خطوط حمر روسية
سركيس ابو زيد
دلت قمة هلسنكي على أن سوريا هي المركز الرئيسي لاختبار العلاقة والعمل المشترك وإظهار النيات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبر أن تأمين السلام في سوريا يمكن أن يصبح مثالا للعمل المشترك الناجح. في هذه القمة تمت مناقشة مسائل عديدة أبرزها نقطتين:
- الأولى عبّر عنها بوتين الذي تحدث عن المنطقة الجنوبية في سوريا ووجوب إعادة الوضع في مرتفعات الجولان الى ما كان عليه وفق اتفاق عام 1974.
- الثانية شدد عليها ترامب وتتمثل في عدم السماح لإيران بـ"الاستفادة" من هزيمة "داعش".
وتفيد معلومات أن بوتين تعهد لترامب بأن يلعب دوراً عملياً حتى تتفهم طهران هواجس الكيان الاسرائيلي الأمنية وتتفهم "تل أبيب" مصالح إيران الجيوسياسية في المنطقة. وفي ترجمة فورية لنتائج قمة هلسنكي تم إعلان اتفاق تسوية لمحافظة القنيطرة أعطى السيطرة الكاملة للنظام السوري على الجنوب، وأعاد الجيش السوري الى النقاط التي كان يتمركز فيها قبل العام 2011. وسعت موسكو الى طمأنة "تل أبيب" وواشنطن أن المنطقة المحاذية للأراضي المحتلة أصبحت تحت سيطرة قوات النظام فقط، وأن طهران أعطت إشارة الاستعداد بعدم معاكستها لخطة انتشار الجيش السوري في محافظة القنيطرة.
من الواضح تركيز موسكو على استكمال جهودها من أجل التوصل الى تفاهمات تمنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة تُعطل مساعي التسوية. والواضح أن الجهد الروسي يسعى إلى تحقيق هدف الاستقرار الأمني في سوريا، ومنع اصطدام الإرادات والمصالح بين الدولة السورية وحلفائها، وفي مقدمتهم ايران وحزب لله، وبين "تل أبيب" التي تسعى إلى فرض مصالحها بحدودها الواسعة على الساحة السورية عبر الضغط على الجانب الروسي وتهديد منجزاته.
لذلك، حرص الكيان الاسرائيلي على تأكيد عرض روسي جديد، بإبعاد القوات الإيرانية من الجنوب السوري، لمسافة مئة كيلومتر من الحدود في الجولان، وعلى رفض الكيان لهذا العرض، بمعنى أنه يطمح إلى أكثر من ذلك.
وكشفت الأوساط الإسرائيلية أن قدوم الوفد الروسي برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف بهذه السرعة الى الكيان الاسرائيلي يعود إلى قرار اتخذه الكابنيت، وهو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن والسياسة في الحكومة الإسرائيلية، وأبلغه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال محادثتهما مؤخراً. والقرار هو عملياً تهديد بأن يعرقل كيان العدو عمليات الجيش السوري الهادفة لإعادة سيطرته على الجزء الشرقي من الجولان، وعدم السماح له بالسيطرة، إلا إذا تم الاتفاق على إخراج جميع أفراد وضباط الجيش الإيراني وقوات الحرس الثوري الإيراني، وحزب لله، وسائر حلفاء إيران من الأراضي السورية.
وقد أحضر لافروف معه رئيس أركان الجيش الروسي، فاليري غيراسيموف، ومجموعة من الضباط والخبراء العسكريين، الذين عرضوا اقتراحات مسنودة بالخرائط التفصيلية، تقضي بسحب القوات الإيرانية وحلفائها لمسافة 100 كيلومتر في العمق السوري، بعيدا عن الحدود مع الأراضي المحتلة، لكن الوفد الإسرائيلي المضيف، الذي ضم، إضافة إلى نتنياهو، كلا من وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ورئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت، ورئيس مجلس الأمن القومي موشيه بن شبات، ورئيس "الموساد" يوسي كوهن، أصر على أن يتم إخلاء سوريا تماما من القوات الايرانية وحلفائها. وقال مسؤول إسرائيلي، في أعقاب اللقاء، إن الوجود الإيراني كله "عدواني"، وإن لم يكن ممكنا التخلص منه بالطرق الدبلوماسية، فيجب التخلص منه بأي طرق أخرى.
ومن التفاصيل التي تسربت من الاجتماع، أن الاسرائليين أشاروا إلى أن هناك معبرين خطيرين يستخدمان حتى الآن لنقل الأسلحة والمقاتلين: الأول على حدود العراق مع سوريا، والثاني على حدود سوريا مع لبنان، وطالبوا بإقفال هذين المعبرين تماما. كما أشاروا إلى أن إيران أدخلت خلال الحرب السورية في السنوات السبع الأخيرة، كمية كبيرة من الصواريخ الثقيلة وبعيدة المدى، وتصر "تل أبيب" على إعادتها إلى إيران أو تدميرها. وطالبوا أيضا بوقف عمل مصانع الأسلحة الإيرانية في سوريا ولبنان.
وقال نتنياهو مهددا إن ""إسرائيل" تحتفظ لنفسها بحرية العمل في سوريا ضد التموضع الإيراني، في كافة أنحاء سوريا، وإنها ترى في الرئيس السوري، بشار الأسد، مسؤولا عن أي هجوم إيراني ضدها من سوريا، لكونه يستضيف الإيرانيين".
من الواضح أن موسكو تجهد بين خطوط حمر متناقضة يفرضها المحوران المتواجهان
ولفت مسؤول إسرائيلي إلى أن روسيا أبدت التزاماً بإقامة منطقة خالية من القوات الحليفة لطهران بعرض نحو 100 كم عن ما أسماها "الحدود الإسرائيلية الشمالية"، وزاد أن "تل أبيب" راضية عن ذلك "خطوة أولى"، ولكنها ستستمر بالعمل لمنع "التجذر الإيراني" في أي مكان آخر في سوريا.
فـ"تل أبيب" تسعى لأن تكون شريكة في رسم توازنات الصراع على سوريا مع اقتراب مرحلة الحسم التي تفرض على موسكو إعادة ترتيب أولوياتها في سوريا، بعيداً عن أولويات طهران التي سعت إلى الربط بينها وبين موسكو، التي لا تستطيع الاستمرار طويلاً في سوريا من دون الحضور الإيراني، لذلك سعت موسكو منذ شهور إلى تمرير تفاهمات عسكرية وأمنية، وكان باعتقاد الكرملين أنها لو نجحت ستكون خطوة أولى على طريق تحويلها إلى اتفاقية كبرى مع إيران، تصل ارتداداتها إلى المفاوضات حول مستقبل الاتفاق النووي وعلاقتها مع واشنطن.
من الواضح أن موسكو تجهد بين خطوط حمر متناقضة يفرضها المحوران المتواجهان . لكن الإرادة الروسية تسعى الى بلورة حلول وقواعد اشتباك بين الحدين، تحافظ فيها على تحالفها مع محور المقاومة والممانعة مع تفادي الصدام المباشر مع "تل أبيب". وفي كل الحالات قوة الميدان وتوسع سيطرة الجيش السوري وحلفائه هي القول الفصل في حسم التوجهات الدولية.