قطر بين رفض الوصاية السعودية والخيارات المفتوحة لأزمتها
سركيس ابو زيد
بعد مرور ما يقارب الشهر على بدء الحملة ضد قطر، تبدو أزمة الخليج الفارسي وكأنها تراوح مكانها، ويمكن لهذه الأزمة أن تتصاعد وتستمر لفترة طويلة. القطريون ما زالوا على موقفهم الرافض لكل المطالب والشروط، والخليجيون ماضون في المقاطعة السياسية والاقتصادية، حتى أن مصادر خليجية قطعت الطريق على أي احتمال بتسوية قريبة، مشيرة الى أن عزلة قطر قد تستمر لسنوات، وأنها لن تنتهي إلا حين تغيّر سياستها.. أما القوى الإقليمية والعالمية فتتباين مواقفها من الأزمة تبعا للمصالح والعقائد السياسية والاصطفافات السابقة.
رقعة الكباش الخليجي توسعت لتدخل مرحلة جديدة عنوانها "التدويل"، مع الدخول التركي والإيراني على الخط، وسعي واشنطن لوضع خطط احتواء الأزمة الخليجية مع قطر، بعد الكشف عن قائمة مطالب خليجية وعربية سلّمتها الدول الأربع إلى الكويت التي تضطلع بدور الوساطة في هذه الأزمة، منها:
• إغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى العلاقات مع إيران.
• إغلاق قاعدة عسكرية تركية.
• قطع الحكومة القطرية علاقاتها مع المنظمات الإرهابية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين.
• قطع علاقاتها مع تنظيمات مصنفة بالإرهاب مثل تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، وفتح الشام (فرع القاعدة السابق في سوريا)، وحزب لله في لبنان.
• وقف دعم الدوحة للإرهابيين، والتخلي عن شخصيات مطلوبة دوليا وإقليميا.
• تسليم جميع المذكورين على قوائم الإرهاب الموجودين على أراضيها.
• وقف تمويل الإرهاب والامتناع عن زعزعة الاستقرار الإقليمي.
• وقف كل الشبكات الإعلامية التي تديرها جهات قطرية.
• الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأربع.
• الامتناع عن تجنيس مواطني هذه الدول، وتسليم المطلوبين، وقواعد البيانات المتعلقة بالتعامل مع المنشقين والمتهمين بالإرهاب.
• مطالبة قطر أن تدفع لهذه الدول تعويضات عن أي ضرر أو تكاليف تكبدتها على مدى السنوات الماضية بسبب السياسات القطرية.
في ظل هذه الأجواء المحتدمة، انتقل الخطاب السياسي للقطريين من مرحلة الدفاع وتجنب الاشتباك إلى لغة أكثر تحديا، إذ أعلنت قطر أنها ليست على استعداد للاستسلام، وأكدت أنها قادرة على الصمود إلى ما لا نهاية بوجه الإجراءات السعودية والإماراتية، وجزمت بأن قطر لن تساوم على استقلال سياستها الخارجية، معتبرة أن الخلاف يهدد استقرار المنطقة بأسرها، وأن الديبلوماسية لا تزال خيار الدوحة المفضل، وأنه لن يكون هناك أبدا حل عسكري للأزمة، ولن يحدث أي تغيير في مهمة القاعدة الأميركية في قطر.
ردّ الدول الأربعة المقاطعة لقطر جاء سريعاً من خلال اجتماع لوزراء خارجية هذه الدول (السعودية، مصر، الإمارات، البحرين) في القاهرة لمناقشة الرد القطري على لائحة المطالب والشروط وتحديد كيفية "الرد على الرد"، وأصدروا بياناً حددوا فيه مبادئ ستة كإطار لحل الأزمة مع قطر:
• التزام مكافحة التطرف والإرهاب بصورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة.
• إيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.
• الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي.
• الالتزام بمخرجات القمة العربية - الإسلامية - الأميركية التي عقدت في الرياض في أيار 2017.
• الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون.
• مسؤولية دول المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
وكان لافتا أن البيان صيغ بلهجة متشددة وقاسية، وتحدث عن عدم استيعاب قطر لحجم وخطورة الموقف، مع تلويحٍ مبطن بإمكانية اتخاذ إجراءات أكثر قسوة ضد قطر، من أبرزها:
• تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي بسبب انتهاكها الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين دول المجلس بما يمس سيادتها وأمنها القومي ويضرب الاستقرار في المنطقة.
• رفع أدلة وقرائن الى مجلس الأمن بشأن تورط قطر في دعم عناصر وجماعات إرهابية.
• إقفال بث قناة "الجزيرة" على قمري "عرب سات" و"نايل سات".
• تشديد الخناق الاقتصادي بقطع ما تبقى من صلات مع الدوحة، وفي هذا الإطار إصدار توجيه رسمي للبنوك السعودية والإماراتية والبحرينية بسحب ودائعها وقروضها ما بين البنوك في قطر والتي تقدر بحوالي 16 مليار دولار.
• تخيير الشركات الكبيرة بين التخلي عن أصولها القطرية وبين منعها من مزاولة استثماراتها في الخليج الفارسي.
• عدم السماح لشحنات النفط القطرية بالمرور عبر المياه الإقليمية للدول المقاطعة.
في تقدير أوساط دبلوماسية منتمية الى هذا المحور الرباعي، فإن استقواء قطر في تصديها للشروط الخليجية ورفضها ليس بالدعم الإيراني السياسي والاقتصادي أو بالدعم التركي العسكري، وإنما بالموقف الأميركي.
فبإمكان واشنطن أن تقوم بدور رئيسي في نزع فتيل هذا الوضع الذي قد ينفجر، ولكن هذا الدور يسير ضمن توازن دقيق بين الرؤية والمعالجة، وفي هذا الإطار تسعى واشنطن إلى تنسيق أوسع وأشمل مع كل من السعودية والإمارات في ما يخص أي إجراءات جديدة ضد الدوحة من منطلق أن قطر لن تتخلى عن شراكتها مع الولايات المتحدة.
وفي المقابل، وعدت واشنطن كلا من الرياض وأبو ظبي بأنها ستقوم بتركيز جهودها من أجل وضع حد نهائي للدعم القطري للجهات والمجموعات الخطرة، ووقف الدعم السياسي والمالي فضلا عن الملاذات الآمنة ومنصات التواصل والشبكات الإعلامية للجماعات المتشددة أو لأبرز الوجوه التي تدافع عن هذه الجماعات، كما ستعتمد واشنطن بعد تأكدها من سلوك قطر الجديد نهجا أكثر إيجابيًا معها وربما إعطاء قطر ضمانات أمنية وإقتصادية إضافية قد تقود في نهاية المطاف إلى تحفيز تحسين علاقاتها مع أشقائها الخليجيين وعدم تفضيل طهران والجماعات المتشددة عليهم.
أما تركيا وإيران فقد رفضتا الالتحاق بمعسكر القطيعة والحصار، وإن اختلفت دوافعهما وردود فعلهما.
إيران وجدت في الأزمة الخليجية مصلحة محتملة:
أولا: لإظهار السعودية في موقف المعتدي والقوة الساعية للهيمنة على الجوار.
وثانيا: لأن اندلاع الأزمة الخليجية وضع نهاية للتضامن الإقليمي - الأميركي ضدها، وربما أمل المسؤولون الإيرانيون أن تفاقم الخلافات الخليجية سيساعد إيران على إقامة علاقات أوثق ليس مع قطر وحسب، ولكن أيضا مع عُمان والكويت، وبالتالي إيجاد موطئ قدم لها في الخليج الفارسي والدخول إليه من الباب القطري.
بالنسبة إلى تركيا فهي كانت محط الأنظار منذ الأيام الأولى للأزمة، ليس فقط لأن أنقرة تحتفظ بعلاقات وثيقة بكل من قطر والسعودية، ولكن أيضا لأن تركيا وقطر وقَّعتا منذ 2014 اتفاقية لتأسيس وجود عسكري تركي في قطر.
العلاقات التركية - القطرية وثيقة، ومن غير المتوقع أن تتخلى تركيا عن قطر في ظل توافق مصالحهما الاستراتيجية والدبلوماسية والعلاقات الإيجابية التي تجمع بينهما، إلا أن هذا من شأنه أيضا التأثير في علاقات تركيا بدول الخليج الفارسي، وهذا ما يلقي بظلاله الآن على المنطقة، في ظل حالة التوتر العامة التي تسودها.
أما الاتحاد الأوروبي فقد أعاد تأكيد سياسة النأي بالنفس عن الخلاف في الخليج الفارسي، وهو يتبع سياسة الوساطة في إدارة الأزمة الخليجية، لا سيما عبر تشجيع الحوار مع جميع الأطراف والبحث عن أرضية مشتركة، مشيدا بالوساطة الكويتية، ومؤكد أن أوروبا لا ترغب في رؤية أي تداعيات أو تصعيد إضافي في منطقة الخليج الفارسي.
خلاصة هذه التطورات تشي بأن الدوحة لا تزال متمسكة بخيار تحدي الهجمة السعودية والإصرار على رفض الوصايات، ما عدا الأميركية منها.. أما في حال تلكؤ واشنطن في الضغط لإيجاد حل لهذه الأزمة أو في حال رفض أي من الطرفين الوساطة الأميركية، فإن الوضع في المنطقة سيصبح شديد التعقيد ومفتوحاً على شتى الاحتمالات بما فيها العسكرية، وستجد دول الخليج الفارسي نفسها في وضع صعب للغاية.