هل يُسقط الحريري بنفسه حلم "14 آذار"؟!
إنتهت قوى "14 آذار" كتشكيل سياسي منذ سنوات طويلة، بعد تفرّق الأحزاب والجهات السياسيّة والشخصيّات التي شكّلت عصب هذه الحركة، بسبب تضارب في المصالح وإختلاف في الرُؤى التكتيّة إضافة إلى تراجع وتخاذل البعض من قياداتها أيضًا، لكنّ حلم "14 آذار" الذي كان إنطلق أساسًا كحركة جماهيريّة واسعة عابرة للطوائف والمذاهب والعقائد قبل أن يكون حركة سياسيّة، كان لا يزال حيًّا حتى الأمس القريب.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية بلغت الإنقسامات بين قوى "14 آذار" السابقة حدًا غير مسبوق، في ظلّ تخوّف من أن يؤدّي تعهّد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بأن "يبقّ البحصة" قريبًا، إلى "كسر الجرّة" وإلى قطع آخر الخيوط التي كانت لا تزال تجمع بين قوى وشخصيّات سياسيّة مُختلفة إلتقت على مبادئ عريضة تحت راية الحريّة والسيادة والدولة القويّة الخالية من كل أشكال التنظيمات المُسلّحة. فهل ستكون نهاية حلم "14 آذار" على يد الحريري نفسه؟!.
منذ الأزمة التي فجّرتها الإستقالة الشفهيّة المُلتبسة لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من الرياض في الرابع من تشرين الثاني، تراجعت العلاقات بين من تبقى من قوى "14 آذار" إلى أدنى مُستوى، خاصة بين "تيّار المُستقبل" وحزب "القوّات اللبنانيّة"، علمًا أنّ العلاقة بين "المُستقبل" وحزب "الكتائب اللبنانيّة" كانت تراجعت بقوّة قبل ذلك، خاصة منذ خُروج أو إخراج "الكتائب" من الحُكم والتراشق إعلاميًا معها في أكثر من مناسبة في الأشهر الماضية. كما تلاشت كليًا أي مُحاولة تقارب من جديد بين المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي ورئيس الحكومة، وتوتّرت علاقة هذا الأخير مع عدد من النوّاب المُصنّفين ضمن "الصُقور" في تياره، ومع عدد من النوّاب السابقين والإعلاميّين المحسوبين على "المُستقبل" على مُستوى الخط السياسي العام. والمُفارقة أنّ الحريري الذي إلتقى أو تواصل مع عدد كبير من قوى ومسؤولي قوى "8 آذار"، لم يجتمع إلى رئيس "القوات" سمير جعجع، ولا إلى رئيس "الكتائب" النائب سامي الجميل، وحرص على التواجد شخصيًا في أي إجتماع لكتلته النيابيّة، بعد أن كان يُجيّر رئاسة هذه الإجتماعات-إذا جاز التعبير، لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة.
إلى ذلك، فتح عدد من المُقرّبين من رئيس الحكومة النار مباشرة أو تلميحًا، في تصريحات وفي تغريدات مختلفة خلال الأسابيع الماضية، على أحزاب وشخصيّات محسوبة ضُمن تحالف "14 آذار"، ما زاد الأمور تدهورًا، وأفشل كل المُبادرات الخجولة والتي تمّت على مُستوى محدود، في مُحاولة لإعادة الحرارة إلى العلاقات الباردة والمُتوتّرة.
وبالتالي، في حال قام رئيس الحُكومة بتوجيه إتهامات مُباشرة عما يُردّده عن "غدر هنا" وعن "طعن بالظهر" هناك، إلى مسؤولين وشخصيّات وأحزاب من قوى "14 آذار"، فهو سيُنهي بيديه أي أمل بإمكان إستعادة حلم "14 آذار" في يوم من الأيّام، خاصة وأنّ لبنان هو على بُعد فترة زمنيّة قصيرة من الإنتخابات النيابيّة، وأي جهتين مُختلفتين ستكونان تلقائيًا في لائحتين مُختلفتين وحتى مُتواجهتين خلال الإنتخابات. واللافت أنّه في الوقت الذي يعمل فيه "حزب الله" الذي يُعتبر "المايسترو" الذي يُدير خطوات القوى المُنضوية ضُمن تحالف "8 آذار"، على تقريب وجهات النظر ضُمن هذا الفريق وعلى تذليل العقبات والخلافات بين أفرقائه وكذلك مع "التيار الوطني الحُرّ"، سيكون من المُستغرب أن يقوم "تيّار المُستقبل" الذي هو الأقوى والأكبر ضُمن تحالف "14 آذار" السابق بصبّ الزيت على الخلافات الداخليّة ضُمن هذا الفريق!.
وإذا كان أنصار الحريري يؤكّدون أنّ من حق رئيس الحُكومة أن يفضح من غدر به وطعنه في ظهره وأن يُسمّي الأشياء بأسمائها، فإنّ أنصار القوى موضع الإتهام يُشدّدون بدورهم على أنّ من حق كل فريق "14 آذار" أن يعرف ماذا حصل مع رئيس حُكومتهم في السعوديّة، لأنّ الحريري نفى حتى تاريخه أنه إحتجز أو أنّه كان تحت الضغط، وبالتالي إنّ التعامل مع الإستقالة كأنّها قائمة-قبل التراجع عنها، ليس جريمة ولا خيانة، ويُطالبونه أيضًا بأن يُوضح الدور الذي لعبه شقيقه بهاء لأنّ من غير المَنطقي رمي الخلافات العائليّة ضُمن البيت الواحد على الحلفاء في النهج السياسي العريض.
ويختم هؤلاء كلامهم بالتأكيد أنّ الخلاف بين "صُقور" قوى "14 آذار" من مُختلف الأحزاب والقوى ومن ضُمنها "تيّار المُستقبل"، بشأن مُقاربته وأسلوب تعامله مع العهد الجديد ومع "حزب الله"، ليس بجديد، والحديث عن ضُعف وتردّد وعن غياب القُدرة على المُواجهة ليس بجديد أيضًا، وهو كلام يتكرّر مرارًا داخل الغرف المُغلقة في لبنان، وخارجه، وهو عبارة عن توصيف لواقع قائم ولا يُعتبر غدرًا أو طعنًا في الظهر!.
النشرة