المغامرة التركية بين المطامع والقبول بالواقع
ما يجري اليوم في الشمال السوري وبالضبط بمنطقة عفرين معقد ويلتبسه الكثير من الغموض نتيجة للاجتياح التركي لهذه المنطقة في ظل تباين المواقف الدولية والاقليمية تجاهه، وان كان تقدم القوات التركية بطيئا بسبب المواجهات العنيفة التي تواجهها من قبل قوات حماية الشعب الكردي، لكن لم يطرأ لحد الان تغيير ملحوظ على الساحة العسكرية رغم مرور عشرين يوما على الغزو التركي للاراضي السورية التي تعتبره دمشق عدوانا عليها فيما عارضته طهران قبل ان تبدأ، بينما تعاملت موسكو معه بشيء من الالتباس وعدم الشفافية اما الموقف الاميركي الصامت فسر على انه اما تواطؤ ام عجز وهذا ما سيكشفه المستقبل.
لكن في كل الاحوال ما اقدم عليه الاتراك في الاراضي السورية هو مغامرة خطيرة من الصعب التكهن بنتائجها لان مسار المعركة التي ترافقها صعوبات كبيرة وتضحيات وصلت الى عشرات القتلى والجرحى ومع ان اندفاع القوات التركية لم تجر وفقا لشهية انقرة في حسم معركة عفرين خلال الفترة المحددة الا ان ما واجهته تركيا من ردود فعل داخلية وخارجية، اثرت بمجملها سلبا على تحركها الذي قد يكلفها كثيرا دون ان تحقق اي من اهدافها، في وقت ان حزب العدالة الحاكم ورئيسها بحاجة الى دعم الشارع التركي لانه مقبل على اجراء ثلاث انتخابات مصيرية، رئاسية وبرلمانية ومحلية في عام 2019 م.
ومع ان الرئيس التركي اردوغان يعلن باستمرار بان تركيا ليست لها اطماع في الاراضي السورية لكن هجوم قواته العسكرية الواسع والمكثف ومن اكثر من جبهة والقتال في مناطق ليست للاكراد الذين يوصفهم بالارهابيين، يضع علامات استفهام متعددة ومن الصعب القبول بما يردده لمواقفه المتذبذبة المتناقضة طيلة الازمة السورية.
واذا ما استمر التدخل التركي في سوريا واتسعت مناطق المواجهة العسكرية فلا احد يستطيع التهكن بما ستؤول اليه الامور نتيجة لتغير المواقف والمصالح الاقليمية والدولية وهذا ما ينذر بحصول تطورات غير محسوبة قد تثقل كاهل الجانب التركي مع مرور الايام وتحمله المزيد من الخسائر البشرية والمادية.
تركيا اليوم محرجة للغاية بين التزامها بالحل السلمي للازمة السورية من خلال مسار استانا وسوتشي كطرف ضامن لها وبين متمرد لعرقلة هذا المسار بسبب هجومها على الشمال السوري الذي يهدد الاستقرار ويفتح المجال ثانية للارهابيين اضافة الى فسح المجال امام القوى الخارجية المتدخلة استغلال هذا الوضع لتأمين مصالحها اللامشروعة في المنطقة وايجاد شرخ بين دولها.
طهران الحريصة على امن المنطقة واستقرارها وكذلك استقرار دولها تعمل جاهدة لاقناع الجانب التركي بوقف عملياته العسكرية في الاراضي السورية واعادة النظر في مواقفها لئلا تذهب الامور الى ما يحمد عقباها لخطورة ابعاد تحركها العسكري في عفرين المجاورة لمناطق حساسة جدا يتواجد فيها الجيش السوري وقوى المقاومة واذا ما حدث انزلاق عسكري وتطورت الامور بشكل مفاجئ، من سيتحمل نتائج ذلك ومضاعفاته غيرالمحسوبة؟!
فعلى تركيا الحذر كل الحذر من ان تتجاوز الخطوط الحمراء وتنسى انها هي جزء من حل الازمة السورية؟
من خلال مشاركتها في انعقاد مؤتمري استانا وسوتشي اللذين بذل لهما جهود مضنية وحثيثة لانهاء الازمة السورية واي خطوة تتعارض مع هذا الاتجاه سيشكل تهديدا خطيرا لهذا المسعى الدولي والاقليمي الكبير الذي تتجه الانظار اليه اليوم والذي بذل الكثير من اجله حتى تختطف ثماره وليس من المعقول التفريط بكل هذه الجهود الشاقة التي تواصلت ليل نهار ومن عاصمة الى اخرى مع الاخذ بنظر الاعتبار اذا ما تمادت انقرة في مشروعها العسكري في التوسع والمساس بالسيادة السورية ولم تسمع لنصائح العقلاء ودول الجوار قد تضر اولا بمصالحها الاقتصادية وتخاطر ثانيا بعلاقاتها السياسية وبالتالي تعرض المنطقة لمخاطر هي في غنى عنها وهذا ما لا نتمناه ابدا لانه يضر بمصلحة الجميع ولا يستثني احدا.