’إسرائيل’ وخيارات الحرب مع إيران وحزب الله
سركيس ابو زيد
لا يخفى على أحد القلق الإسرائيلي المتزايد من الوجود الإيراني في سوريا وتنامي قدرات حزب الله القتالية والعسكرية، أضف إليه احتمال وجود مصانع أسلحة متطورة لحزب لله في لبنان، ما دفع تل أبيب إلى التهديد بالرد والدخول على خط "بوتين - ترامب".
فخلال الأسابيع الماضية وغداة الاتفاق على موعد القمة الأميركية - الروسية كثفت "إسرائيل" تواصلها مع إدارة ترامب، ونقلت شخصية بارزة عائدة من الولايات المتحدة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله إن الرئيس الامريكي وفريقه في الأمن القومي يواجهان ضغوطا غير مسبوقة، من جانب مؤيدين لتغطية "إسرائيل" ودعمها للقيام بعملية عسكرية كبيرة ضد حزب لله في لبنان وسوريا إذا تطلب الأمر، وإن حجم الضغوط يتجاوز كل المرحلة السابقة، لا سيما أن في واشنطن من يجزم بأن "إسرائيل" لن تكون قادرة على المغامرة بخطوة عسكرية دون موافقة أميركية واضحة، لأن للحرب تداعيات تتجاوز حزب لله لتشمل إيران وروسيا وربما أطرافاً أخرى في المنطقة، وإن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد تسمح لأحد من حلفائها بالقيام بعمل يسبب خطراً على الآلاف من جنودها المنتشرين في العراق والمئات منهم في سوريا.
ووفق أوساط ديبلوماسية في العاصمة الأميركية، فإن "إسرائيل" تفاهمت مع البيت الأبيض حول ثلاثة ملفات لمناقشتها مع الجانب الروسي:
الأول، يتعلق بتأمين"الجوار الطيب" أو الشريط الحدودي الملاصق للحدود الإسرائيلية - السورية في الجولان.
الثاني، يتعلق بالهدف الإيراني من ربط العراق بسوريا بالطريق السريع تحت إشراف الجيش السوري والحشد الشعبي العراقي، حيث تتفق "تل ابيب" وواشنطن على منع تحقيق هذا الهدف، وهو ما عبّر عنه وزير التعليم الإسرائيلي المتشدد نفتالي بينيت بقوله: "لن نسمح أبداً بإنجاز الممر البري بين إيران ولبنان".
الثالث، وهو الأخطر، ما يتعلق باتهام "إسرائيل" لحزب لله بالشروع في بناء مصانع لإنتاج الأسلحة تحت الأرض في لبنان تعويضاً عن عدم تحقيق الربط للطريق السريع وهو ما يضمن لحزب لله إنتاجاً ذاتياً للصواريخ.
وكان اللافت في هذا المجال تحذير وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان حزب لله وإيران بسبب المنشآت الصاروخية، مضيفاً: "نحن نعلم بأمر مصانع الصواريخ ونعلم ما يجب فعله ولن نتجاهل إقامة مصانع صواريخ إيرانية في لبنان".
بدورها نقلت صحيفة "يديعوت احرونوت" قلق السلطات الإسرائيلية من إقامة هذه المصانع، مؤكدة أن الحكومة الإسرائيلية تفكر في شن هجوم استباقي قد يكون على شكل غارات جوية على هذه المصانع، علماً أن وزير الاستخبارات الإسرائيلي قال لدى زيارته حاملة الطائرات الأميركية "جورج بوش" وهي الأكبر والأضخم في العالم قبالة ساحل حيفا:"سنقوم بكل شيء ضروري لإزالة تهديدات حزب لله".
وهذا ما دفع مسؤولين ومخططين إسرائيليين مؤخراً، إلى ارسال أكثر من رسالة وإشارة مفادها أن هناك عوامل جديدة قد تعجل في المواجهة المقبلة مع الحزب، وأبرز هذه العوامل الجديدة التي يمكن أن تغيّر المعادلة التي سادت الحدود اللبنانية-الإسرائيلية منذ 2006، هي تأكيدات العسكريين الإسرائيليين من أن إيران تتولى بناء منشآت تحت الأرض في لبنان على عمق يصل الى 50 مترا، ليتم فيها تجميع وتصنيع صواريخ متطورة ودقيقة، يصل مداها الى 300 ميل تهدد العمق الإسرائيلي.. وتشير دراسات استراتيجية إسرائيلية الى أن الدور العسكري لحزب لله وإيران في سوريا قد يدفع"إسرائيل" الى اعتبار سوريا ولبنان في أي حرب جديدة مع الحزب مسرحا عسكريا واحدا.
وكان مؤتمر هرتسيليا السنوي قرب "تل أبيب"، والذي يعالج القضايا الاستراتيجية في حزيران الماضي، منبرا للمسؤولين الإسرائيليين العسكريين للحديث عن هذه العوامل الجديدة وتحذير حزب لله وإيران ولبنان من المضاعفات الكارثية للحرب المقبلة.
وقد حظي استعراض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي، الذي جعل من الصراع في منطقة الشرق الأوسط ليس فقط هماً أمنياً "لإسرائيل" إنما وضعه في مركز اهتمامات العالم، بأهمية كبرى.. وبرأيه فإن المنطقة اليوم تتصدر اهتمامات العالم بأسره، "فالصراع الذي تشهده يجلب حوارات بين القوى العظمى، من شأنها أن تنعكس على بقية دول العالم. والخطر في مجمل هذا الصراع، هو الأسلحة المتطورة والتنظيمات التي تسيطر على الوضع، وهي بالتالي تشكل خطراً كبيراً على "إسرائيل" وتستدعي خطة استراتيجية حاسمة وواضحة لمواجهته.. وإيران تُغرق المنطقة بالأسلحة والمعدات القتالية والخبرات، وهي المصدر الرئيسي لوجود أسلحة متطورة في أيدي التنظيمات التي تعمل ضد "إسرائيل" كصاروخ "زلزال - 3"، الذي قامت إيران بنشر كمية ليست قليلة منه في سوريا ولبنان واليمن، وبات يهدد عشرين دولة".. واتهم هليفي إيران بإقامة صناعات عسكرية في لبنان واليمن.
الرجل الأول في الجيش، رئيس الأركان غادي إيزنكوت، اتفق في تحليله للوضع مع هليفي لدى اعتباره أن "داعش" ليس الخطر المركزي على "إسرائيل"، ورأى في إيران الخطر الأكبر على أمن "إسرائيل" واستقرارها وحزب الله التهديد الرئيسي، متوعداً، بمنع أية محاولة لنقل أسلحة له".
موضوع صنع السلاح في لبنان والتحريض المبني عليه، كان أيضاً مدار مباحثات وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ووزير الحرب الأميركي جيمس ماتيس في ألمانيا مؤخراً، وبحسب موقع "واللا" الإسرائيلي، اللقاء أتى على خلفية التوتر على الحدود مع سوريا، وأيضاً في ظل "الخشية الإسرائيلية المتزايدة من التعاظم الإيراني في سوريا ولبنان، ومن إنشاء مصانع أسلحة إيرانية لحزب لله في الأراضي اللبنانية".
وهذا يأتي متوافقاً مع رأي الباحث البارز في مركز التقدم الأميركي في واشنطن حيث تعاظم الوجود العسكري الإيراني وحزب لله في سوريا، في مواقع قريبة نسبيا من أماكن تمركز القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان السورية، وقال "إن سلاح الجو الإسرائيلي يتدرب لجعل الحرب المقبلة قصيرة نسبيا.. إن "إسرائيل" في الحرب المقبلة ستستهدف بشكل مكثف الدولة اللبنانية ومؤسساتها ومنشآتها وستكون هناك خسائر إسرائيلية، ولكن خسائر لبنان سوف تكون كبيرة جداً".
باختصار، الرئيس الامريكي، وعلى الرغم من مواقفه السلبية جدا من إيران وحزب لله، فإنه لا ينطلق من استراتيجية أميركية واضحة في المنطقة، وهو يواصل حاليا تخبطه. بالإضافة إلى أن التحديات السياسية والقانونية التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً بسبب ضلوعه في فساد وتحايل في الملفات التي يخضع لها، أدت إلى تصاعد النشاطات الشعبية الداعية الى إقالته، وبدأت الساحة السياسية في "إسرائيل" تتلمس إرهاصات زلزال سياسي مرتقب ستكون له مفاعيل داخلية وحتى خارجية على مجمل الواقع السياسي، قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية الإسرائيلية.
وهذا ما قد يقيّد يدي نتنياهو ويَحدُ من قدرته على زج "إسرائيل" في حرب يعرف في أي وقت يبدأها، لكنه لن يستطيع التحكم في إنهائها، فضلا عن أن روسيا، نظرا الى نفوذها العسكري والسياسي في سوريا، وعلاقاتها الجيدة مع "إسرائيل"، ورغبة ترامب في التعاون مع موسكو في سوريا، قادرة على الاضطلاع بدور سياسي استباقي لمنع نشوب حرب كارثية جديدة بين "إسرائيل" وحزب لله.