والتكنولوجي، على المنتجعات التي ستحتل مساحة كبيرة جدا من شواطي تمتد من خليج العقبة الى البحر الاحمر، ما يخرج هذه المنطقة من بعدها الجغرافي الديني الى البعد والدور الراسمالي الدولي.

المفكر والاقتصادي الروسي، رئيس مؤسسة نيكون للاستشارات الاقتصادية ميخائيل خازين في مقابلة له مع التلفزيون الروسي، وبعد سبر أغوار تاريخي لانطلاقة التوأم، الليبرالية والراسمالية، يشير الى انه " توجب على اتباع هذا المذهب(الراسمالي) ضرب القيم الدينية بالمطلق لكي تتمكن هذه المفاهيم من التوسع، بمعنى كان لا بد من القضاء على مفهوم الربا، الذي يعتبر عائقا في الديانة المسيحية وبالتالي تم رفض احد مبادئ الكتاب المقدس واستتبعه رفض كل ما يمت الى الدين، فاما ان تاخذ كل الوصايا او تتركها جميعا ". ان مفهوم فكرة الحرية يجب ان يفهم كما اراده الفكر الراسمالي الغربي "ان كلمة الحرية من منظورهم تعني، حق اي فرد باختيار نظام قيمه بنفسه وبالتالي لم يعد يوجد هناك اخلاق مجتمعية او مشتركة وانما حل مكانها القانون، وحيث لا يطال القانون الفرد، بامكانه ان يفعل ما يريد". وتوافقه في الوصف المتعلق بـ" الراسمالية تحت غطاء الكنيسة " المؤرخة والاستاذة بجامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية أولغا تشيتفيريكوفا .

ان النظام الراسمالي القائم على فكرة " الربا" اي الاستدانه ودفع "المال في مقابل الوقت "، وتراكم الثروات، هو نظام في طور الانهيار، وهي قناعة بدات تتاطر بوضوح في المجتمعات الغربية وبين المختصيين، كالاقتصادي والاستاذ الجامعي الامريكي ريتشارد د. وولف، الذي تبنى فكرة ضرورة تغير النظام الراسمالي، الذي اثبت عدم نجاعته بكافة المعايير، وانه يشكل خطرا على المواطن الامريكي لجهة عدم فاعليته التي تثبتها الازمات المتكررة لهذا النظام من جهة ومن جهة اخرى عدم عدالته، ويدعوا الى نظام اشتراكي ديموقراطي، يمكن الطبقة العاملة من المساهمة في اتخاذ القرار، فيما يتعلق بوسائل الانتاج – وتوزيع الارباح .

ان النظام يحاول اعادة انتاج وتعزيز قدراته من خلال الالتفاف على الجغرافيات البدائية التي تمتلك من المقومات ما يمنحه مزيدا من الوقت والمال(الصراع للبقاء). ولذلك لم يعد بامكان هذا النظام ان يشيح بنظره طويلا عن فرصة كسر منظومة الاسلام الواضحة المتعلقة بمفهوم "الربا" المعطوفة على ما يملك من مخزون مالي عبر مقومات كمصادر الطاقة وطرق المواصلات والتعداد السكاني المسلم عموما او كما وصفهم نتنياهو مؤخرا " ابناء اسماعيل " (وهي تسمية وفق الحاخام اليهودي شوفيتز حاييم، تطلق على اسماعيل في التوراة، معتبره اياه وحشا بشريا غير قابل للاصلاح وان اجتمعت كل الامم المتحضرة على فعل ذلك ).

ان السيناريو الذي مرت به الديانة المسيحية على مر التاريخ والذي حول كنيسة روما الكاثوليكية الى مؤسسة شبه كنسية ودولة كجزء لا يتجزء من المنظومة الراسمالية، بقيادة الفكر اليهودي، يطبق حاليا على العالم الاسلامي، اذ يمتلك الكيان الاسرائيلي ميناء إيلات المطل على خليج العقبة، والمستثمرون الإسرائيليون اعربوا عن رغبتهم في الدخول إلى هذا المحور العالمي، خصوصا وأن البنية التحتية للمنطقة والكثير من قطاعاتها الاستثمارية مثل الطاقة والمياه والتقنيات الحيوية بحاجة لشركات محلية متقدمة تكنولوجيا، يقول الإسرائيليون أنهم وحدهم من يتمتعون بوجودها في المنطقة وهذا ما اكده نتنياهو مؤخرا عندما استعرض القدرات الاسرائيلية في هذا المجال .من هنا يمكن فهم وتلمس اهمية المشروع " نيوم " ومبررات اخراج السعودية من ورطة الخاشقجي .

في العودة الى السنوات القليلة الماضية، شهدنا حملة ممنهجة على التعاليم الحياتية الاساسية في الاسلام، طالت مختلف جوانبه، بعدما تم تفريغ محتواه الجهادي عبر ما عرف بالارهاب و" مواجهة الارهاب "،من ابسط المسائل الى اعقدها، كما طالعتنا دراسات توثيقية مؤخرا، توثق للتاريخ اليهودي في الحجاز، نقطة انطلاق الاسلام المحمدي، لكن اوقحها واكثرها شناعة هو ذلك الوثائقي لدان جيبسون الذي يدعي وبكل اعتزاز، ان " مكة " المسلمين التي ولى الرسول وجهه باتجاهها ليست صحيحه وان مكة ما هي الا البتراء في الاردن، وبالتالي وبمنطق الامور، تهشيم وتفريغ الدين من رسالته، فنبذ الربا كما في المسيحية هي في الاسلام، تقتضي نبذ السلة كاملة، وبالتالي، اما الاسلام بحكمه المتعلق بالربا او اعادة رسم اسلام محمدي جديد، لم يعد التاريخ الفلسطيني وحده في معرض التزوير وانما تواريخ مجمل المنطقة التي يختصرها،"نيوم" او المحمديين الجدد وقبلتهم المعاد احياؤها، "اسرائيل" والهيكل.

تكنولوجيا المعلومات، والاتصال، المدن الذكية، العملات والعقود الذكية، البنوك والقروض والكمبيالات، التجارة الحرة، الاحتكار، الدولار، البنك الفيدرالي الامريكي المركزي ...هي الوجوه المتعددة للراسمالية الجديدة، التي باتت ضخمة الى حد اننا نعيشها يوميا وفي مجمل حياتنا الخاصة والعامة، نشعر بوجودها، وترفع وتذل ... لكننا لا نراها .

من هذا الواقع الذي حاولنا استعراضه بايجاز كبير، ان من يعتقد بان تغيرات ستطال بنية الفكر الذي بات يتحكم بالمملكة وان المسؤول عن جريمة خاشقجي، سيحاكم على جرائمه بسبب الراي العام، فهو واهم، ان التدقيق في المواقف التي اتخذت على مر الاسابيع القليلة الماضية، تؤكد ان من تحرك كانت الحكومات والدول، ومن صمت ايضا كانت هي نفسها الحكومات والدول، استنادا الى نسب المصلحة وفروض الطاعة، لم يكن هناك راي عام دولي حقيقي، ولا اقليمي .. ما حسب له حساب في اواخر العقود من القرن الماضي قد انتهى مع اخر رصاصة اطلقت على حركة سياتل، والراي العام العربي والاسلامي بدا العمل عليه عقب حرب 2006 الاسرائيلية ضد لبنان، حين تنبه اصحاب مشروع الشرق الاوسط الى استمرار فاعلية هذا الراي وتاثيره على المنطقة، ففت تحت ذريعة صراع "سني شيعي"، واتت الحرب الكونية على سوريا لتحاول الاجهاز عليه .