أوباما بين الدبلوماسية والانحياز لإسرائيل !
د. عادل محمد عايش الأسطل
كما يحق للرئيس الأمريكي "باراك أوباما” بأن يسوغ لنفسه في فترةٍ ما، بأنه على درجة عالية من التفاؤل بشأن قضايا كثيرة، داخلية وعلى النطاق الخارجي وفيما يتعلق بقضايا كبرى دوليّة، فإنه أيضاً يحق له بأن يكون على درجة أعلى من التشاؤم في أحيانٍ أخرى حول القضايا نفسها، وخاصة عند مواجهته القضية الفلسطينية ومسألة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، سيما في ظل تطورات ميدانية سياسية وعسكرية تحصل في كل يوم وساعة.
خلال فترة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر الماضي، أعلن "أوباما بأنه متفائل بشأن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ودعا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالإسراع إلى تجديد المفاوضات السياسية بينهما، ولكنه سرعان ما قطع تفاؤله بعد الخطاب المفتوح للرئيس الفلسطيني "أبومازن” الذي ألقاه بعنف من على منصة الأمم المتحدة باتجاه إسرائيل، حين وقف على قدميه، ليرُد بقوة على ما وصفه بالهجوم غير المبرر، وبتهديداته غير المقبولة ضد إسرائيل، معتبراً أن ما تفوّه به "أبومازن” كان خطأً، ومن شأنه أن يدمّر الثقة المتبقية بين الطرفين، وبالمقابل أعلن منذ بدء لقائه مع رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو” الذي رد بعنفٍ أكبر على الخطاب الفلسطيني، وعلى مبدأ (خطوة تقابل أختها)، بأنه يؤيد خطوات "نتانياهو” في شأن السلام، لكنه امتنع عن أن يوضح ما هي تلك الخطوات التي يؤيدها، وبالمقابل حصل "أوباما” على تأييدات مقابِلة، وبخاصة في شأن تكوين التحالف الدولي ضد تنظيم داعش- الدولة الإسلامية في العراق والشام-، والذي وعد بأن يكون إلى جانبه على مدى فترة المواجهة.
أجواء التأييد المتبادلة بين الرئيسين لم تدُم طويلاً، فقد أفسدتها عمداً، حركة (السلام الآن) الإسرائيلية، عندما فاجأتهما بأن هناك موافقة حكومية إسرائيلية، ترمي إلى تنفيذ مشروع استيطاني، هو الأضخم من نوعه منذ سنوات، وتحديداً في مدينة القدس الشرقية، وجعلتهما يتململان بقوة، كل منهما تبعاً لمصلحته، حيث كيف سيرد "نتانياهو” أمام "أوباما” بسبب أن ذلك – كما يُظن- فيه تجاوز للرضا الأمريكي وبخاصة رضا "أوباما”، والمرتبط بإرادة المجتمع الدولي والمجموعة الأوروبية بالذات، علاوة على خشيته من ردود فعل عربية وإسلامية التي لن تكون طيّبة، في ضوء أن هناك مصالح لا حصر لها ربما ستتعطل، إضافة إلى أن الوقت غير مناسب بالمطلق لتطبيق تلك الخطوة كأمرٍ واقع.
"أوباما” وجد نفسه محرجاً أمام نفسه وأمام العرب، بسبب أنه لا يجد ما يقوله، وخاصةٍ في وقت انشغاله ببعض القضايا حول العالم، وبترتيب أوضاع بلاده من جديد مع الدول العربية، وإنجاح فكرة التحالف الدولي، بهدف القضاء على تنظيم داعش، الذي يُسابق الريح للقضاء على المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة والعالم بشكلٍ عام.
من المفيد أن نسمع، أن قرر "أوباما” معارضة الخطوة الإسرائيلية باعتبارها تشكل عقبة في طريق السلام، وبالأحرى نسف حل الدولتين، ومن المفرح أيضاً، أن تتوارد إلينا أنباء، بأن "نتانياهو” تلقى توبيخاً ساخناً من "أوباما” لهذا السبب، ولكن من المؤسف حقاً، أن التوبيخ كان سرّيّاً ولم يكن أمام أحد ليشهد به، كالذي يحصل بي زوجين داخل غرفة مغلقة، كما أن من المؤسف أن نرى "أوباما” وقد أزال انتقاده، بعد أن شرح "نتانياهو” بأن خطوة البناء في القدس الشرقية، ليست سياسية أو استيطانية، وإنما هي خطوة إدارية بحتة، وزاد من رضا "أوباما”، بعد إثباته بأن البناء هو في حد ذاته يُمثل سعادة للكثير من القادة العرب وخاصة أولئك الذين لم يروا في إسرائيل بأنها بلد عدو.
كما ساهم ولا شك، ذلك الضغط السياسي، وانطلاقاً من الرغبة في المحافظة على الرضا اليهودي داخل البلاد، وبتحسين وضعه بعض الشيء أمامهم وفي الاستطلاعات العامة بشكل عام، ساهم في الخضوع، ليُراكم على نفسه حسنات أخرى، سيما وأنه حاز الكثير منها في أعقاب إزالته ضغطاً مكثفاً على إسرائيل من خلال اقتفائه أثر "نتانياهو”، بأن جذر المشكلة في الشرق الأوسط، ليس النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، وإنما هناك أسباب عميقة أخرى، عربية وإسلامية داخلية، هي التي تشكّل الجزء الأهم من تلك المشكلة.
إن محاولات "أوباما” في السعي بالنجاة، من أمام مسألة توفير مواقف ثابتة بالنسبة للفلسطينيين، هي محاولات جيدة بالنسبة له وللأمريكيين وللإسرائيليين على نحوٍ خاص، وربما لا تتجاوز المواقف المرئيّة التي يبذلها ضد الإسرائيليين، حروفاً ناقدة أو كلمات ليّنة، في مقابل قراءته لمواقف أشد صرامة ضد الفلسطينيين، تهدف إلى تغيير السلوك وترك المبادئ، والامتثال للأمر الواقع، لاشتمالها تهديدات سياسية قاسية، وعقوبات اقتصادية قاصمة، وربما تصل الأمور إلى الأبعد منها، كتأييدات واضحة لأيّة خطوات إسرائيليّة انفرادية قادمة.