انها سبّة للشيطان
حسين شريعتمداري
1 ـ في الاول من تموز الماضي عنونا صحيفتنا بخبر تحرير الموصل وهو الحادث الكبير والباعث للفخر، وقلنا حينها: "الموصل تحررت فالمقاومة قد اثمرت، وليست المساومة" وهذا العنوان والتحليل الخبري يعود الى التكلفة القليلة للمقاومة قياسا للمساومة، وعلى العكس مما يتوقع في مثل هكذا حالات، استتبعت امتعاض بعض ادعياء الاصلاح وداعمي الحكومة المعروفة بالاعتدال فاعلام هذا التيار بنشرهم صور الخراب الموصل، وترشيح عناوين مثل؛ "الموصل تحررت ولكن باي ثمن؟!" أو"المقاومة أثرمت وليست المساومة، وهذه هي النتيجة يا سيادة كيهان!" و... ساعين الى اظهار ان تكلفة المقاومة اكبر من المساومة وحتى لايمكن القياس بينهما! لماذا...؟! فرد التيار المذكور على تحرير الموصل، وان كان دعما لارهابيي داعش شاؤوا ام أبوا، إلا انه لايبدو ان هكذا دافع لئيم في الوسط، وان اكثر الاحتمالات تفاؤلا هو دفاع هذا التيار عن التساهل قبال القوى المستبدة والرضوخ للمساومة وهو ما يطلق عليه لفترات بشكل ملفق "مفتاح حل جميع المشاكل"! حتى بلغ باحدهم خلال حديث اثناء الحملة الانتخابية لروحاني، قد اعتبر سبيل مواجهة داعش هو التفاوض! وبعض هذا التيار، ورغم فشل خطة العمل المشترك، قد عنون لحل المشاكل الآتية خطط عمل مشترك متعددة!
واللافت، ان "حركة الحرية" والتي تنشط هذه الايام ضمن اطار ادعياء الاصلاح، كانت قد اعتبرت خلال حرب السنوات الثمان، في منشور بعنوان: "الخاتمة العادلة لحرب لانهاية لها"! اعتبرت مقاومة ايران الاسلامية قبال الهجمة المشتركة للعراق واميركا واوروبا والصهاينة وبعض الدول العربية لا فائدة منها! مستدلة على "كما ان الله تعالى قد جعل للاسد مخالب قوية للافتراس قد اعطى للغزال كذلك ساقين سريعين لتفلت من الصياد"!
في اشارة الى القوة العسكرية لاميركا واوروبا اللذان يدافعان عن صدام، كما وصفوا للجمهورية الاسلامية الايرانية والشعب الايراني وصفة التسليم! اي نفس الوصفة التي ترشح هذه الايام عن بعض ادعياء الاصلاح باسماء مستعارة مثل؛ "التفاوض" و"الاتفاقيون"!
وهي نفس الوصفة المزوقة لـ "التسليم".
فالتيار المذكور، خلال الاشهر الاخيرة وعلى اعتاب الانتخابات الرئاسية، قد وصف المقاومة قبال الابتزاز والاتاوات التي يعملها العدو بالند لـ "الحرب" و"الهجوم العسكري" للاعداء، مصرين على ثنائية "الحرب ـ والمقاومة" وبعبارة اخرى "المساومة" وهو الاسم المستعار للتسليم، كثمن للتهرب من "الحرب".
2 ـ فتحرير الموصل، وعلى العكس مما يدعيه هذا التيار ليس له ارتباط بنا وحسب بل يشمل جانبا من امننا القومي. اذ ان تنظيم داعش وحسب اعتراف اعدائنا في الخارج قد شكل لمواجهة ايران الاسلامية.
فقد اعترفت هيلاري كلنتون في كتابها "الخيارات الصعبة" انها سافرت الى 212 دولة لاجل كسب تأييد لتنظيم داعش، طالبة منهم ان يدعموا داعش بمجرد ان يعلن عن وجوده في المنطقة ويعترفوا به رسميا! ولم تبقي الاحداث بعد حضور داعش في المنطقة والاعتراف الصريح لقادة هذا التنظيم الارهابي، بان داعش اوجدت من قبل اميركا وحلفائها الاقليميين لاجل مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية. من هنا وقفنا امام عدو غزا المنطقة ـ العراق وسورية ولبنان واليمن ـ ان لم يكن يقمع لكان علينا ان نواجهه في ارضنا ولتحملنا تكاليف باهظة.
ومن الجدير ذكره ان الصحيفة، وخلال حرب الـ 33 يوما لحزب الله اللبناني ضد الكيان الصهيوني، قد خصصت عناوينها الاولية لهذه الحرب، وكنا نتلقى من اخوتنا في حزب الله ببيروت و بعلبك آخر الاخبار كل يوم من الساعة الخامسة الى السادسة مساء لننشرها. وبعد انتهاء الحرب وجه لي مراسل شبكة (BBC) سؤالا: "الم يكن هنا عنوان اهم في ايران خلال الـ 33 يوما لتضعه كعنوان لصحيفة كيهان حتى تحصرها بلبنان"؟ فكان جوابي؛ بعد ان بدأت الحرب، كلانا (كيهان، و BBC) انطلقنا من طهران ولندن. انتم دعما لاسرائيل ونحن ندعم حزب الله واثرت السؤال الم يقل السيد بوش ان حزب الله يقاتل في لبنان نيابة عن ايران، وان اسرائيل تقاتل نيابة عن اميركا؟ من هنا فان حضورنا في لبنان يمكن توجيهه بانه دعما لجبهتنا، على العكس من حضوركم نيابة عن دولة اخرى اي اميركا، فان كان هناك عتب فهو متوجه لكم لا لنا.
3 ـ من الطبيعي ان تواكب الحروب خسائر مادية وبشرية، وبالطبع نفس الحرب غير محبذ، الا انه قبال عدو مهاجم وعازم على تصفية البلاد والعباد، لاحيلة لنا سوى الدفاع، فمن البديهي ان يتمخض الدفاع بخسائر. فما الحكمة من نشر صور الدمار في موصل، والاعتراض بـ "تحرير الموصل بأي ثمن؟" متناسين الدمار الذي رافق الحرب المفروضة لثمان سنوات ألم تدمر خرمشهر؟ وانهارت الكثير من البنى التحتية للبلاد، فهل كان الحل ان نسلم البلد لصدام؟!
سماحة قائد الثورة قد تناول خلال استقباله المعنيين ببرنامج (الراحلون الى النور) في السابع من آذار 2016، وبنظرة متفحصة ثاقبة، تناول هذا الامر خلال توجيهاته ذلك اليوم حين قال: "هنالك قولة هي هل ان الحرب في نفسه امر جيد ام امر سيئ؟ بالطبع يمثل الحرب العنف والقتل والابادة والجراح . وهنالك مقولة اخرى بان الشعب الذي يتعرض للهجوم من كل الجوانب، فان لم يستجمع قواه لساحة الحرب ويقف امام العدو فما الذي سيحصل؟ انهم يحاولون خلط المقولتين معا. فالدفاع المقدس حركة احيائية، واستراحة للشعوب".
4ـ فاذا عملت قوى الجيش والمقاومة الشعبية العراقية بنصائح اميركا وحلفائها، ومعتبرين الانتصار على داعش كما تصفها اميركا، امرا متعذرا، فلم تكن الان العراق تحت سيطرة اميركا وحلفائها والاوروبيين والاقليميين وحسب بل لكنا نواجه على حدودنا الداعشيين الوحوش الناهبين لجميع امكانات العراق. ولطالما اعلن المسؤولون العراقيون ان الاميركان قد حذروهم بان لا مجال للانتصار على داعش وبالذات تحرير الموصل، وحتى ان بعضهم كان يوصي بضرورة التوصل الى تفاهم مع داعش!
فيما قال ممثل اميركا في التحالف الاميركي المناهض لداعش الجنرال "روبرت ماك غورك" اول امس خلال مؤتمر صحفي: "ان الحرب في الموصل لاسيما في ايمن الموصل من اعقد الحروب منذ الحرب الكونية الثانية". كما وشدد الجنرال "روبرت سوفجي" رئيس التحالف الدولي ضد داعش: "ان القوات العراقية يستحق كل تقدير. ففي الوقت الحاضر لا يوجد جيش يمكنه فعل ما صنعه الجيش العراقي في الموصل ولا توجد مقاربة مع هذه الحرب الا الحرب العالمية الثانية". فانظروا الى وصفة المساومة التي كان الاميركان ينصحون العراقيين بها كم تبعد اليوم جراء مقاومة الشعب العراقي الذي صار يذوق طعم الانتصارات الحلو.
5 ـ "لقد رايت في ديالى كيف اخذوا طفلا من صدر امه، ووضعوه على النار كما تشوى الخراف، وارسلوه لامه لتتناوله. هكذا جريمة يقل نظيرها في التاريخ، ليست بالظاهرة والبلاء القليل... واليوم نشهد فرح الشعب العراقي وليس احتفاء الشعب العراقي لوحده، فهو نصر للبشرية. وللشعب العراقي والشعب السوري حق كبير برقاب العالم...". هذا مقطع من حديث للواء قاسم سليماني. ولا يحتاج الى شرح اكثر حين يصدر من لسان سليماني.
ونورد بيتاً من الشعر يصف حال التكفيريين:
حقاً انها تهمة لشخصية الشيطان
حين ننسبه لفئة النسناس
وما اقرب حديث سماحة الامام ـ رضوان الله تعالى عليه ـ بما نشهده اليوم حين قال: "لا يظنن احد اننا نجهل سبيل المساومة مع مصاصي الدماء، ولكن هيهات ان تصدر الخيانة للشعوب من خادم الاسلام.