10 مايو.. الصواريخ السورية أسقطت المرحلة الرابعة والأخيرة من استراتيجية العدوان
مهران نزار غطروف
يمكن تصنيف مراحل العدوان إلى أربعة مراحل أساسية منذ بداية الحرب التي عصفت بسوريا، والتي يبدو أن جميعها سقطت حتى الآن، ولم يحقق الهدف الذي قام لأجله. تمثلت هذه المراحل على الشكل التالي:
– المرحلة الأولى: هي مرحلة قصيرة نسبيا بالنسبة لعمر الحرب التي دخلت عامها الثامن، وهي مرحلة انتهاج الفوضى وصولا للتدمير الذاتي، عبر ركوب موجة الحراك الشعبي
– التي عمت معظم جمهوريات شمال إفريقيا والشرق الأوسط – تحت مسمى الربيع العربي، سرعان ما سقط القناع عنها، لسبب تعريتها من قبل الدولة السورية، عبر الذهاب في التجاوب مع المطالب المطروحة لأبعد من السقف الذي طرحه هذا الحراك في البدايات، ما عجل تحول الحراك للعمل المسلح من قبل داعميه.
– المرحلة الثانية: هي المرحلة التي بدأ فيها ظهور الإرهاب والتطرف والحركات والتنظيمات الإسلاموية، على خلفياتها وتمويلاتها وتبعاتها المتعددة لجهات أطراف العدوان – المعروفة – على سوريا، والتي جاء تشكيل تنظيم داعش تتويجا لها كمرحلة ذهبية من التطرف والإرهاب الغير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط، وهنا نقصد على مستوى الوصول لإعلان تشكيل دولة على هيئة دولة داعش المندحرة
.- المرحلة الثالثة: هي الانتقال لمرحلة التدخل الدولي وتشكيل ما يعرف بمجموعة أصدقاء الشعب السوري، تبعه تشكيل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية – بحجة محاربة داعش – والبدء بالوجود الميداني عبر عدة قواعد عسكرية، شكلت خطوط دعم مباشرة للجماعات الإرهابية، كمحاولة لِلجم التقدم الميداني الذي بدأه الجيش السوري وحلفاؤه. تبع ذلك أيضا التدخل المباشر للحليف التركي في الشمال في عدة مناطق وصولا إلى احتلال عفرين، مع استمرار مواصلة الضغط على القيادة السورية بملف الأسلحة الكيمائية المزعوم، والاتهامات المفبركة والمتتالية لاسطوانة استخدامها ضد المدنين مع تعالي التهديدات، وصولا إلى شن عدوان ثلاثي على دمشق بتاريخ 14 ابريل الفائت.
– المرحلة الرابعة: هي مرحلة التدخل الإسرائيلي في الساحة السورية، الغير مباشر عبر الدعم المفتوح للتنظيمات الإرهابية، التي شكلت خلال السبع سنوات الماضية جيش "لحدي” بامتياز، على خط فصل القوات عام 1974، والمباشر عبر الغارات والقصف لمواقع سورية ومواقع بعض الحلفاء – على حد الزعم الإسرائيلي نفسه – والتي كان أخرها الاعتداء على منطقة الكسوة في 9 مايو الحالي.في العمق نجد أن هذه المراحل الأربعة، مراحل متكاملة، واضحة الهدف وبينة الفعل، لجهة إسقاط الدولة السورية بمفهومها القائم، والذي يشكل الرئيس بشار الأسد كلمة السر الأساسية لها.لكن التطور الحاصل في المواجهة بعد 10 فبراير الماضي – تاريخ إسقاط طائرة الإف 16 الإسرائيلية فوق الجليل – غير مجرى الصراع تماما حيث كانت الرسالة الأولى من نوعها على هذا الصعيد، بعد بدء الحرب على الساحة السورية.
ما شكل مرحلة جديدة عنوانها الانتقال من حالة الدفاع إلى مرحلة الهجوم، شكل حجر أساس هذه المرحلة ما جاء في بيان نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في 18 يناير الماضي، بتصريحه حول استعادت الدفاعات الجوية لقوتها الكاملة، وجهوزيتها لإسقاط الأهداف المعادية في السماء السورية.
هذا الأمر شكل عبئا حقيقيا لجهة أطراف العدوان – وخاصة الإسرائيلي – الذي لم يدخر جهدا في سبيل إضعاف الدولة السورية، فسقوطها يؤمن له أبدية البقاء، ما دفعه لرفع السقف عاليا جدا، بعد تأكده من حقيقة الجاهزية التي أبدتها الدفعات السورية عبر إسقاط طائرة الاف 16، وما أسس له ذلك من خسارة تفوقه الجوي في المنطقة.
فلم يألوا جهدا في محاولة جر الولايات المتحدة لشن حرب تشل القدرة العسكرية المتنامية للدولة السورية، والتي ظهرت بشكل غير مسبوق في معركة تحرير الغوطة الشرقية، حيث فرضت عملية تحريرها تحولا جذريا في إستراتيجية إدارة الحرب، وتغيرا عاما في الخارطة السياسية للعالم، حسبما عبر الرئيس بشار الأسد في زيارته الأخيرة لقوات الجيش العاملة فيها 18 مارس الفائت، ما دفع أمريكا وحلفاؤها لشن عدوانا ثلاثيا حصد من الخيبة الإستراتيجية لأصحابه أضعاف صواريخهم الذكية، التي تناثرت فوق دمشق ومحيطها ذلك اليوم.إذا سقوط فكرة محاولة التدمير الذاتي كعدوان أول، نتيجة استيعاب الدولة السورية للواقع المستجد، وتفويت الفرصة على مبرمجيه، وسقوط استخدام الإرهاب كعدوان ثاني، نتيجة الانهيارات المتتالية في البنية الإرهابية التي أعقبت تحرير الغوطة الشرقية خاصة، بالإضافة لسقوط العدوان الثلاثي كعدوان ثالث، نتيجة لعدم تحقيق أهدافه في تحجيم القدرة العسكرية للدولة السورية، دفع "إسرائيل" لمواصلة التحرش عبر الاستهدافات الصاروخية لعدة مواقع ضمن الأرض السورية، تحت ذريعة تقليص الوجود الإيراني في سوريا.
ورغبة أساسية منها في توريط أمريكا مجددا، في حرب شبه شاملة ضد إيران وحلفائها – على اقل تقدير- خاصة بعد تبنيها وتسويقها لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران 8 مايو الجاري، ما دفعها للاستثمار المباشر في ذلك، عبر توجيه ضربات صاروخية لمواقع في منطقة الكسوة، بعد ساعات من إعلان ترامب هذا الانسحاب، تصدت لها الدفاعات الجوية السورية بإسقاطها مباشرة، كما حال معظم الاعتداءات التي سبقتها – على وجه الخصوص – بعد إسقاط طائرة الاف 16.وصولا للساعات الخمس الأولى من يوم 10 مايو الجاري، حيث جاء سقوط فكرة العدوان الإسرائيلي، كعدوان رابع وأخير على سوريا خلال عمر الحرب هذه، نتيجة الرد الغير متوقع من قبل الدفاعات الجوية السورية، التي أمطرت أهم المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتل بعشرات الصواريخ، لتكون بذلك أكبر مواجهة مباشرة في هذه الجبهة بعد حرب 6 أكتوبر عام 1973، وبغض النظر عن عشرات الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية – عقب الرد السوري – في محاولة بائسة منها، لتثبيت معادلات الصراع القائمة، على ما هي عليه، ولكن يبدو دونما جدوى….فكان بذلك يوم 10 مايو، هو يوم سقوط العدوان الرابع والأخير على سوريا بلا منازع، وهو آخر شكل ووجه للحرب التي فرضت على الدولة السورية، خلال سنين الحرب كاملة.
فجميع الفرضيات والخيارات عملانيا تكون قد جربت من قبل أطراف العدوان، بكافة تشكيلاته وهيئاته ولبوساته وظهوراته، بدءا من الفوضى الخلاقة وصولا للتهديد بحرب شاملة، أطفأت الدفاعات الجوية السورية نيرانها الإسرائيلية في المواجهة الأخيرة – أقلها لوقت غير قصير – بعد أن كانت المنطقة تعيش تجليات الحرب العالمية الثالثة بشكل غير مباشر، فهي بحسب تعبير الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة "كاثيمرني” اليونانية، والتي نشرت في صباح يوم المواجهة ذاته 10 مايو الجاري، بقوله:”قد لا تكون حربا عالمية ثالثة مكتملة الأركان، لكنها حرب عالمية، ربما بطريقة مختلفة، ليست كالحربين الأولى والثانية، قد لا تكون حربا نووية، لكنها بالتأكيد ليست حربا باردة، إنها أكثر من حرب باردة وأقل من حرب مكتملة الأركان، وآمل ألا نرى أي صدام مباشر بين القوى العظمى، لأنه عندها ستخرج الأمور عن نطاق السيطرة.”في الختام لا يمكن لعين أن تخطئ هذا الواقع الجديد، الذي يتجلى في كل فجر…