لا تهوى الناقة ديار ليلى
حسين شريعتمداري
1ـ إن كان رئيس الجمهورية المحترم مؤمنا بهذه الحقيقة المرة، انه رغم صرف الامكانات ووفرة الفرص خلال 4 سنوات من عمر الحكومة الحادية عشرة للتوصل الى الاتفاق النووي اللائق! قد رجع خالي اليدين تقريبا من دون اي مكسب، لم يكن ضرورة لكتابة هذه الكلمات، ولكن ما يؤسف له فان تصريحاته ورجال دولته في كل مناسبة يدل على انهم لم يعتبروا من الطريق الذي سلكوه، وان الادلة والقرائن تحكي الاصرار على خوض نفس النهج في مجالات اخرى.
من هنا كان ضروريا الاشارة لامور تصب في هذا الخصوص:
2 ـ الاحد الماضي صرح السيد روحاني خلال اجتماع لمجلس الوزراء للحكومة الحادية عشرة، قائلا: "لقد بذلت مساع وافرة لانضاج الاتفاق النووي وبالتالي خطة العمل المشترك، وتطلب الكثير من الوقت بذلته الحكومة، وبالتالي توصلنا لاتفاق لايرى احد في العالم ان ايران قد تضررت بسبب الاتفاق"!
واستطرد قائلا: "ان الرئيس الاميركي والمعارضة، والمعادين للجمهورية الاسلامية الايرانية اعتبروا هذا الاتفاق بالاسوأ في تاريخ اميركا ويقولون ان ايران قد خدعت الاخرين، وبالطبع هذا الكلام كذلك ليس بالصحيح. فما هو مهم في خطة العمل المشترك، هو موضوع التفاهم (ربح ـ ربح) ولم يكن (ربح ـ خسارة) مطلقا"!
اما بخصوص الخسائر التي خلفتها خطة العمل المشترك وهي اشبه بالكارثة، وقد قدمنا قبل ذلك وثائق كثيرة لم نتلق اجابة للآن. ونتجنب تكرارها ونوكل للدكتور روحاني ما يطرحه بعض رجال الدول واعضاء الفريق النووي بخصوص عدم التزام اميركا، وابقاء العقوبات، تجميد التبادلات المصرفية والتجارية، وفرض عقوبات جديدة، بالتاكيد على "المكاسب القريبة من الصفر" لخطة العمل المشترك، ونماذج مشابهة حسب صريح المعنيين بالمفاوضات النووية، ولكننا نكتفي في هذا المختصر بطرح تساؤلات عليه؛
الف: من الذي؟ واي صاحب راي داخلي ام خارجي قد قال ان ايران قد خدعت الآخرين؟ حتى يتفضل (السيد روحاني) وبثقة وتواضع ليقول: "وبالطبع هذا الكلام كذلك ليس بالصحيح"!
فما يمكن مشاهدته بوضوح، تصريحات من هذا القبيل بانه "دون اطلاق رصاصة بل بغمد السلاح اوقفنا النشاطات النووية لايران"!
"ان الجمهورية الاسلامية اشبه ببائع مطلوب يرى نفسه مضطرا ببيع الحقوق القومية لبلاده"! و....
باء: على السادة ان يوضحوا، وعلى سبيل المثال، اي قسم من خطة العمل يضر باميركا؟!
ايقاف البرنامج النووي لبلدنا؟! وتعطيل 12 الف جهاز طرد مركزي؟ وردم مفاعل آراك؟ واضطرارنا لتسليم 9700 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب؟ واجبارنا على اخراج الماء الثقيل؟ وايقاف الدراسات والتطوير؟ وتجميد عائداتنا؟و...
جيم: لطالما طرح هذا التساؤل وبقي دون اجابة وهو؛ هل ان السادة يمكنهم بدل المديح والتمجيد بالاتفاق النووي بانه؛ فتح الفتوح! ومعجزة القرن! واكبر مكسب في تاريخ الثورة! و... ان يذكروا لنا فقط نموذج او نموذجين من مكاسب خطة العمل المشترك، ويشرحوا ذلك للشعب؟!
دال: لقد قال السيد روحاني: "اذا حاولت اميركا اليوم الوقوف بوجه الاتفاق النووي فسيقف العالم باجمعه بوجه اميركا"؟ وهنا لابد ان نسأله، اي دولةن نهضت لتناصرنا اليوم بعد نقض اميركا للاتفاق بشكل مستمر، حتى الدول الاوروبية وقفت الى جانب اميركا؟! حتى السيدة موغريني والتي استقبلت بفخر واعتزاز، وقام بعض ممثلي الحكومة باخذ صور معها قد اعلنت قبل مجيئها لبلدنا، بان العقوبات الاميركية الجديدة، اي العقوبات الام ليست نقضا لخطة العمل المشترك! وليت السيد روحاني يذكر لنا اسم دولة وقفت بوجه اميركا لنقضها الاتفاق النووي!
هاء: واذا
كانت خطة العمل المشترك كحقيقة مرة لا تنكر هي "خسارة محضة"،
فالسؤال الاخر هو، ما اصرار الحكومة
المحترمة على الاستمرار على هذا النهج الكارثي؟
3ـ قبل سنوات وفي مقال بعنوان؛ "هذا البعير لا يقصد بلاد ليلى" قد قلنا؛
"لقد جاء في ديوان مثنوي مولوي قصة معبرة، تتطابق والتحديات النووية التي تواجه بلدنا اليوم وهي قصة "البعير المخبول". فمجنون (صاحب ليلى) يدفعه الشوق لليلى وهو راكب ناقته متوجها لديار ليلى. الا ان للناقة فصيلا في المدينة لايمكنها فراقة.
فبينما يندفع مجنون قاصدا ديار ليلى يلف الناقة اضطراب فراق فصيلتها.
فما كان من مجنون الا والنزول من ظهر الناقة، رغم الصعوبات، ليذهب ماشيا الى ديار الحبيب مطمئنا."
وكنا في تلك المقالة قد استنتجنا، اعتمادا على نماذج من سلوكيات اميركا الابتزازية وغير القانونية، بان الجدال النووي للغرب مع ايران الاسلامية ذريعة ليس الا، واعتبرنا هذا الجدال استمرارا للحرب المفروضة مع تغيير الظاهر لا الماهية، وتوقعنا حينها ان الخصم لا يتخلى عن الساحة، ومتى ما حصل على نتيجة مرجوة في الجدال النووي سينقل الصراع والابتزاز لساحة اخرى وشاهدنا هذا ما حصل.
4 ـ وبالامس اشار السيد حسن نصرالله لمناسبة الذكرى الحادية عشرة لانتصار حزب الله في حرب الايام الـ 33، وضمن خطاب ينبض فخرا، اشار الى؛ "لقد ولى الزمن الذي كانت اسرائيل تهدد فصمودنا ومقاومتنا ادت لان تهاب اسرائيل اليوم حتى من زرع شجرة واحدة على الحدود اللبنانية، لماذا؟ لانها تخاف من المقاومة.
فيما كانت فيما مضى لا تعير للبنان حسابا وها هي اليوم تخاف من زرع شجرة وتقوم بالاعتراض". هذه واحدة من نماذج تداعيات المقاومة في قبال النفقات الباهظة للمساومة.
5 ـ على نفس السياق يكتب المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة "محمد البرادعي" في كتاب خواطره بعنوان "زمن الخداع"، وفي اشارة الى الاجراء الليبي عام 2003 في التخلي عن البرنامج النووي تحت ضغط اميركا، اذ يقول؛ "حين قصدت ليبيا في 23 فبراير، وانا استمع لتصريحات المسؤولين الليبيين وكيف غيروا من مواقفهم بسرعة اثر الاتفاق مع اميركا، ما كان باستطاعتي التخلص من هذا الشعور، بان خطر الاستغلال يحيطهم".
وهكذا حصل. فهو مثال آخر للتكلفة الثقيلة للمساومة بدل المقاومة.
6 ـ في ذات الاطار نطرح كوريا الشمالية والتي لا تقارن باي شكل من الاشكال بايران المقتدرة وذات السيادة الشعبية، فبغض النظر عن الكثير من الاختلافات الواسعة لكوريا مع ايران الاسلامية، فهي وقفت بوجه اميركا، وذاقت طعم صمودها. راجعوا!
الف: فان كوريا الشمالية قد وصلت في 27 يونيو 2008 الى اتفاق مع اميركا للتخلي عن البرنامج النووي، وللتعبير عن حسن نيتها فقد دمرت اجهزة خفض الحرارة الذرية،ولكن حين ووجهت بنقض اميركا للاتفاق، استانفت نشاطاتها النووية دون ان تكترث لتهديدات اميركا، ولم تتمكن اميركا من ارتكاب اية حماقة.
ومثال ناجح لمواجهة مقتدرة لنقض اميركا للاتفاق
باء: كما وطالب ترامب ان توقف كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية البالستية، الا ان كوريا لم تعر اهتماما لتهديدات اميركا.
ولم تمض في انتاج الصواريخ العابرة للقارات وحسب بل جربت صواريخ ذات رؤوس نووية، مخاطبة اميركا اذا حاولتي مهاجمتنا سنواجهك بهجمات نووية، ما اضطر ترامب الى دعوتها للتفاوض.
ومثال ناجح للمقاومة بدل المساومة.
جيم: الا ان كوريا الشمالية لم تعط ردا ايجابيا لطلب اميركا للتفاوض، واعتبرت برامجها النووية والصاروخية غير خاضعة للتفاوض. ويمكننا ان نقول بجرأة بان كوريا الشمالية قد اعتبرت، بهذا الخصوص، من المفاوضات العقيمة والكارثية لايران مع اميركا، ومن هنا لم تسقط نفسها في مصيدة اميركا.
على هذا السياق لابد للحكومة ان تعتبر من انتهاج السلوك الكارثي قبل فوات الاوان. وهنالك بقية كلام نوكله لمناسبة اخرى.