وقف تمويل الأونروا والعواقب الوخيمة
عبير بسام
منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قطع المساعدات الأميركية عن الأونروا، بدأ السؤال عن مصير الفلسطينيين وخصوصاً في المخيمات الفلسطينية في لبنان. اذ يعلم الجميع أن الوضع المزري في مخيمات لبنان حقيقة مخجلة، وأن لبنان غير قادر على القيام بواجباته تجاه أبنائه من حيث تأمين التعليم والطبابة والخدمات الإجتماعية، وبالتالي فإن نتائج وقف التمويل للأنروا ستكون كارثية على المخيمات الفلسطينية، التي لن يكون قاطنوها قادرين على دفع إيجارات أراضي المخيمات أو فواتير الكهرباء أو الخدمات الصحية والإجتماعية التي تغطيها الأونروا في المخيمات.
هدف إنشاء المنظمة الدولية كان تشغيل اللاجئين الفلسطينيين والعمل على إعادتهم إلى أراضيهم التي أخرجوا منها! والحقيقة أن المنظمة، لم تستطع سوى أن تعمل كمنظمة خيرية تؤمن الحاجات الأساسية من حصص معيشية، ولم تكن قادرة على تأمين فرص العمل إلا لقلة في مؤسساتها. ولكن الحاجة إليها في لبنان ازدادت أكثر من أية دولة عربية أخرى، بسبب الحصار الذي فرض على الفلسطينيين في داخل المخيمات والتعامل معهم كأناس من الدرجة الثانية ورفض منحهم فرص العمل أسوة بالفرص المعطاة لهم في بعض الدول العربية تحت ذريعة اختلال التوازن الطائفي في لبنان، اذ يعمل الفلسطينيون في سوريا والأردن وغيرها من الدول العربية، وهم أناس متعلمون ومنتجون ولكن ذلك لم يمنعهم من المطالبة حتى اليوم بحق العودة ورفض التجنيس. قاوم الفلسطينيون في الأردن بشدة القرار الملكي بمنحهم جوازات السفر الأردنية في السبعينات. وعلى المقلب الآخر لا يمكننا سوى الإعتراف أن دعم الأونروا في هذه الظروف الصعبة، التي تعيشها المخيمات، أحد أسباب الصمود الفلسطيني ولو من الناحية اللوجستية والإنسانية. كما أن تقديمات الأونروا هي واحدة من مصادر الدعم المادي التي منعت انفجار المخيمات بسبب حالات الفقر فيها.
تعيش المؤسسة اليوم أزمة وجودية، ويتلمس اللاجئون الفلسطينيون تراجع دور المنظمة منذ نشأتها إلى الآن. ويعزون ذلك لأسباب سياسية تنعكس من خلال موقف المجتمع الدولي المرتبط بالموقف الأمريكي والإسرائيلي بخصوص اللاجئين، حيث تصر أميركا والكيان الاسرائيلي على وجوب توطين الفلسطينيين في مناطق اللجوء، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وموضوع حق العودة، في حين أن المنظمة تصر على أن السبب هو مالي بالتحديد. ولكن كشف أحد القياديين الفلسطينيي في تصريح مؤخرأ أن العلاقات بين الرئيس محمود عباس والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تمر بحالة توتر كبيرة، على خلفية استخدام الرياض الضغوط على الأول للقبول بـ "صفقة القرن"، لافتاً إلى أن الرياض ستستخدم ورقة اللاجئين الشائكة وتمويل الأونروا للضغط عليهم، واصفاً ذلك بأنه "ابتزاز سياسي" لن يُخضع له. اذ تدعم المملكة الأونروا بمبلغ قدره 148 مليون دولار، وهو الثالث ترتيباً بعد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.
هناك قناعة لدى كل من الكيان الاسرائيلي وأميركا بأن انتهاء الأونروا كمؤسسة تعني بشؤون اللاجئين الفلسطينيين يمكنه أن ينهي قضية اللاجئين وبالتالي القضية الفسطينية. وعبر الرئيس الأميركي عن هذه النوايا خلال الخطاب الذي ألقاه أمام القادة اليهود في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي عندم تحدث عن الدور الذي يلعبه من أجل دعم "اسرائيل" وأنه لن يقدم أية مساعدات للفلسطينيين حتى يبرموا صفقة القرن. وأنه واثق من أن الفلسطينيين سوف يخضعون في نهاية الأمر ويتمون الصفقة، وبإتمامها سيقبل الفلسطينيون بالتخلي عن حق العودة. وأكد أن أول عقبة أزالها أمام الصفقة كان بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل وبافتتاح السفارة الأميركية فيها. كما أن ترامب يذهب نحو ترويج فكرة خطيرة مفادها أن اللاجئين فقط هم، الذين خرجوا بقوة السلاح والطرد من فلسطين 1948 والذين تجاوزوا السبعين عاماً. ومن خلال محاربة عمل الأونروا يحاول ترامب فرض السلام الذي يراه يتحقق من خلال صفقة القرن، ولكن ما يفعله في الحقيقة، أنه يصعد للحرب القادمة على الفلسطينيين، ووصفت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب الابتزاز الأمريكي السياسي بـ"الرخيص"، في قضية اللاجئين الفلسطينيين. حيث يحاول كل من ترامب ونتنياهو بعث الشكوك حول دور الأونروا، وأنها ستكون السبب في دمار دولة "اسرائيل" من خلال ضعف دورها مقارنةً بدور المفوضية السامية للأمم المتحدة للشؤون اللاجئين، والتي تحاول توطين اللاجئين في أماكن لجوءهم.
تراجع دور الأونروا لم يبدأ مع إعلان ترامب ولكن ذلك ابتدأ في العام 2016 ، والذي نتج عنه قلق بين الفلسطينيين في لبنان، وجاء ذلك مع التقصير الذي شهده إعادة بناء مخيم نهر البارد، والذي كان ينبئ بأن هناك أمر ما يحضر، مما ينبئ أن هناك خطة لإعادة تهجير الفلسطينيين أو التحضير لتوطينهم في لبنان.
واليوم، عدم دفع مخصصات الأونروا وبالتالي محاولة إغلاقها ستكون له أثر وانعكاسات كبيرة مستقبل ملايين اللاجئين الفلسطينيين، اذ تؤمن الأونروا التعليم لحوالي 500 ألف شاب وفتاة، كما تؤمن سبل دعم العيش لأكثر من ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني في سوريا ولبنان والعراق والأردن ومعظم هؤلاء لا يحملون إلا هوية اللجوء الفلسطينية، والذين سيتأثرون بعمل ونشاط هذه المؤسسة ويعيشون اليوم حالة مضطربة بسبب الوضع الجديد القادم والذي يتضمن انذارات ببدء مرحلة أسوء من سابقاتها. كما أن الإنذار يطال التأثير الذي سيتسبب به توقف عملها على العلاقة ما بين الفلسطينيين واللبنانيين في المرحلة القادمة، خاصة وأن الدولة اللبنانية لديها مشكلتان الأولى عدم القدرة على تقديم المعونات للفلسطينيين ومتابعة أوضاعهم في داخل المخيمات. والسبب الثاني له علاقة بتركيبة النظام الطائفي السياسي اللبناني، والذي لن يسمح بتوطينهم ولا حتى مستقبلاً. وما يجب النظر فيه، هو مدى تأثير الوضع الجديد الناتج عن توقف الأونروا على الوضع الأمني في لبنان، خاصة وأن مخيمات الفقر والبؤس ستصبح أكثر فقراً وأكثر بؤساً؟