المهمشون و’أنصار الخراب’
حسام مطر
ترتكز سردية "أنصار الخراب” في سوريا والعراق على أن نشوء التطرف وتمرد "اهل السنة” إنما هي نتائج طبيعية تلقائية للتهميش الذي لحق بالمكون السني في هذين البلدين. فكل ما يحصل في سوريا والعراق هو فعل محلي بحت يقع خارج منظومة الصراع الإقليمي – الدولي, في حين أن التهميش هو نتاج سياسة إقليمية ترعاها إيران, هذا منطق "أنصار الخراب”. بالخلاصة ما يجري هو ردة فعل محلية بأدوات دموية بوجه مؤامرة إقليمية هي التهميش, حينها تدخّل أنصار الخراب لنصرة المهمشين. ماذا لو أردنا تعميم هذه السردية في كل المنطقة؟
تتشابه سردية "أنصار الخراب” مع ما يسميه الأميركيون " الصراع داخل الحضارة الإسلامية” والتي تبناها الأميركيون لنفي التهمة أنهم في حرب مع الإسلام, فقالوا أن هناك حرباً أهلية داخل الإسلام بين المتطرفين والمعتدلين, وقررت الولايات المتحدة الوقوف الى جانب المعتدلين, أي أنها بالأصل ليست حرباً أميركية بل تدخلت فيها واشنطن تفضلاً وإحساساً بالمسؤولية. بالسياق المشابه هناك حرب أهلية في العراق وسوريا وقد قررت دول خليجية وتركيا التدخل فيها من باب نصرة المهمشين فقط.
انفجار
لن تصمد سردية "التهميش السني” في العراق وسوريا أمام أي عملية نقض منهجية. يكفي مقارنة الواقع الإجتماعي – الإقتصادي لغير السنة في كلا البلدين لنرى مقدار التشابه. أما في المستوى السياسي، ففي الحالة العراقية بالأخص، صادرت قوى إقليمية معروفة جزء أساسي من البيئة السنية منذ نهاية نظام صدام حسين، وعملت على وضع هذا الجزء في مواجهة مع الدولة المركزية التي جرى إعتبارها حليفةً لإيران منذ البداية. هنا نستنكف عن العودة الى تاريخ العراق, حين كان نظام صدام يعدم ويهجر ملايين الشيعة والأكراد على مرأى من "أنصار الخراب” قبل إكتشافهم لفكرة "المهمشين”. اللافت أن النواة الأساسية لداعش هم إما أركان الإجرام في نظام صدام وإما أجانب من بلاد المغرب العربي والخليج الفارسي. فلم لا يثور الأجانب في أوطانهم حيث تعرضوا للتهميش؟.
لكن يمكن الإستعانة بحالة أكثر وضوحاً لشرح ما جرى في سوريا والعراق, وهي الحالة اللبنانية. في لبنان, يشارك السنة بشكل كامل في الصيغة اللبنانية بل منحهم إتفاق الطائف رئاسة السلطة التنفيذية, أي تأتي مشاركتهم متقدمة على سواهم. شراكة السنة كاملة من السياسة الى الأجهزة الأمنية, بل لها الريادة الى المستوى الإقتصادي بفعل دور الحريرية السياسية التي تمكنت من الحصول على مغانم إقتصادية واسعة. رغم هذا الواقع، تمكن الإعلام الخليجي من إستغلال بعض الأحداث لزرع مقولة "التهميش” في الوجدان السني، الطائفة الأكثر حضوراً في السلطة إقتنع جزء أساسي منها أنها مهمشة من الاخرين. الجهاز الدعائي لتيار المستقبل تمكن وفي سبيل تعزيز الإنقسام المذهبي بوجه حزب الله من إقناع جمهوره أن "ماء البحر حلوة”. كانت هذه السردية هي الأداة الأبرز لخلق حالة تعبئة وتطرف داخل البيئة السنية في سياق المواجهة الأميركية – الخليجية بوجه إيران وحلفائها.
ولذا لا يعدو مستغرباً نجاح هذا الجهاز الدعائي في إقناع شرائح من سنة العراق وسوريا أنهم مهمشون، حجم الموارد المخصصة لهذه العملية مهولة وقادرة على التحريف والتضليل وتحويل "الحبة الى قبة”. ما يجري في العراق وسوريا هي سياسة خليجية – تركية ممنهجة تقوم على إستغلال بعض المظالم العامة بين السوريين والعراقيين, في سبيل تمزيق النسيج الإجتماعي لدفع السنة نحو التقوقع وإقامة "غيتوات طائفية” بين سوريا والعراق. لكل حدث جذر محلي ولكنه لا يقع في فراغ بل في قلب لعبة توازن القوى الإقليمية. تقامر القوى السنية الإقليمية بالسنة في العراق وسوريا ولبنان وترميهم في آتون حروب إستنزاف بوجه خصومها في محور المقاومة.
لكن لماذا لا يرى "أنصار الخراب” مهمشين خارج العراق وسوريا ولبنان؟ وإن كان التهميش, جدلاً واقع، ويبرر التمرد على الحكومات المركزية واللجوء للذبح والتفجيرات ضد المدنيين, فهل يصح تبرير ذلك لكل المهمشين؟ لماذا لا يلجأ الشيعة "المهمشون” (وهم مهمشون فعلا) في البحرين والسعودية الى العنف, ألا يعتبر ذلك مبرراً بمنطق "أنصار الخراب”؟ أو أن خروج هؤلاء سيعتبر مؤامرة إقليمية وإحتلالاً كما جرى إعتبار دخول الحوثيين الى صنعاء؟ إن تعميم نظرية "أنصار الخراب” ستؤدي الى مذابح مذهبية تعم المنطقة كلها ويخسر فيها الجميع دون إستثناء, اللهم "إسرائيل”.