استفتاء الموت
مهدي منصوري
تدور اليوم في أروقة السياسة العراقية موضوع اصرار البارزاني على اجراء الاستفتاء باعلان انفصال كردستان العراق، ورغم كل المواقف والتحذيرات التي انطلقت سواء كان في الشارع العراقي السياسي والشعبي امتدادا الى دول الجوار ووصل الامر الاخير الى الامم المتحدة وبعض الدول الاوروبية وحتى اميركا محذرة بارزاني بعدم الذهاب والاستمرار بهذه الطريق لما له من تبعات سلبية كبيرة على الشعب الكردي قبل غيره.بحيث اشارت اوساط سياسية كردية من ان الانفصال سيؤدي الى حرب اهلية.
ويحضرني في هذا المجال مقولة اطلقها السيد رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني عندما طرح عليه سؤال حول رأيه في استقلال كردستان، فاجاب وبصورة الفاحص الدقيق لما ستؤول اليه الاوضاع بالقول انه وفي حالة حدوث الاستقلال "فاننا نحكم على انفسنا بالموت".
وقد حملت هذه الاجابة القصيرة مدلولات كثيرة وكبيرة قد تضع من يفكر بالاستقلال ان يعيد حساباته وبصورة دقيقة، والملفت انه وفي الوقت الذي حمي فيه الوطيس بالمطالبة من قبل البارزاني بالاستقلال، نجد ان الترحيب بهذه الفكرة قد جاء من دول معادية للشعب العراقي والتي أججت الكثير من المشاكل لهذا الشعب من اجل تمزيقه مذهبيا وعرقيا ويأتي على رأسها الكيان الصهيوني وبعض الدول الخليجية كالسعودية والامارات، بينما رافقه وفي الطرف المقابل وكما اسلفنا الرفض الكبير من قبل الحكومة والشعب العراقي باعتباره سيشكل ظاهرة خطيرة وانفرادية لعدم دستوريتها وقانونيتها، وانها ستضع هذا البلد في دائرة التقسيم الذي عملت على تنفيذه الدول الاستكبارية من خلال مشاريعها "الشرق الاوسط الكبير" وغيرها، وبنفس الوقت والذي لابد من الاشارة اليه ان كردستان العراق وفي نظرة للخارطة الطبيعية فانها محاصرة من ثلاث دول هي تركيا وايران وسوريا والتي اعلنت رفضها القاطع لهذا القرار بحيث يمكن القول ان هذا الاقليم سيعيش حالة من الحصار لان ليس له منفذا في التحرك والتواصل مع المنطقة والعالم، ولذا جاء وصف الطالباني له بالموت وصفا دقيقا.
وفي نهاية المطاف قد يسأل سائل ان الذي دفع بارزاني الى الاصرار على الاستقلال هي العلاقة الهشة التي تربط المركز بالاقليم والمشاكل التي ترتبت على ذلك، ولذا فانه يريد ان يخرج من وجع الراس بهذا الاستقلال، ولكن هذا الرأي قد يحمل شيئا من الصحة الا ان المسألة المهمة لايمكن ان تتخذ مثل هذه القرارات المصيرية للشعوب من خلال ردود فعل او تفرد في الرأي غير محسوب النتائج.
واخيرا لابد من الاشارة الى ان العراق اليوم يتعرض الى هجمة ومؤامرة اقليمية ودولية خاصة بعد الانتصارات الاخيرة ضد الارهاب والتي اثبتت وحدة قراره السياسي والعسكري مما شكل قدرة لها تأثيرها في المنطقة والعالم، ولذلك لجأوا للضرب على وتر الانفصال وبعد فشل كل المؤامرات السابقة والتي اختلفت الوانها واشكالها بهدف اضعاف هذا البلد، الا ان لغة العقل والمنطق التي ستتعامل به القيادات السياسية العراقية في احتواء هذا الموضوع من اجل ان يبقى العراق موحدا ارضا وشعبا وذلك بافشال هذا المخطط الاستكباري الاقليمي في مهده كما افشلوا مثيلاته وعلى مدى اكثر من عقد من الزمان.