التمديد: مسألة وقت لا مَن يقول آخ أولاً
نقولا ناصيف
استبعد الرئيس نبيه بري التئام مجلس النواب في جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر. ما يعني ان بتّ تمديد ولاية البرلمان ربما يصبح مؤجلا لا مطويا. لا كلام عنه اليوم سوى اخراجه من مجلسي النواب والوزراء بلا عراقيل دستورية، وقد اضحى الاستحقاق مأمونا سياسيا
لا يقل اهمية السجال الدائر عن المدة المقترحة لتمديد ولاية مجلس النواب مجددا عن ذاك الذي يحوط، في الوقت نفسه، بالغالبية النيابية المتوخاة للتصويت عليه. كلاهما يعبّر عن وجهات نظر متناقضة بين الكتل الرئيسية في المجلس، المؤيدة للتمديد او المعارضة له.
بيد ان القاسم المشترك بين الكتل تلك هو سبل جبه فراغ محتمل يضرب السلطة الاشتراعية في الوقت القصير الفاصل عن نهاية الولاية في 20 تشرين الثاني: انتخابات نيابية عامة، او تولّي المجلس بنفسه تجديد وكالة ناخبيه له في معزل عنهم.
يقترن هذا الجدل ببضعة معطيات هي مدار تشاور الكتل الرئيسية المعنية:
اولاها، المدة المفترضة لتمديد واقع حتماً: ستة اشهر، ام سنة، ام سنتان وسبعة اشهر بغية اكمال ولاية ممدد لها أقرت في 31 ايار 2013 لسنة وخمسة اشهر تنتهي في 20 تشرين الثاني المقبل كي تستمر مذ ذاك من خلال تمديد ثان سنتين وسبعة اشهر ينتهي في 20 تشرين الثاني 2017.
يفضل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط سنة واحدة، ويدعم تيار المستقبل سنتين وسبعة اشهر. يلتقي جنبلاط مع حليفه رئيس المجلس نبيه بري الذي يرفض التمديد على ان توسيع نطاقه يضع الاستحقاق الرئاسي في مهبّ تأجيل لا قعر له. يتسلح تيار المستقبل في المقابل بوجهة نظر مفادها ان الظروف الامنية في اكثر من منطقة، وأخصها البقاع وطرابلس، تحول دون اجراء انتخابات نيابية فيها، ومن ثمّ تعذر اجرائها في الدوائر الاخرى، ما يقتضي تمديدا طويل الامد. الا ان حجة كهذه، تعني ايضا ان البلاد مرشحة لعدم استقرار سياسي وامني طيلة هذه المدة. وقد تكون مرشحة لعدم انتخاب رئيس على مرّها سواء للذريعة نفسها او بسبب عدم توافق الافرقاء على رئيس يرتبط انتخابه اساسا بحسابات اقليمية مماثلة.
ثانيها، رغم ان اكثر من طرف قال برفضه تمديد ولاية المجلس ولوّح بالطعن لدى المجلس الدستوري او نادى باجراء انتخابات نيابية، الا ان ايا منهم ـ بعد الاقبال على الترشح ـ لم ينخرط فعلا في استحقاق اجرائها، ولا تصرّف في الظاهر على الاقل انه يتوقعها، ولا عمد الى تأليف لوائح انتخابية على ابواب اقل من شهرين من نهاية الولاية. والواقع ان هؤلاء الافرقاء يعوّلون على امرار الوقت الكفيل بالانتقال بهم من مفاضلة متراخية بين التمديد او الانتخابات الى مفاضلة صادمة لا تحتمل التأخير والتأجيل: التمديد او الفراغ في السلطة الاشتراعية.
ثالثها، على وفرة تهديد اكثر من فريق، واخصه المسيحيين، بالتصويت في مجلس النواب ضد اقتراح قانون تمديد الولاية ايا تكن مدته، والانتقال من ثمّ الى مجلس الوزراء لرفض توقيع القانون تمهيدا لاصداره ونشره، الا ان احدا ـ حتى الآن على الاقل ـ ليس في وارد الطعن به لدى المجلس الدستوري على غرار تمديد 2013. ليس لاحد في الفريق المسيحي خصوصا مصلحة سياسية في ابراز وهن المجلس الدستوري وعجزه مرة اضافية بعد اكثر من تجربة مرّة اقتيد اليها رغم عنه. اولاها بين عامي 2005 و2008 عندما شُلّت اجتماعاته تماماً بتعطيل نصابه القانوني ففقد دوره طوال ثلاث سنوات حيل دون تمكنه من النظر في مراجعات ابطال تناولت انتخابات 2005، وثانيها السنة الماضية بتعطيل نصاب انعقاده مجددا لئلا ينظر في مراجعة الطعن في تمديد 2013. في الحالين ارغم المجلس الدستوري على الاقرار بعجزه عن الاضطلاع بدوره.
بل ما يتردد في اوساط بارزة في تكتل التغيير والاصلاح، اول المهدّدين بالطعن وقد يكون الفريق الوحيد، انه لن يذهب الى المجلس الدستوري كالسنة الماضية منفردا، ويأمل في انضمام حزب الله اليه، مع ان الاخير ـ من غير ان يجهر بموقفه بعد ـ يبدو اقرب الى مجاراة التمديد والاقتناع بحاجة البلاد اليه لدوافع سياسية وامنية في آن اكثر من اي وقت مضى.
رابعها، ان اي انتخابات جديدة لن تفضي الى موازين قوى داخلية مغايرة لما هي عليه اليوم، المنبثقة بدورها من انتخابات 2009. مذ غادر جنبلاط قوى 14 آذار من غير انضمامه الى قوى 8 آذار، غداة تلك الانتخابات، انهارت للفور نتائجها التي كانت افضت حينذاك الى اكثرية واقلية. بعد انقضاء خمس سنوات اتى اختبار القوة الاخير في الاستحقاق الرئاسي، بعد اختبار مماثل رافق تأليف حكومة الرئيس تمام سلام، كي يثبّت موازين القوى نفسها في مجلس النواب كما في السلطة الاجرائية، ومن ثمّ في الشارع. لا اكثرية مرجحة، بل اقليات تتنافس وتتبادل التجاذب والخلافات فحسب. لا رئيس وشيكا للجمهورية، ولا حكومة قابضة فعلا على ناصية الحكم وآلته الا انها مستمرة بحكم الضرورة. كذلك حال مجلس النواب والحاجة الملحة الى تمديد ولايته.
بذلك يتقدّم العامل السياسي لتبرير التخلي عن اجراء الانتخابات النيابية على العامل الامني الذي بات اللافتة الوحيدة تقريبا، المعلنة للذهاب الى تمديد الولاية، في انتظار ان يترتب على التطورات الاقليمية ترجيح كفة على اخرى كما في مرة اولى عام 2005 على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ثم في مرحلة ثانية عام 2008 على اثر اتفاق الدوحة ثمرة احداث 7 ايار، او الانتقال فعلا الى تسوية داخلية جدية تعيد رسم خطوط التماس المذهبية والسياسية في آن.