السيّد... قائداً للعرب
نبيه البرجي
قال لي صحافي أنكليزي مخضرم، كنت واياه نكتب في احدى الصحف، «أخشى أن يأتي اليوم الذي يظهر فيه سلاح «حزب الله» السلاح الشرعي الوحيد في المنطقة العربية».
لاحظ أن كسر دونالد ترامب الخط الأحمر الذي كان يحيط بالشطر الشرقي من القدس، أضاء، درامياً، مدى الهشاشة الاستراتيجية لدى البلدان العربية. هلهلة الأنظمة التي تختزن أسلحة بتريليونات الدولارات. الأسلحة التي لا معنى لها. لا توازن للرعب مع ايران، لا توازن للرعب مع اسرائيل، ولا توازن مع الذات ما يمكن أن يرسي معادلة استراتيجية تحد من لعبة العواصف على امتداد المنطقة.
أمامه الكثير من الأرقام. «هل تعلم أن الايرانيين الذين لامسوا القنبلة أنفقوا على برنامجهم النووي الذي أثار هلع الأميركيين والاسرائيليين، مايقل عن نصف موازنة وزارة الدفاع لسنة ما في احدى الدول الخليجية الصغرى؟».
الأنكليزي الذي يرصد حتى دبيب النمل في الشرق الأوسط يقف مبهوراً أمام شخصية السيد حسن نصرالله، وقد «استطاع، بالصواريخ التي حصل عليها، في ظروف معقدة, وشاقة، تكريس معادلة توازن الرعب مع اسرائيل التي تمتلك جيشاً هو من أقوى جيوش العالم».
يقول «الرجل يحظى باحترام شديد في الدوائر العليا في القارة العجوز. لا مجال الا للثناء على ماحققه لتبقى دبابات الميركافا وراء الحدود. الكلام يتردد داخل الغرف المقفلة لأن المؤسسة اليهودية ترصد كل شيء، وباستطاعتها أن تحرق أصابع من تشاء».
الدول العربية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، بدت كما «غابة من الورق» حين مشى دونالد ترامب فوق «جثث» حلفائه وأعلن القدس عاصمة لـ"اسرائيل". ردات الفعل خاوية من أي معنى. لا تتعدى التثاؤب السياسي والاعلامي.
في هذه اللحظة، برز «السيد» ليبدو وكأنه قائد الشعوب العربية الهائمة على وجهها، ودون «أن أدري ما اذاكان قد أيقظ الجمر أم أيقظ الرماد».
يستدرك «انه الجمر يا صديقي داخل تلك الدول المترهلة، ان بفعل الفيض المالي، أو بفعل العوز، أوبفعل تسويق ثقافة اللاانسان. كان من الضروري اجراء دراسة سيكولوجية لوجه حسن نصرالله حين كان يلقي كلمته. هل كان واثقاً أن دعوته ستلقى الصدى لدى الفلسطينيين ولدى العرب الذين استساغوا الموت على الأرائك الوثيرة أم أنه كان متوجساً من أن يكون الصدأ قد ذهب بعيداً في تفكيك اللاوعي العربي؟».
الصحافي البريطاني يرى أن السيد نصرالله هو، في الوقت الحاضر، الوحيد الذي يمكنه «تلقف» الحالة العربية الراهنة وادارتها بايقاع ديناميكي وفاعل.
القضية الفلسطسنية التي تبدو، ظاهرياً، وقد غدت ضيفة شرف على الثلاجة أوعلى المقبرة، لا تزال تستوطن عظام العرب وأرواح العرب. اذاً، كان رهان الأمين العام لـ«حزب الله» ذا أبعاد تاريخية واستراتيجية على السواء «بدا لي، شخصياً، كما لو أنه يوقظ... الزمن».
مهمة السيد ألا يدع الزمن يفارق الزمن. في قصر بعبدا رئيس جمهورية خارج ثقافة التبعية، وخارج ثقافة اللحظة، يعي بدقة ماذا تعني "اسرائيل". هي الدولة التي لا تستطيع البقاء الا اذا توارى الآخرون. رافاييل ايتان قال «العربي الجيد هو العربي الميت». كلهم يقولون ذلك. ميشال عون يصر على أن يحيا لبنان، لا أن يكون رهين حائط المبكى اليهودي، ولا رهين حائط المبكى العربي.
التقاطع الاستراتيجي بين الجنرال والسيد أظهر لبنان حامل القضية، وحامل الشعلة. يفترض الخروج من جاذبية الدهاليز الى جاذبية الموقف، دون الالتفات الى تلك الأصوات الصدئة التي تحترف التأجيج السياسي والتي حاولت الايحاء بأن السيد انما يخطط لتفجير الخط الأزرق.
الرجل الذي هز المنطقة من أدناها الى أقصاها، وبعد الموقف الرائع للوزير جبران باسيل قي مؤتمر وزراء الخارجية العرب (متحف القش لا متحف الشمع)، توخى تعبئة كل القوى، خصوصاً داخل فلسطين لا لتكون الانتفاضة الثالثة، وقد مللنا من لعبة الأرقام، بل الانتفاضة الكبرى التي تستقطب العرب، بعدما سقطوا في الغياب الكبير والغيبوبة الكبرى.
لا تفجير للجبهة اللبنانية. تفجير الضمير العربي، والوعي العربي الذي ان لم يستهلك في الماورائيات، ضاع في تلك الضوضاء المبرمجة التي تعمل العيون العرجاء، الأدمغة العرجاء، على تسويقها.
ثمة صــوت قال للزمن أن يستيقظ. بعد الآن، زمن آخر؟! .