kayhan.ir

رمز الخبر: 85686
تأريخ النشر : 2018November19 - 19:46

مستقبل العلاقات الأمريكية - التركية من بوابة الأكراد


محمد محمود مرتضى

تشهد العلاقات الأمريكية – التركية تأرجحا بين مد وجزر وسط ترقب لما ستسفر عنه المواقف في ملف الأكراد في سوريا، والذي يعد محوريًّا لكلا الطرفين.

تجدد أنقرة دعوتها إلى واشنطن بالتخلي عن دعم أكراد سوريا، في وقت يستبعد فيه أن تستجيب الولايات المتحدة الأميركية.

يعتبر البعض أن اعلان السفارة الأمريكية في أنقرة في 6 من الشهر الجاري عن مكافأة بملايين الدولارات مقابل الإدلاء بمعلومات تساعد في القبض على 3 من قيادات حزب العمال الكردستاني (صنفته الولايات المتحدة منظمة إرهابية) هو بمثابة نوع من الغزل أبدته واشنطن تجاه انقرة.

وقد فُسر الإعلان الأمريكي بأنه نوع من التطمينات لأنقرة حول ملف حزب العمال الكردستاني والموقف الأمريكي منه، قبل أن يأتي الرد التركي على لسان المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم كالين الذي شدد، وفق ما أفادت وكالة "رويترز"، على أن تركيا لن تخفف موقفها من وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لتحقيق تطلعات الولايات المتحدة، واصفاً خطوة أمريكا بالإيجابية لكن المتأخرة.

كانت مؤشرات عدة توحي بأن تحسناً سيلحق بالعلاقات الاميركية التركية على خلفية إفراج أنقرة في الثالث عشر من شهر تشرين أول أكتوبر الماضي عن القس الأمريكي أندرو برانسون، الذي احتجزته أنقرة على خلفية الانقلاب الفاشل في العام 2016، اضافة الى بدء تنفيذ الدوريات الأمريكية - التركية المشتركة في "منبج" مطلع الشهر الحالي، بعد نحو أربعة أشهر من الاتفاق الفعلي على تسييرها، والذي عُرِف آنذاك باتفاق "منبج" في حزيران الماضي.

لكن ما ظنه البعض أنه بداية التخلي الأمريكي عن الأكراد، ليس سوى استمرار للنهج الأمريكي في إمساك العصا من المنتصف. فغداة عشاء "أردوغان – ترامب" في فرنسا على هامش احتفالات ذكرى الحرب العالمية الأولى، أقيمت مأدبة موازية ذات دلالة جمعت جنرالات أمريكيين ومقاتلين أكراداً في الولايات المتحدة في مناسبة الاحتفال بعيد المحاربين القدماء؛ وهو لقاء استدعى تعليقًا تركيًّا رفيعًا من قِبل وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار"، طالب فيه واشنطن بالالتزام بوعودها في وقف دعم المقاتلين الأكراد، معتبراً أنه من غير المقبول أن تستمر الولايات المتحدة في تزويد الأكراد بالأسلحة والذخيرة عبر شاحنات وطائرات رغم تحييد تنظيم "داعش" في سوريا إلى حد كبير.

وإضافة للعشاء، فقد نظمت واشنطن دوريات مشتركة مع الأكراد على الحدود التركية - السورية بالتوازي مع الدوريات المشتركة مع الأتراك في منبج، ما يشير الى تداخل كبير في المصالح ما يطرح تساؤلات حول الآفاق المستقبلية للطموحات التركية شرق الفرات.

تركيا كانت قد هددت باجتياح مناطق شرق الفرات، في 26 من تشرين أول أكتوبر الماضي، حيث قال "أردوغان": إن بلاده تعتزم تركيز عملياتها العسكرية شرق الفرات في سوريا وليس منبج، مشددًا على أن أنقرة لن تسمح بأي أعمال من شأنها تهديد الاستقرار عند الحدود التركية.

الا أن التهديدات التركية هذه من المستبعد تنفيذها في ظلِّ السيطرة الأمريكية على المنطقة ودعمها للقوات الكردية، ممثلة في وحدات حماية الشعب الكردي، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، اذ إن هذه المنطقة تعتبر ذات أهمية جيو-استراتيجية لواشنطن لأسباب عدة: أولها ثروتها النفطية والزراعية، كما أن المنطقة تضم طريق العراق - سوريا البري وصولا إلى بيروت. فملفا النفط والزراعة (شرق الفرات)، يمكن أن تستغلهما واشنطن في الضغط على ملف إعادة الإعمار في سوريا، ما يشير الى صعوبة تخلي واشنطن عن الملف الكردي في المدى المنظور.

وهكذا يبدو أن الاستجابة الأمريكية للرغبة التركية في التخلي عن الأكراد غير واردة؛ لتعارضها مع المصالح الأمريكية في المشهد السوري، لكن في المقابل، يمكن ايجاد عناصر أخرى لتقارب واشنطن مع أنقرة مع احتفاظها بورقة الأكراد.

اذ بمقدورها الموازنة بين تركيا والأكراد، من خلال إعادة تشكيل قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بإدخال عناصر كردية أخرى غير وحدات حماية الشعب أو وحدات عربية؛ بحيث لا تجعل السيطرة الأكبر لقوات حماية الشعب الكردية.

كما أن إبعاد الأكراد عن الشريط الحدودي مع تركيا، والانسحاب نحو العمق في المثلث بين دير الزور والحسكة والرقة، قد يكون هدفًا مُرضيًا لتركيا.

ومع ذلك يبقى التساؤل الأخير، هل ترغب أمريكا في التقرب من تركيا؟

الإجابة عن هذا السؤال لا تقتصر بالضرورة على المشهد السوري، اذ إن ملف مقتل الصحفي الخاشقجي قد يكون ملفاً مفيدا لتركيا للضغط على واشنطن لتقديم تنازلات في الملف الكردي اذا ما قررت واشنطن التمسك بحليفها بن سلمان وتبرئته من دم خاشقجي، وهو ملف يبدو أن التركي لن يقبل أن يكون لاعباً هامشياً فيه.