ماذا يُنبىء المشهد الايراني ؟
عامر الحسون
لا شك ان مقاربة الاحداث التي تتكرر في ايران بين الفينة والاخرى وبمديات متفاوتة ولاسباب مختلفة بعضها ظاهري مباشر والاخر باطني مستتر ، يحتاج الى قراءة فاحصة وشمولية ، وهي في النهاية تضعنا امام هذه الحقيقة ، ان هذه الاحداث والأزمات على ما يبدو هي من جنس ( الضربة التي لا تُسقطك تقوّيك )
لسنا مجافين للواقع اذا قُلنا ان نظام الجمهورية الاسلامية واجه ويواجه تحديات جدية وهائلة وغير مسبوقة ، واخطرها تلك التي تَنفُذُ الى الشارع وتنبثق عنه ، والاسباب معروفة ، بعضها اقتصادي وبعضها سياسي ، وبعضها مرتبط بالحريات المدنية .
ولا إبالغ ان قلت ان ما واجهه بلد كايران ونظام حكم كالجمهورية الاسلامية منذ ١٩٧٩ (٣٩سنة) :
{{عصيان وتمرد في المناطق الحدودية على خلفية دوافع قومية ومذهبية(خوزستان، كردستان) شاهد ١٩٧٩-١٩٨٠، محاولة انقلاب ضباط القاعدة الجوية بنوجه في همدان عام ٧٩ باشراف وتخطيط من ال CIA ، عمليات اغتيال كبار الشخصيات على يد زمرة الفرقان(مطهري، مفتح، رفسنجاني، قائد اركان الجيش الفريق قرني واخرين ١٩٧٩-١٩٨٠) حادث الهجوم الامريكي المباشر والفاشل بطبس نيسان ١٩٨٠ ، حرب صدام المدمرة ٨٠-٨٨، اعلان التمرد المسلح لمنظمة مجاهدي خلق وبدء مسلسل الاغتيالات والعمليات الانتحارية ضد النظام ورموزه وانصاره حزيران ١٩٨١ ، (حصدت حسب احصائيات رسمية ١٧ ألف شهيد) ، منهم شهداء الحزب الجمهوري ورئيس جمهورية ورئيس وزراء البلد(رجائي وباهنر) وزراء ونواب وقادة عسكريين ، شخص السيد الخامنئي الذي نجا باعجوبة من محاولة اغتيال في ٦ حزيران ١٩٨١ وغيرها من الامثلة كثيرة طالت كبار العلماء ومنهم ثلاثة من أبرز ائمة الجمعة ومن المقربين للامام الخميني(ره) ، كدستغيب ومدني واشرفي اصفهاني في تلك الفترة ، الاعتداء الامريكي المباشر باسقاط طائرة الايرباص المدنية تموز ١٩٨٨ وهجمات البحرية الامريكية على المنصات النفطية الايرانية في نفس السنة و...، علاوة على ذلك الاجراءات السياسية والاقتصادية الامريكية الخانقة ضد ايران على عهد الرؤساء المتعاقبين كارتر وريغان وكلينتون وبوش واوباما واخرها ترامب ، حوادث فتنة الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٩ وما جرى فيها من اصطفافات داخلية حادة وتدخّل وضغط سياسي واعلامي هائل من قبل المتربصين بايران اقليمياً ودولياً ، الى جانب ذلك ، دخول اجهزة الاستخبارات الامريكية والاسرائيلية على الخط بشكل مباشر وسافر ، واغتيال العديد من العقول والعلماء النوويين في طهران(٢٠٠٩-٢٠١١) }} وهلمجرا ...
كل هذه ، من اشكال المواجهة التي ما فتئت تخمد يوماً الا لتشتعل باشكال جديدة، وخلف معظمها غرف عمليات تقف خارج الحدود ، تحظى بدعم ورعاية اقليمية(سعودية - اسرائيلية) ودولية (اميركية واوروبية) وبعض الاحيان حتى اممية(مجلس الامن) ..
ازاء هذا المسلسل من الصِدام والتطاحن والمواجهة العملانية الشرسة ، ماذا كانت النتيجة ؛
حتى الان فان الثورة والدولة ومؤسساتها وتوقيتاتها الدستورية لازالت بخير ، بل وان النظام ، استراتيجياً بات اقوى عودا وصلابة وارادة ونفوذا ( أضحى بلداً نووياً - بالستياً بامتياز ) ، لكنه يواجه ازمة اقتصادية حادة وخانقة بعضها عارض وطارىء بسبب ما ورد اعلاه ، وبعضها مرتبط بوضع اقتصادي عالمي متأرجح وسيء بسبب هبوط اسعار النفط ٢٠١٤ ، كما ان بعضها الاخر مرتبط بالانفاقات الايرانية المُكلفة بخصوص التزاماتها الثورية ..
هنا تأتي المطالبات الشعبية والتدخلات الاجنبية المبرمجة والناعمة ، وسوء الادارة في بعض الأحيان ، تفعل فعلها المخرّب ، لتكون مُوقداً ومظهراً لبعض الاحتجاجات المطلبية الحقة ، فيما تلتقي ارادة المخربين الداخليين (طيف المنافقين وانصار النظام السابق والتيار المدني العلماني ودعاة الاصلاح خارج سقف النظام ) تلتقي مع خطط وبرامج المخرّبين الخارجيين ، لحرف المسارات وادارة الحراك بمفاعيل سياسية وانقلابية ، ولا شك ان الاحقاد والجهل والعقل الجمعي تجد مرتعا خصباً في مثل هذه الحالات .
وها نحن نشهد بين الفينة والاخرى مثل هذه الهزّات رغم محاولات التحصين والتوعية التي يقوم بها النظام بين الشباب والاجيال الصاعدة وقد اتت أُكلها الى حد بعيد ، الاّ ان ثغوراً لا زالت، بل في اتساع، بعض الاحيان بسبب مفاعيل ثورة العولمة والامواج الخارجية (فضائيات وانترنت و..) تفعل فعلها المعكوس ..
ولا أظن اننا امام نهاية لرؤية مثل هذه المشاهد لاحقاً ،لان الاسباب والمؤثرات والارضية لا زالت وستزيد كل يوم ، وهذه هي احدى تجلّيات صراع الحق والباطل المستمرة .
وتبقى عناصر الردع والقوة الايرانية الفريدة هي صمام امان لا يُقهر ؛ (( قيادة صلبة وواعية ، شعب غيور يتحد بشكل غريب في الشدائد وحاضر في الميدان ، اجنحة سياسية متصادمة في التوجه العام متحدة في مقابل الخطر الوجودي ، اجهزة تعبوية وامنية ضاربة وقوية -البسيج، الحرس- نابعة من عمق الشعب ، خزّان من ذوي وابناء الشهداء الذين يشكّلون رصيد فداء لا يُقهر ، سجلّ من التجارب حافل بمرّه وحلوه يشكل غطاءً وظهيراً للقيادة و للقرار الأنجع ، جبهة سيئة السمعة من الاعداء -داخل خارج- توفر فرصة استثنائية للنظام في توجيه ضربة معنوية عكسية مُحبطة لتحركاتهم))، فشعب يرى ان مثل المنافقين(مجاهدي خلق) ومثل اسرائيل نتانياهو ومثل بن سلمان الذي تحدّاهم بنقل المعركة الى عمقهم ومثل الارعن ترامب الذي سارع الى تأييد الاحتجاجات ثلاث مرات في غضون ٢٤ ساعة! ) مثل هذا الطيف من الاعداء او الانصار كما يحلو لهم تسويق انفسهم ، لا يجد فرصة كاملة للفعل الانقلابي - التآمري الناجز هنا ، علاوة على اعلاه ، فان ذاكرة وبصيرة الشعب الايراني وقواه السياسية النظيفة ترى بأم العين وتسمع ما جرى في بلدان الربيع العربي وما أتت به الثورات البرتقالية والحراك الناعم في بلدان المنطقة والعالم ، وبالتالي فهي غير مستعدة لان تضع نفسها ومستقبلها على كف عفريت متحايل مكّار لن يرضى باقل من تحطيم وتدمير البلد واحلام اهله ، كل على هواه !!
وبالتالي فان ما تشهده الساحة الايرانية وفق هذه المعطيات والمؤشرات لا يعدو سوى سحابة شتاء لا ماء فيها ، كما هو حال شتاء ايران الواقعي هذه الايام ، حيث انحسرت الامطار والثلوج بشكل غير مسبوق رغم حلول الشتاء الواقعي .
ويبقى الامل بالله وكرمه ورعايته والتوكل عليه، وبمزيد من الحكمة والوعي والعقلانية والبصيرة ، يُمكن صون هذه التجربة الرائدة - بحلوها ومرّها ، بنجاحاتها وكبواتها.
فرُب ضارّة نافعة ...‼
- وكل عام وهذه الدولة المباركة واهلها وجيرانها الشرفاء وحلفائها واصدقائها بالف خير ان شاء الله .
٢٠١٨ سنة خير وسلام ومحبة على انصار الحق في كل مكان .. وكل عام وانتم بألف خير .