سيناريوهات حرب ترامب – كيم النووية
علي إبراهيم مطر
هل ستقع حرب بين واشنطن وبيونغ يانغ، اشكالية تحولت إلى أزمة قد تهدد السلم والأمن الدوليين. الكثير من التحليلات التي صدرت تنفي حصول معركة وشيكة مهما علت الأصوات المهددة بالحرب، فيما تذهب تحليلات أخرى إلى القول بوجود نسب كبيرة لنزاع وشيك مستندةً إلى التصريحات الأميركية والضرورة الاستراتيجية لواشنطن بمنع أي تهديد مباشر لها، وعدم تحمل البيت الأبيض لوجود التهديد الكوري الشمالي.
حرب ترامب وكيم
لكن الحديث عن الحرب لا يعني أنها أمر حتمي واقع لا محالة، فاليوم ليس عصر الحروب المباشرة، ولا أحد في الساحة الدولية يحتمل حصول حرب كارثية في النظام الدولي. ويجب عدم إسقاط معيار الحرب دائماً على العلاقات بين الأمم، فالعلاقات الدولية تتسم بالمرونة واستخدام كافة الأساليب لمنع استخدام القوة التي يحظرها ميثاق الأمم المتحدة، والذي يؤكد في المقابل حق الدول في الدفاع عن نفسها أمام أي عدوان، فيما يؤكد أن أفضل السبل للتسوية هي في المفاوضات.
التهديد الكوري الشمالي لجزيرة غوام يعتبر خطا أحمر لواشنطن دون أدنى شك، حيث تقع جزيرة غوام في القسم الغربي من المحيط الهادئ على بعد نحو 3500 كلم من كوريا الشمالية، وهي أبرز جزر أرخبيل الماريان. وتعتبر الجزيرة موقعا استراتيجيا للقوات الأمريكية التي تنشر فيها نحو 6000 جندي في قاعدتين جوية وبحرية. وهي تؤوي منشآت أمريكية استراتيجية من قاذفات ثقيلة بعيدة المدى ومقاتلات وغواصات، تشارك بانتظام في تدريبات ومناورات في شبه الجزيرة الكورية والمناطق المجاورة لها، ما يثير غضب بيونغ يانغ، وبالتالي هذا التهديد بين الطرفين يفتح عدة سيناريوهات تحضر لها وزارة الحرب الأميركية.
سيناريوهات أربعة، أولها أن تشن القوات الأميركية عملية استهداف للمنشآت النووية الكورية الشمالية من خلال استهدافها بصواريخ "توماهوك" المجنحة المنطلقة من حاملة الطائرات "رونالد ريغان" أو من خلال استهدافها بضربة نووية من خلال الغواصة النووية ميشيغان، كسيناريو نووي للحرب، لكنها ستكون ايضاَ أمام ضربة نووية محتملة من قبل كوريا الشمالية فضلاً عن تدمير قواعدها في شبه الجزيرة الكورية.
وربما تكون واشنطن أمام سيناريو ثان يمكنها الهرب به من حرب نووية كارثية، من خلال استهداف المنشآت النووية والصاروخية فحسب، بل والمراكز العسكرية أيضاً، بما في ذلك قواعد تخزين الصواريخ المحمولة، وسوف تستعين بذلك ايضاً بحلفائها في كوريا الجنوبية واليابان لكن هذا سيحملها خسائر فادحة ايضاً وليست كارثية بمعنى ضربة نووية الا اذا ذهبت بيونغ يانغ ابعد من ذلك في الرد، على الأقل من خلال استخدام اسلحة نووية ضد القواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية.
أما السيناريو الأخطر والذي سوف يضع النظام العالمي على المحك، لأنه الأكثر عنفاً، يتمثل في هجوم واسع النطاق يهدف إلى تدمير كوريا الشمالية، والشروع في توحيد شبه الجزيرة الكورية وعبر استخدام أسلحة نووية تكتيكية، لكن هذا يتطلب أيضاً اجتياح كوريا الشمالية التي تمتلك جيش كبير وقدرات كبيرة قوات شعبية وإمكانية إبادة شعبها وهذا السيناريو لن يقبل به أحد لأنه سيكون كارثياً فعلاً ويؤدي إلى اشتعال حرب عالمية.
الحل الأفضل
أما السيناريو الرابع وهو الأفضل والانجع لحل هذه الأزمة، والذي يتمحور حوله كل التهديد والتصعيد من أجل كسب فرصة أكبر باستخدامه، هو خيار المفاوضات والعمل الدبلوماسي من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف والمحادثات الثنائية السرية والتي تم الحديث عنها بشكل كبير مؤخراً من أجل منع حصول أي عمل عسكري يؤدي إلى نتائج لا تحمل عقباها ولا يتحملها أي طرف من الأطراف المشتركين في اللعبة الدولية.
فالنظر إلى الخريطة الجغرافية، والحدود الكورية الشمالية، يبين مدى استبعاد حصول حرب بين واشنطن وبيونغ يانغ، فوجود أطراف دولية مجاورة لكوريا الشمالية كروسيا والصين يبعد خيار الحرب العسكرية لما سيؤدي ذلك من أضرار في العلاقات الدولية، وعدم استطاعة واشنطن التفرد وحدها بخيار الحرب العسكرية ومخالفة الإرادة الدولية والقانون الدولي.
الجغرافيا السياسية هنا تحكم أي تفكير في شن حروب، خاصةً أن كوريا الشمالية تشغل موقعاً جغرافياً غاية في الأهمية، يمكنها لعب دور بارز بسياسة شبه الجزيرة الكورية كما تشكل تهديداً كبيراً لها، فهي تقع في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية، وتشترك في الحدود مع كوريا والصين وروسيا في الشمال، والحدود مع كوريا الجنوبية على طول المنطقة المنزوعة السلاح الكورية. إلى الغرب منها والبحر الأصفر وخليج كوريا، وإلى الشرق منها تقع اليابان عبر بحر اليابان (شرق بحر كوريا).
وهذا ما يجعل الذهاب نحو الخيار الدبلوماسي أفضل الحلول للأزمة الكورية، لكن الخيار العسكري يبقى مطروحاً ولو بشكل محدود، سيما أن ترامب رجل غير متزن سياسياً ومن الممكن أن يذهب في أي خيار عسكري غير محسوب له دون تعقل وانصاط لمستشاريه، كما أن الزعيم الكوري الشاب كيم جون أون يشبه كثيراً الرئيس الأميركي وهذا ما يترك هوامش حصول حرب بين الطرفين مفتوحاً حتى إشعار أخر، مع التفضيل الدائم للحل الدبلوماسي بدلاً من الذهاب نحو حرب عالمية جديدة لا تريدها كل الأطراف وستشكل خسائر على كل اللاعبين الدوليين.