kayhan.ir

رمز الخبر: 61245
تأريخ النشر : 2017August07 - 22:10

هل سيفعلها..الأكراد؟؟


سركيس ابو زيد

دولة كردستان" حلم " يراود الأكراد في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا منذ عشرات السنين، على أن تشكل كردستان العراق النواة الصلبة لهذه الدولة ومركز الجذب والاستقطاب للأكراد الموزعين بين تركيا وإيران وسوريا، ولطالما اصطدم هذا "المشروع الحلم" الكردي بالواقع الصعب وباتفاق هذه الدول الثلاث على محاربة الدولة الكردية حتى وهي مجرد فكرة ومشروع لأنها ستكون دولة عابرة للحدود، وستقتطع من هذه الدول مناطق حدودية واسعة، وستكون سببا في زعزعة استقرار المنطقة.

لكن أولاً، كيف بدأت استعادة "المشروع الكردي" في منطقة الشرق الأوسط؟

شكل الاحتلال الأميركي للعراق منذ العام 2003، أول نقطة تحوّل واقعي ومهم في استعادة المشروع السياسي للأكراد، الذين كان لهم دور أساسي في معادلة العراق الجديد، عراق ما بعد صدام حسين عبر تحالف غير مسبوق مع قوى السلطة.

واستفاد الأكراد في شمال العراق طيلة فترة الاحتلال الأميركي لترسيخ دعائم "إقليمهم"، فبينما كان العراق يغرق في فوضى الاقتتال والعنف، كان الإقليم الكردي ينعم باستقرار أمني ورخاء اقتصادي وتحوّل الى مركز جذب للاستثمارات خصوصا في قطاعات النفط والسياحة والاتصالات.

وبعد الانسحاب الأميركي حاول الأكراد إكمال ما بدأوا به، وأرادوا تكريس مكتسباتهم وتشريعها عبر وضع المادة 140 من الدستور التي تتعلق بوضعية المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد موضع التنفيذ، ما يعني وضع مدينة كركوك الغنية بالنفط تحت السيطرة الكردية، وعبر مزيد من الإجراءات "الاستقلالية" وفي مقدمها تصدير وبيع نفط كردستان مباشرة الى الخارج عبر تركيا ومن دون المرور بالمركز والحكومة في بغداد. لكن توجهات وطموحات الأكراد اصطدمت بحكومة المالكي التي أحكمت قبضتها على السلطة المركزية وتحوّلت في اتجاه الحد في النزعة "الاستقلالية" لدى كردستان واستيعاب طموحاتها الزائدة وتطويعها.

هذا ما دفع البارزاني قبل بروز "داعش"، إلى إعطاء إشارات كافية بأن التحالف بين أربيل وبغداد آخذ في التآكل والتفكك، وجاءت الحرب لتثبت أن هذا التحالف انتهى على أرض الواقع، وأن الأكراد تحوّلوا الى حسابات جديدة والى تموضع جديد مرفقا بتحرك ميداني لوضع اليد على كركوك وإلحاقها كأمر واقع بكردستان واعتبارها جزءا لا يتجزأ منها.

هذا الإجراء جاء مكملا لإجراء آخر تمثل في تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي الى "إسرائيل" التي تربطها علاقات وصلات مع كردستان في مجالات كثيرة عسكرية واستخباراتية واقتصادية، والتي كانت السبّاقة الى تأييد الدولة الكردية المستقلة والتشجيع على موقف أميركي مساند لها، مع أن إدارة أوباما أظهرت تحفظا واعتراضا على إعلان الدولة الكردية لأنها ستساهم في تعقيد وتفجير الوضع أكثر في العراق والمنطقة.

كذلك جدد الاتحاد الأوروبي رفضه استفتاء إقليم كردستان واعتبره خطوة أحادية للانفصال عن العراق، وتلقت حكومة أربيل بالمقابل نصائح وتحذيرات إقليمية ودولية بعدم الانزلاق الى مشروع الانفصال والدولة المستقلة التي سيسهل ضربها وعزلها، والاكتفاء بترسيخ الإقليم الكردي في إطار "عراق فدرالي" يكون موزعا الى ثلاثة أقاليم كبيرة: إقليم شيعي في الجنوب وسني في الوسط وكردي في الشمال.. خصوصا وأن الأحداث التي جرت في "مرحلة داعش" أدخلت تغييرات كثيرة على مشهد العراق وخارطته، وجعلت من العودة الى الوضع السابق غير ممكنة، ومن مصلحة الأكراد الاستفادة من هذه التطورات لا للدفع في اتجاه دولة ممنوعة ومستحيلة، وإنما لتثبيت ما أخذوه وتحصيل مكاسب جديدة.

لكن البارزاني أبدى تصميما على المضي قدما بخيار الانفصال وإعلان كردستان دولة مستقلة في الاستفتاء الشعبي الذي سيجري نهاية أيلول المقبل، معتبرا أن اللحظة التاريخية التي طال انتظارها قد أتت، وأن الفرصة السانحة الآن في ظل الفوضى العراقية والارتباك الإقليمي والانشغال الدولي نادرة وينبغي اقتناصها دون تردد وتأخير، وإلا فإنها ستضيع ولن يكون بالإمكان تعويضها لسنوات وعقود.

ويرى مراقبون أن تركيا وإيران هما أكبر المتضررين من تشكيل دولة كردية مستقلة في شمال العراق، نظرا إلى وجود نسبة كبيرة من الأكراد في كلا الدولتين، الأمر الذي قد يؤدي إلى دعوات مشابهة من قبلهم.. وفي مقابل هذه الدعوات، فإنّ الرؤية في بغداد تقود إلى خلاصات أخرى، حيث يرى المتابعون أنّ إقليم كردستان يحتفظ بحكم ذاتي موسع منذ العام 1991، ووصل هامش السلطات المكتسبة حاليا إلى مستوى التمتع بصلاحيات الدولة المستقلة.

أما في سورية فقد وفرت الأزمة السورية فرصة تاريخية للأكراد لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم الاستقلالية، فمجمل المشهد السوري يوحي بأنهم الرابح الأكبر، حتى الآن، لجهة السيطرة على مناطقهم، وبناء ما يشبه حكمًا ذاتيًا في إدارة هذه المناطق.

والثابت أن أكراد سوريا، وللمرة الأولى منذ اتفاقية سايكس - بيكو باتوا يجدون أن منطقتهم أصبحت مفتوحة مع المناطق الكردية في إقليم كردستان العراق، وإلى حد ما، مع المناطق الكردية في تركيا التي تشهد حركة تضامن غير مسبوقة مع أكراد سوريا بدأت بعد معركة كوباني - عين العرب.. هذه المعركة اعتبرت بداية مرحلة جديدة بالنسبة لأكراد سوريا ونقطة تحول في مسيرتهم الاستقلالية.

واليوم، أحرزت القوات الكردية تقدما جديدا في الرقة مع إحكام سيطرتها على الأحياء الجنوبية، ومع اقتراب معركة الرقة من نهايتها تتجه الأنظار إلى اليوم التالي لتحرير المدينة من "داعش"، في ظل صراع علني مضمر بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين على تركة التنظيم، ليس في المدينة فحسب، وإنما في عموم المحافظة.

وسيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأهم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزة إلى الآن عن تقديم خيار واضح ومحدد، تبدو تركيا عاجزة أيضاً عن بلورة خطوات على الأرض تحول دون هيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة.

ويزداد المشهد تعقيداً مع دخول الجيش السوري إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوة تبدو ظاهرياً منع "داعش" من الهروب نحو البادية، لكنها تحمل أبعاداً أعمق من ذلك، فالنظام لا يريد أن يصبح مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي - الكردي - التركي.

المسألة هنا أعمق من انفصال الأكراد في العراق وتشكيل دولتهم من خلال اقتطاع أراضٍ حدودية من العراق وسوريا وتركيا وايران، فهذا التطور لا ينبئ فقط بتحوّل جذري في خارطة العراق ومستقبله ككيان ونظام، وإنما يشي بتغيير في خارطة المنطقة الجيوسياسية هو الثاني من حيث الأهمية والحجم منذ مئة عام.. فدولة كردستان في حال قيامها ستكون التغيير الثاني المهم في منطقة الشرق الأوسط بعد كيان "إسرائيل" وستطلق إشارة البدء لـ"شرق أوسط جديد" يختلف عن "شرق أوسط سايكس- بيكو".

لكن قوى المقاومة والتوحيد تشهد تصاعدا في سوريا والعراق قادر على احتواء الحالة الكردية عسكريا او سياسيا.. فهل سيكون الاكراد بداية حل في المنطقة او بداية تفجير جديد؟