سوريا وتموز 2006.. ولا زالت الانتصارات في ديارها عامرة
عبير بسام
عندما رضخ الكيان الصهيوني في العام 2008 بإطلاق الأسرى الخمسة ومن بينهم عميد الأسرى يومها القائد سمير القنطار من سجونه، بالإضافة إلى جثامين 199 مقاوماً شهيداً لبنانياً وعربياً، لم يبق هناك شك بأن "اسرائيل" قد هزمت في حربها في العام 2006. هذه الحرب التي كشف الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مقابلة له مع جريدة "الأخبار" في العام 2014 أن احتمال تطور الحرب على سوريا آنذاك كان وارداً. بل حتى أن السيد نصرالله كشف يومها الدور الذي لعبته سوريا في هذه الحرب وأنها تعتبر "العمود الفقري للمقاومة" وأن ما يواجهه السوريون اليوم هدفه في الأساس هو إضعاف دولتهم، التي وفرت الدعم اللوجستي الذي ساهم في تمكين المقاومة الإسلامية في لبنان من تسجيل انتصاراتها في وجه الجيش الإسرائيلي، الذي يفترض أنه يفوق بأشواط في عتاده وتدريبه قوة المقاومة أو أي جيش عربي في المنطقة.
وفي تصريح السيد كان هناك تأكيد على أن الحرب التي يشنها منذ العام 2011، كل من "اسرائيل" وأميركا والسعودية، يراد منها الإجهاز على "محور المقاومة" من خلال محاولة تدمير سوريا والنظام السوري الذي يشكل ترابط أركان المحور. وقرار الحرب لم يكن جديداً اذا كان من المراد من إطالة أمد الحرب في تموز 2006 أن تمتد لتصل إلى دمشق، وهذا ما أكده السيد نصرالله في لقاء 2014 مع جريدة "الأخبار". ولكن الانتصار في 2006 لم يمنع الكيان الغاصب ومن خلفه من ابتداع الخطط من أجل الانتقام من سوريا من خلال إدخالها في عالم الفوضى واجتياحها وتقسيمها إلى دويلات والإطاحة بنظامها ووحدتها.
تجاوزت نتائج حرب تموز انتصار المقاومة على الجيش الإسرائيلي وتثبيت هزيمته، لقد كانت الحرب تثبيتاً للهزيمة الأميركية وللحرب الخفية التي شنتها أميركا على سوريا منذ العام 2003، والتي جاءت بسبب معارضة سوريا لإجتياح العراق ومن ثم دعم المقاومة فيه، واستمرارها في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، حتى بعد طلب كولن باول، وزير الخارجية الأميركي في عهد جورج بوش الإبن، بالتخلي عنها. كما أن الإنتصارات التي حققها العراقيون وخروج أميركا من العراق مهزومة في أيلول/ سبتمبر عام 2011، لم يكن ليمر دون عقاب سوريا على مواقفها الوطنية والمبدئية كلبنة أساسية في محور المقاومة، وعلى إصرارها على أن تكون حاضنة للعرب والعروبة. فتثبيت انهزام الأميركي في العراق هو الذي منعه من شن الحرب بشكل مباشر على سورية، وكان من المرجو أن يوفق الوكيل الإسرائيلي بهذه المهمة، وعندما فشل الأخير في مهمته ابتدأ التحضير لحرب سرية.
كان اجتياح سوريا بجماعات تكفيرية تقوم مقام الجيشين الإسرائيلي والأميركي انتقاماً من مواقفها الوطنية الثابتة
نُشرت "القاعدة" في العراق مبدئياً من أجل السيطرة على منابع النفط فيه. وعندما لم تستطع جبهة النصرة وأذرعتها، بدعم قطري، احتلال دمشق بعد العام 2012 وتدخل حزب الله في الدفاع ليس فقط عن دمشق بل عن كل مدينة في سوريا، وسع نطاق عمل "القاعدة" تحت مسمى الدولة الإسلامية في العراق لتصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بدعم سعودي، والتي أطلق لها العنان في العام 2013. وكان اجتياح سوريا بجماعات تكفيرية تقوم مقام الجيشين الإسرائيلي والأميركي انتقاماً من مواقفها الوطنية الثابتة. فكان تخريب ونهب وتدمير للآثار السورية تماماً كما فعل وجود الجيش الأميركي في العراق. لم تكن أعمال تدمير التاريخ في سوريا والعراق أمراً عرضياً، لقد قصد منه تدمير تاريخ المنطقة وأهلها عبر آلالاف السنين ظناً منهم أن ذلك سيلغيه أو يضعفه.
بيّن السيد نصرالله في عدة خطابات ولقاءات عن إمكانية دخول سوريا في حرب 2006، وكشف دقة الوضع أنذاك. وكشف عن "احتمال تطور الحرب إلى سوريا كان وارداً لأن الإسرائيلي كان يحمّل سوريا جزءاً من المسؤولية عن صمود المقاومة، وعن تزويد المقاومة بجزء من السلاح الذي كان له تأثير نوعي في مسار الحرب."
بدأ الانتقام الإسرائيلي من سوريا بعمليات اغتيال نفذت على أراضيها وكان منها اغتيال القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية والذي أريد منه دق اسفين لشرخ العلاقة بين المقاومة والقيادة السورية، وجرت محاولات للترويج بأن سوريا بقيادتها ضالعة في عمليات الإغتيال. تماماً كما حاولت وسائل إعلام عربية وأجنبية الترويج بأن اغتيال العميد محمد سليمان، والذي اغتيل بعد القائد مغنية بستة أشهر، هو تصفية داخلية. وفي الحقيقة فقد كشف السيد أن الإسرائيليين هم الذين اغتالوه: " بسبب دوره قبل الحرب وأثناءها لأنه كان مكلّفاً من الرئيس الأسد بمتابعة هذا الملف. كان دوره ممتازاً جداً وإيجابياً جداً، لذلك بعد الحرب، بحث الإسرائيليون عن الحاج عماد وعن العميد سليمان. بعض الإعلام العربي تحدّث عن تصفيات داخلية. من الواضح تماماً لدينا، من التحقيق والمعطيات الميدانية، أن إسرائيل وراء هذا الأمر". حتى أن بعض ضباط المخابرات الأميركية كشف وبشكل صريح أن عملية الإغتيال لم تكن فقط للإنتقام بل كانت "لقطع الطريق أمام عمليات مستقبلية".
اليوم وبعد سبع سنوات من الحرب على سوريا، ومن تكشف حقائق كثيرة حول الضالعين في التحضير للحرب عليها وتمويلها لها، وهي الجهات نفسها التي كشف السيد عن مطالباتها الكيان الصهيوني بتمديد أمد حرب 2006 على لبنان، والتي كان هدفها القضاء على قوة حزب الله العسكرية. ومن خلال المعلومات التي تكشفت في العديد من وسائل الإعلام سواء كانت مع أو ضد سوريا، فإن الحرب التي ما تزال رحاها تدور اليوم في سوريا، وإن كانت قد شارفت على نهايتها، إلا أنها أولاً، عملية انتقامية من الموقف السوري ضد كل من الأميركيين وبعض دول الخليج. وثانياً، بسبب موقفها المبدأي من المقاومة وتجاه قضية العرب المركزية فلسطين، والتي تثبت الأيام أن فرص تحريرها تزداد اقتراباً مع الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومعه المقاومة وسوريا المنتصرة.