kayhan.ir

رمز الخبر: 68198
تأريخ النشر : 2017December16 - 21:44

أمريكا لن تَكسب هذه الحَرب


عبدالباري عطوان

الرد الأمريكي على القِمّة الإسلاميّة التي انعَقدت في إسطنبول يوم الأربعاء تَلبيةً لدَعوة من الرئيس رجب طيب أردوغان للتصدي لقرار الرئيس دونالد ترامب الاستفزازي بتَهويد مدينة القُدس المُحتلّة جاءَ سريعًا، بل أسرع من المُتوقّع، وعلى لسانِ السيدة نيكي هيلي المَندوبة الأمريكيّة في الأُمم المتحدة التي قالت قبل أيّامٍ أن "السّماء لم تَهبِط على الأرض بعد قرارِنا بشَأن القُدس، وسنمضي قُدمًا فيه دون تَلكؤ”.

السيدة هيلي التي تَفوّقَت على الرئيس ترامب في عُنصريّته وعَدائِه للعَرب والمُسلمين، بَدأت حَملةَ تحشيد وتصعيد ضد إيران دون أيِّ سَبب يَستدعي ذلك غير بَذْر بُذور الفتنة، وتَهيئة المَجال لحَرب طائفيّة تَحرق المِنطقة، وتَحلب ما تَبقّى من أموالٍ في جُعبة دُول في الخليج (الفارسي)، ورَهْن مَخزونِها النفطيّ لعُقودٍ قادمة.

المَندوبة الأمريكيّة فَسرت الماء بالماء عندما قالت "أن أمريكا لديها الأدلّة على أن الصّاروخ الذي استهدفَ مَطارًا مدنيًّا بالرياض هو صاروخٌ إيراني”، وأضافت "أن سُلوك إيران في مِنطقة الشّرق الأوسط يَزداد سُوءًا ويُؤجّج الصّراع في المِنطقة”.

هذهِ التّصريحات الاستفزازيّة الهَدف الأساسي مِنها هو تحويل الأنظار العربيّة والإسلاميّة عن الجريمة الأمريكيّة في القُدس المُحتلّة، والانحياز الكامِل لكيان الاحتلال الإسرائيلي وسياساتِها في فَرضْ الأمر الواقِع بالقُوّة.

في اليمن هُناك حَرب شَرسَة مُستمرة مُنذ ثلاثِة أعوام تقريبًا، تَستخدم فيه أطرافها، والتحالف العربي بقِيادةَ المملكة العربيّة السعوديّة، على وَجه الخُصوص، آلاف الأطنان من الذّخائِر والصّواريخ والطّائرات الحديثة القادِمة من الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبمِئات المِليارات من الدولارات، ومن الطّبيعي أن يَلجأ الطّرف الآخر إلى أي مَصدر للتّسليح للدّفاع عن نَفسِه، اتّفقنا مَعه أو اختلفنا.

هَبّة الغضب الأمريكية التي جَرى تكليف السيدة هيلي بالتّعبير عنها، والتّركيز على الصّاروخ الحوثي الذي استهدف مطار الملك خالد، شمال مدينة الرياض، باعتباره الذريعة او "رأس الحِربة” في هذهِ الحَملة، تَعود إلى عِدّة أسباب:

الأول: أن قِمّة إسطنبول التي حَضرها أكثر من 57 زعيمًا ووزير خارجيّة أكّدت على الوِحدة الإسلاميّة، والرغبة في التصدّي للانحياز الأمريكي الكامِل إلى جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي، والدّفاع عن المُقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في المَدينة المُقدّسة.

الثّاني: ظُهور تَحالفٍ سُنّي شيعي عابِر للطّوائف والمَذاهب، تَمثّل في الانسجام غير المَسبوق بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونَظيره الإيراني حسن روحاني، وهذا التّحالف يَنسف المُخطّط الأمريكي الذي يُريد إشعال حَرب سُنيّة شيعيّة، أو تَوظيف السُّنّة العرب، في الخليج (الفارسي) خاصة، في خَوض هذه الحَرب إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

الثالث: صاروخ انصار الله الباليستي الذي وَصل إلى هَدفِه، وسَقط في فَناء المطار الدولي، وعَطّل حركة الطّيران، وأثارَ حالة من الذّعر، أظهر فَشل مَنظومة "باتريوت” الصاروخيّة الأميركيّة الصّنع في اعتراضه، الأمر الذي وَجه ضَربة "قاصِمة” لجَوهرة تاج الصّناعة العسكريّة الأميركيّة، خاصة أن سَبعة صواريخ باتريوت يُكلّف كُل صاروخٍ منها ثلاثة ملايين دولار التي انطلقت لاعتراض ذلك الصّاروخ المُجنّح (يُكَلّف عِدّة آلاف من الدولارات) عَجِزت عن تَحقيق هدف إسقاطِه، مِثلما ورد في تقرير خاص لصحيفة "نيويورك تايمز الأمريكيّة.

إيران نَفتْ هذا الاتّهام الأمريكي، وقالت أنّه استفزازي، وغير مَسؤول، وليس له أي أساس من الصحّة، وأن الأدلّة التي تَحدّثت عنها السيدة هيلي "مُفبركة”، ولا نَعتقد أن هذا النّفي الإيراني سيَجد أي صَدى، وهو يُذكّرنا بالنّفي العِراقي في زمن حُكم الرئيس السابق صدام حسين بوجود أي أسلحة دَمار شامل في ترسانَتِه، وبَقية القِصة مَعروفة.

الإدارة الأمريكيّة الحاليّة مُنيت بهَزيمة كُبرى، داخل الولايات المتحدة وخارِجها، في الدّاخل عندما خَسِر حليف ترامب المِقعد الجُمهوري في انتخابات ولاية ألامابا، وخارِجها عندما نَأى حُلفاء أمريكا الأوروبيين بأنفسهم عن قرار ترامب بتَهويد القُدس، وأعلنت كوريا الشماليّة نَفسها دولةً نووية باليستية، وهَددت بقَصف العُمق الأمريكي بصَواريخِها في حال تَعرضها لأي اعتداء.

ترامب يَقرع طُبول الحَرب، وضِد دولة إسلاميّة، ومن مُنطلقاتٍ عُنصريّة، ويُريد حُلفاء من المُسلمين أيضًا في مِنطقة الخليج (الفارسي) ليكونوا رأس حَربتِها، وتَمويلِها من خَزائنهم، وتَحدثت هيلي بكُل وضوح عن سَعي بِلادها لتشكيل تَحالف دَولي لمُواجهة خَطر إيران، وهُنا تَكمن المَأساة الكُبرى.

أمريكا لن تَكسب هذه الحَرب، لكن المُؤكد أن المُسلمين أيضًا، والعَرب خُصوصًا، سَيكونون وقودها وضَحاياها، جَنبًا إلى جنب مع حَليفِهم الإسرائيلي الجديد.. والأيّام بَيننا.