ما لم يقُله ترامب
ماجد حاتمي
خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، واعلانه عدم التصديق على التزام طهران بالاتفاق النووي، والتهديد بالانسحاب منه في حال لم يُصاغ كما تشتهي ادارته، كان خطابا في غاية الاهمية، وهذه الاهمية لا تكمن فيما قاله ترامب، بل فيما لم يقله.
ما لم يقله ترامب، هو نجاح ايران في جعل امريكا معزولة عن حلفائها لاول مرة، فلم يشر ترامب في خطابه الى حلفائه وشركائه الاوروبيين والغربيين، وهم الذين طالما سايروا امريكا في سياستها ازاء ايران.
ما لم يقله ترامب، ان الاتفاق النووي (خطة العمل المشتركة الشاملة) بين ايران والقوي الست الكبرى، هو اقوى من ان يمزقه كما وعد مرارا.
ما لم يقله ترامب، انه لا يملك اي بديل للاتفاق النووي الدولي، لذلك جاء خطابه استعراضيا اكثر منه استراتيجيا.
ما لم يقله ترامب، انه تحدث باسم "اسرائيل” وليس باسم الشعب الامريكي، لذلك جاء التاييد من "اسرائيل” سريعا وقويا، وهو تاييد لم يحصل عليه ترامب حتة من قبل رفاقه الصقور في الحزب الجمهوري.
ما لم يقله ترامب، انه من الصعب خلق هوة بين الشعب الايراني وبين نظامه وقوات حرس الثورة الاسلامية، لذلك جاء خطابه متناقضا وبشكل فاضح، فهو "يدعم” وفي نفس الوقت يتهم الشعب الايراني.
ما لم يقله ترامب، ان تهديده بالانسحاب من الاتفاق ما لم يتم ادخال "تعديلات” عليه، لم يلق آذنا صاغية لدى من وقعوا الى جانب امريكا على الاتفاق مع ايران، ففرنسا و بريطانيا و المانيا و روسيا والصين والاتحاد الاوروبي، رفضوا ادخال اي "تعديلات”، وكان رفض منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي فدريكا موغريني، المس بالاتفاق ملفتا عندما اكدت ان الرئيس الامريكي يملك صلاحيات واسعة الا انه لا يملك القدرة على الغاء الاتفاق.
ما لم يقله ترامب، ان رضوخه للاملاءات الصهيونية، سيحدث شرخا كبيرا في علاقات امريكا مع حلفائها الاوروبيين، وكان وزير خارجية المانيا زيغمار غابرييل اكثر صراحة من الجميع عندما اعلن ان عدم تصديق ترامب علي التزام إيران بالاتفاق النووي سيقرب الأوروبيين من روسيا والصين ويدفعهم إلى اتخاذ موقف مشترك معهم.
مالم يقله ترامب، انه يكذب وان ايران بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والعالم كله ، صادقة بالتزامتها في اطار الاتفاق النووي، فبعد خطاب ترامب واتهام ايران بعدم الالتزام بالاتفاق، أكد مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو على أن إيران تخضع لأشد نظام للتحقق النووي في العالم.
لم يشر ترامب في خطابة حتى الى دليل واحد وهو يلصق الاتهامات بإيران، ولم يستند في هذا الخطاب الى اي منطق سوى منطق القوة، متناسيا جرائم بلاده في ايران والعالم، وقتلها مئات الالاف البشر ، واستخدامها السلاح النووي، ودعمها لـ”اسرائيل” في عدوانها على شعوب المنطقة، ولاكثر الانظمة تخلفا في التاريخ، لذا طفح خطابه بسيل عارم من الاكاذيب والسباب.
خطاب ترامب، كان خطابا لرئيس مأزوم لم يجد بين دول العالم سوى السعودية والامارات والبحرين الى جانب "اسرائيل” من يدعمه في موقفه الشاذ من الاتفاق النووي، بينما العالم كله كان الى جانب ايران، التي اكد رئيسها حسن روحاني ان ايران ستظل ملتزمة بالاتفاق النووي الدولي ما دام يخدم مصالحها الوطنية، وإن قرار ترامب سيعزل امريكا، مع بقاء الدول الأخرى الموقعة عليه ملتزمة به.