kayhan.ir

رمز الخبر: 8446
تأريخ النشر : 2014October14 - 19:37

نتنياهويسوق أوهام السلام

د. رغيد الصلح

رغم مضي أيام على المبارزة السياسية التي شهدتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بين رئيس الحكومة "الإسرائيلية” بنيامين نتنياهووالرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإن ردود الفعل عليها لم تنقطع حتى اليوم. في هذا السياق، رشح البعض نتنياهوللفوز بجائزة الأوسكار، نظراً للطابع الدرامي الذي اتسم به خطابه، سوءاً في مضمونه أوفي أسلوب الإلقاء.

ولكن هذا الاقتراح لا يلقى أصداء إيجابية لدى ناقدي نتنياهو، لأن أداءه بات متكرراً ويفتقر إلى الصدقية، ولم يعد مقنعاً. وكان من بين الذين أثاروا هذه النقطة الأخيرة زعيم المعارضة "الإسرائيلية” إسحاق هيرتزوغ، إذ قال إن نتنياهوخطيب قدير، ولكن "... العالم لم يعد مستعداً للاستماع إلى كلامه”.

تثير ملاحظة هيرتزوغ الاهتمام، ليس فقط لأنه يتزعم المعارضة فحسب، ولكن لأنه يتزعم أيضاً حزب العمل "الإسرائيلي”. وعندما يتحدث زعيم العمل، فإنه من الصعب أن ينسى المرء أن الحزب لعب الدور الأساسي في تأسيس الكيان "الإسرائيلي”، وأنه حكم هذا الكيان منفرداً تقريباً نحوالربع قرن.

ومن الطبيعي أن يسأل المرء هيرتزوغ عن رأيه في نقطة الضعف في أداء نتنياهو، وعن السبب الذي جعل العالم يفقد الاهتمام بخطاباته ومواقفه: هل يعود إلى أخطاء "تقنية” في فن التواصل مع المجتمع الدولي؟ أم أن المشكلة تعود إلى جوهر المواقف التي يتخذها من القضية الفلسطينية، ومن مسألة الصراع العربي - "الإسرائيلي”؟ ولهذا السؤال مبررات تاريخية وواقعية تبرز عندما يراجع المرء سجل هذا الحزب في المشروع الصهيوني. ويمكننا هنا أن نتوقف عند فصلين مهمين من فصول تنفيذ هذا المشروع.

الفصل الأول تم الكشف عنه قبل عام تقريباً، وعند الإفراج عن بعض الوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر/ تشرين الأول. تقول هذه الوثائق إنه قبيل الحرب ورغبة في تعزيز التعاون الأمريكي -”الإسرائيلي” أنشأ هنري كيسنجر، الذي كان يعمل كمستشار للأمن القومي، بالتعاون مع غولدا مائير، رئيسة الحكومة "الإسرائيلية” العمالية، قناة سرية وخلفية للتواصل والتنسيق بمعزل عن الإدارة الأمريكية، وربما بمعزل عن الرئيس الأمريكي نفسه ريتشارد نيكسون. وخلال هذه الفترة جاء نيكسون رسول مصري رفيع المستوى يحمل رسالة من الرئيس أنور السادات تضمنت استعداده لعقد اتفاق سلام مع "إسرائيل” لقاء الانسحاب من سيناء إلى حدود عام 1967، كذلك تضمنت هذه الرسالة إشارة من السادات إلى أنه في حال عدم الاستجابة إلى هذا العرض، فإنه لا يكون أمام مصر إلا أن تتجه إلى العمل العسكري لإخراج "إسرائيل” من الأرض المصرية المحتلة.

تقول الوثائق - وقسم منها "إسرائيلي” - إن كيسنجر سارع إلى إبلاغ هذا العرض إلى مائير عبر سفير "إسرائيل” في واشنطن الذي كان وقتها إسحاق رابين. تضمنت الرسالة التي بعث بها كيسنجر إلى مائير عرض السادات، كما حملت أيضاً انطباع كيسنجر الذي لخص بثلاث ملاحظات تأكدت صحتها فيما بعد:

الأول، بأن موقف السادات تجاه السلام مع "إسرائيل” هوموقف جدي.

ثانياً، بأن موقف السادات تجاه شروط السلام ليس نهائياً، بل قابل للتعديل.

ثالثاً، بأن كيسنجر يعتقد أنه قادر شخصياً على التأثير في الموقف المصري لما فيه مصلحة "إسرائيل”.

وأتبع مستشار الأمن القومي الأمريكي رسالته هذه بعد أيام قليلة برسالة إضافية تضمنت مشروع معاهدة مصرية - "إسرائيلية” مع خريطة طريق للوصول إليها حتى تبدي مائير رأيها فيها.

تضمنت الرسالة أيضاً توضيحاً بين فيه كينسجر لمائير بأنه لن يقدم على أية خطوة إلا إذا أجابت عن السؤال التالي: هل أن "إسرائيل” على استعداد للتخلي عن إصرارها على إدخال تعديلات مهمة على الحدود المصرية - "الإسرائيلية” (لمصلحة "إسرائيل” طبعاً)، لقاء الانسحاب من الأراضي المصرية. أجابت مائير، التي كانت زعيمة حزب العمل، على رسالة كيسنجر بقولها إن "إسرائيل” ليست مستعدة للانسحاب الناجز من سيناء، لأن هذا يهدد سلامتها، ثم ألحقت هذا الجواب بآخر تبريري تقول فيه: إنه ليس من المناسب بحث قضية السلام مع مصر في وقت تقترب فيه من الانتخابات البرلمانية.

الفصل الثاني، يعود إلى الفترة التي عقبت إعلان الكيان الصهيوني، وإلى موقف حكومة حزب العمل "الإسرائيلية” بزعامة - باني الكيان - بن غوريون تجاه العلاقات مع سوريا. ولقد سلط الأنظار عليها المؤرخ التنقيحي آفي شلايم في كتابه "إسرائيل وفلسطين”. وحسب ما جاء في الكتاب، أن هذه المسألة طرحت بإلحاح بعد أن قام حسني الزعيم بانقلابه العسكري عام 1949 ضد الحكومة السورية المنتخبة والتي كانت تعكس المناخ المناهض للصهيونية الذي كان سائداً في البلاد. ولما وصل الزعيم إلى الحكم أبدى استعداده للتخلي عن موقف الحكومة السابقة والمنتخبة تجاه العلاقات مع "إسرائيل”، وحرصه على توقيع معاهدة سلام مع "الإسرائيليين”، وتوطيداً للمعاهدة التي كان يسعى إليها، فقد أعرب عن رغبته واستعداده في توطين ثلاثمئة ألف فلسطيني في سوريا كخطوة على طريق إيجاد حل شامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

ولقيت هذه العروض ترحيباً بين عدد من رجال الاستخبارات "الإسرائيلية” التابعة لمنظمة "الهاغاناه”، والذين كانوا يتابعون الأوضاع السورية، ومعها العلاقة مع الزعيم. كذلك لقي هذا العرض ترحيباً واسعاً في واشنطن التي قيل إنها كانت وراء استيلائه على السلطة في سوريا. ومن الطبيعي أن ينظر "الإسرائيليون” المعنيون بالأمر والأمريكيون إلى احتمال توقيع معاهدة بين الزعيم و”إسرائيل” إلى تداعيات هذا الحدث على الصعيد الإقليمي أيضاً. كان من المؤكد أن يؤثر الصلح السوري مع "إسرائيل” في لبنان، وأن يضعف التيار القومي العربي الذي ساند الحركة الوطنية الفلسطينية، خاصة أن حسني الزعيم كان يعارض هذا التيار ورموزه بقوة، ويهدد بدعم محاولات الانقلاب عليهم.

هذه المغريات الكثيرة، فضلاً عن إغراء عقد المعاهدة مع دول عربية محيطة ب”إسرائيل” ومناصرة للفلسطينيين لم تقنع بن غوريون، زعيم حزب العمل ورئيس الحكومة "الإسرائيلية” بالاستجابة إلى عروض حسني الزعيم، رغم أنه كان شريك السلام المثالي ل”الإسرائيليين”، فهوكان من المتعاونين مع نظام الانتداب، ومن المناوئين للاستقلاليين في المنطقة، ومن الذين دخلوا السجن بتهمة الارتكابات المالية، الأمر الذي يسهل التأثير فيه. ولكن بن غوريون لم يأبه لهذه العروض، بل كان يعتمد على السلاح، وعلى الحرب لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية.

ربما كان بن غوريون وغولدا مائير يتفقان مع فلاديمير جابوتنسكي، زعيم الجناح الصقوري في الحركة الصهيونية الذي قال بأن العرب أمة ذات حقوق قومية وأنها لن تتخلى عن هذه الحقوق، وأنه من العبث السعي إلى إقناعها سلماً بالتنازل عن حقوقها المشروعة، فلا يبقى إلا الحرب والحديد والنار وسائل يستخدمها الصهاينة لتحقيق أهدافهم. في هذه الحالة ربما كان على العرب أن يتمثلوا بوزير الخارجية السابق جيمس بيكر، وأن يقولوا ل”الإسرائيليين”: إليكم رقم هاتفنا. إذا شئتم السلام. اتصلوا بنا. وأن يضيفوا إلى ذلك قائلين: أما إذا أردتم بيعنا أوهام السلام بينما تعدون للقضاء علينا بالحروب، فإننا سوف نرد عليكم، ولكن ليس عن طريق الهاتف.