هجوم حرستا ...أهداف تتخطى الميدان إلى غايات السياسة
محمد عيد
بقيت جبهة حرستا هادئة لمدة طويلة نسبيا من الزمن، حتى أن البعض قد جزم بأن المنطقة هناك في طريقها لإبرام تسوية نهائية بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة التي "تواطأت" ضمنياً على مشروع تصفية النصرة في غوطة دمشق الشرقية أو تسهيل عملية مرورها إلى إدلب لتزول بذلك عقبة دخول هذه المجموعات المسلحة في منطقة خفض التصعيد التي قطع الروس شوطا كبيرا لإنجازها.
لكن شيئا ما تغير، وعاد "انغماسيو" النصرة ليتولوا فسح الطريق أمام بقية الفصائل المسلحة في الهجوم على إدارة المركبات في حرستا، وليصار إلى تجميد خروج النصرة ومحاولة خلط الأوراق مجددا. ويظهر أن هدف المسلحين من إطلاق هذه المعركة أبعد من البحث عن انتصار ميداني في زمن الهزائم (المتلاحقة) التي تلحق بهم، وصولا إلى الانتقام من هزيمة عملاء "اسرائيل" في الغوطة الغربية ومحاولة إفشال "مؤتمر سوتشي"، الذي سيمهد نجاحه المحتمل لضرب كل رهانات الدول الداعمة للإرهاب في سوريا على إجهاض أية عملية سياسية تصرف فيها الحكومة السورية كل إنجازات الميدان.
من تصدي الجيش السوري للمجموعات الارهابية
تتعدد التسميات والإرهاب واحد
يتشابه التكفيريون في ما بينهم رغم تعدد الفصائل والتسميات. وهؤلاء على ما يملكونه من عصبية تتصل بكل موروث التاريخ الأسود، إلا أنهم عادة ما يحاولون "التذاكي" حين يتعلق الأمر بتوصيفهم دوليا بالإرهاب. يدرك هؤلاء أن الغرب منافق وأنه يريد أن يستعملهم، ولا ضير عنده في منحهم صك براءة من الإرهاب حين تقتضي حاجته ذلك وعليه فإنهم يحاولون استغلال الأمر بالكشف عن وجه "براغماتي" يزايد في إبراز الوجه المدني لتدينهم رغم كونهم قتلة متفننين في إيجاد اسباب المنايا.
يزعم هؤلاء أن هنالك فارقا جوهريا بينهم وبين "داعش" و"النصرة"، يكمن في أنهم لا يحوزون على انغماسيين أو انتحاريين وهذا موجب لتزكيتهم ووصفهم بالاعتدال على المستوى الدولي فيما الحقيقة أنهم يغررون بكل الانغماسيين لدفعهم إلى المعارك ويستعملون انغماسيي النصرة لتحقيق أهدافهم الميدانية ثم يعودون ليقولوا إننا غير النصرة ونحن معتدلون ولا مشكلة لنا مع الديموقراطية أو صناديق الاقتراع وعليه فقد تم إعادة تأهيل ما تبقى من مقاتلي النصرة في الغوطة وزج انغماسييهم كرأس حربة في المعارك الأخيرة التي كادت تحقق الخرق لولا تماسك الجيش السوري وقدرته على استيعاب الهجوم وشن هجوم آخر معاكس أسفر عن استعادة العديد من المناطق وقلب الطاولة على إرهابيي حرستا الذين أشعلوا جبهة هادئة اقترب حريقها اليوم منهم وليصير الجيش السوري وفق هذه الحسابات الميدانية والسياسية الخاطئة للمسلحين اقرب من أي وقت مضى لاستعادة حرستا دون أية أثمان سياسية.
ولكن سؤالا يبرز للعلن ويستحق الوقوف عنده، لماذا تم تحريك جبهة حرستا الآن وما الغاية من وراء ذلك؟
مصدر عسكري سوري أوضح لـ"موقع العهد" أن "الهدف من وراء هذا الهجوم الواسع على إدارة المركبات في حرستا يكمن في جعل الغوطة الشرقية تحت سيطرة المسلحين بالكامل بعدما كان الجيش السوري يقطع أوصالها من خلال حفاظه على إدارة المركبات التي تقع في عمق الغوطة وتتوسط عربين ومديرا وحرستا، كما أن محاولة السيطرة على مبنيي المحافظة والموارد المائية يكشف أوتوستراد دمشق حمص وقسما كبيرا من ضاحية الأسد ومبنى الجوية في حرستا بسبب ارتفاع هذين المبنيين وهذا ما يعطي المجاميع الإرهابية ورقة ضغط قوية في أية مفاوضات مقبلة".
وأوضح المصدر أن "اتفاقا حصل بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام من أجل قيام هذا الأخير بتقديم الدعم اللوجستي للمهاجمين على اعتبار أن حرستا مهمة جدا بالنسبة لجيش الإسلام وسقوطها كاملة بيد الجيش السوري يجعل من مدينة دوما التي تعد معقل جيش الإسلام محاصرة بنسبة ثمانين بالمئة فضلا عن أن ما يجري في حرستا يرتبط إلى حد بعيد برغبة "اسرائيل" في الانتقام من خسارة عملائها في الريف الجنوبي الغربي للعاصمة دمشق ووصول الجيش السوري وحلفائه إلى حدود القنيطرة ومحاصرة جباتا الخشب وطبرجة معقل المجموعات المسلحة في ريف القنيطرة الشمالي".
ولفت المصدر العسكري السوري إلى أن "الدول الداعمة للإرهاب تريد بأي طريقة إفشال مؤتمر سوتشي للحوار السوري ـ السوري لما يمثله هذا المؤتمر من "ضربة سياسية" لأمريكا بعد الضربات المتتالية في الميدان وهذا الأمر لم يعد خافيا مع إعلان بعض الفصائل المعارضة صراحة ومن قلب العاصمة الأمريكية واشنطن نيتها العمل على إفشال هذا المؤتمر ما يكشف سر توقيت تفجير جبهة حرستا التي كانت من أكثر مدن الغوطة هدوءاً".