kayhan.ir

رمز الخبر: 55808
تأريخ النشر : 2017April25 - 21:11

الصِّراع الروسي الأمريكي لقيادة العالم..محوره سوريا وأمنْ بحر قزوين


عميرة أيسر

-تعكس الأحداث الإقليمية والعالمية الجارية حالياً على السَّاحة الدَّولية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الفيدرالية حرباً باردة في بداية هذا القرن يحاول فيها قادة الكرملين وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إيجاد عالم متعدد الأقطاب وإعادة روسيا كقوة عظمى لمسرح الأحداث الدولية بعد غياب دام 25 سنة كانت فيه أمريكا هي المتحِّكمة بمفاصل القرار العالمي, وتعكس إستراتيجيته للخطوط العريضة لسياسة موسكو والتي أفردها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وثيقة مفهوم الأمن القومي، إذ أشار إلى رغبة الروس في قولبة الايدولوجيا العالمية لإنتاج عالم متعدد الأقطاب، وكذلك فإنها تبحث في محاولة إنشاء بنية في العلاقات الدَّولية تقوم على أسَاس الحدّ من هيمنة الدول الغربية المتطورة على المُجتمع الدولي بقيادة أمريكا وأيضاً ستواصل روسيا على نحو موضوعي لعب دور مهم في المسارات الدَّولية نظراً إلى قدراتهَا الاقتصادية، والعلمية والتكنولوجية، والعسكرية، وموقعها الاستراتيجي الفريد على القارة الأوروآسياوية.

فمحاولات تجاهل مصالح روسيا في حلِّ النزاعات الكبيرة في العلاقات الدولية بما في ذلك حلّ النزاعات والصراعات التي من شَأنها أن تضرَّ بالأمن والاستقرار الدوليين، ومنذ سنة 1999 وقَّع فلاديمير بوتين مرسوماً يعيد المدارس إلى الخدمَة العسكرية وكان أول رئيس منذ عهد غورباتشوف يوقِّع الخطط العسكرية بنفسه، وهذا الرئيس الروسي الذي يشبهه الكثيرون بستالين قال عن متمردي الشيشان سنلاحقهم حتىَّ في حماماتهم, وفي 9 أغسطس من نفس السنة عندمَا قدَّمه الرئيس السَّابق "بوريس يلتسن”قال عنه للحكومة بالحرف الواحد:إنَّه الحل النهائي للمُشكلة الشيشانية وهو من قَال في سنة 2005 أي بوتين بأنَّ انهيار الاتحاد السُّوفيتي كان أكبر كارثة جيوسياسية عرفها العالم في القرن العشرين ومن لا يأسف لذلك فلا قلب له ومن يحاول العودة إلى الوراء فلا عقل عنده.

فهذا الرئيس الاستثنائي والذي جاء في ظروف دولية مُضطربة ومعقَّدة شهدها محاولة الولايات المتحدة الأمريكية تطويق روسيا عسكرياً وأمنياً واقتصادياَ وتعتبر "منطقة بحر قزوين”المُرتكز الأساسي لهذه السِّياسة الأطلسية الأمريكية، فهذا البحر الذي يحوي أزيد من 70 مليار برميل من البترول كمخزون طبيعي وأزيد من 250 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يعتبر كنزاً طاقوياً، تحاول أمريكا السَّيطرة عليه عبر كل الطرق والوسائل المتاحة من أجل تمويل السُّوق الأوروبية باحتياجاتهَا منه, فقامت ببناء خط أنابيب "باكو تيليسي "– ليصبَّ في ميناء جيهان التركي وقد بدأ العمل به رسمياً سنة 2005 وهو ثاني أطول أنبوب نفط في العالم، والبعض وصفه بمشروع القرن واستغرق بناؤه 11 سنة, يمتد هذا الأنبوب من في منطقة أسيا الوسطى والقوقاز والبحر الأبيض المتوسط وينقل كميات ضخمة من النفط الأذري من بحر قزوين عبرأذربيجان وجورجيا نحو تركيا.ويوزع عبر الأسواق العالمية بعدها واحتياطي يحتويه هذا الحقل يصل إلى300مليار برميل أي أكثر من ثُلث احتياطي نفط الشَّرق الأوسط،والهدف الأمريكي الأساسي من إنشاءه هو ضرب الهيمنة الروسية على القوقاز والسَّماح لجورجيا وأذربيجان بالدفاع عن استقلالهما.ضدَّ روسيا ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ بل حاولت ولا تَزال الإدارة الأمريكية تطويق رُوسيا في قارة أسيا،وذلك عن طريق إنشاء مشاريع طاقوية منها "خط أنابيب ناباكو”ويمتد من أذربيجان مروراً بأرمينيا. ويمر عبر محور سوريَا وتركيا،ويصبُ في بلغاريا ومنه يوزع في كافة البلدان الأوروبية،وكذلك "خط أنابيب قطر-بلغاريا”،هذا المشروع الذي هو سبب الدَّمار والحرب على سوريا لأنها رفضت تمريرهُ عبر أراضيها.ولإفشاله قامت روسيا بشراء حوالي60مليار متر مكعب من الغاز من أذربيجان،وتركمانستان والذي تقدَّر احتياطاته المؤكدة ب80مليار متر مكعب،وبالتالي فإنَ المخططات الأمريكية قد تمَّ إفشالها في منطقة القوقاز.نظراً لنفوذ الروسي الكبير فيها.

فالغرب الذي حاول تطويقها عن طريق أنابيب النفط والغاز وجد نفسه محاصراً "بمنظمة شنغهاي” التي تحولت إلى مُنظمة اقتصادية وسياسية قوية يحسب لها الغرب وأمريكا ألف حساب والتي تضم دولاً كروسيا والصين، وتركمانستان وأرمينيا وكازاخستان.

فقرارات هذه المنظمة في” قمة دوشبيه بطاجاكستان”والتي كان جاء في بيانها الختامي بأنَ تطوير أنظمة الدِّفاع الصاروخي على نحو أحادي يقوض الأمن العالمي، أما بالنسبة للأزمة السورية فيرون بأنهُ يمكن حلُّها عن طريق الحوار وبالوسائل السلمية ورحبت قمة شنغهاي بإكمال عملية تدمير الأسلحة الكيماوية سنة 2013 في سوريا ودعمت المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 وأقر نظام شنغهاي الدَّاخلي نقل صفة إيران والهند وباكستان من صفة عضو مراقب إلى عضو كامل العضوية في العام المنصرم.

وقد قَال الرئيس فلاديمير بوتين: بأنَّه يجب أن نفعِّل التعاون بينها أي بين دول قمة شنغهاي وتحديث برنامج تعاون تجاري واقتصادي يكون لبنة لقاعدة سياسية وأمنية متينة تكون منطلقاً لبناء عالم يكون القانون الدَّولي هو الفيصل فيه بعيداَ عن الهيمنة الغربية واتفق في نفس الوقت مع طرح الرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي يرى بأنَ أمنَ بحر قزوين رهن باتفاق بين دوله على إيقاف ومحاربة تجارة السِّلاح وتهريب البشر ومكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات.

فروسيا التي تُريد أن تغيّر المعادلات الدولية بتحالف مع أكبر عدد من الدول وصدِّ النفوذ الأمريكي الغربي وإيقافه ليس فقط من خلال منظمة شنغهاي في أسيا بل امتد الإخطبوط الروسي إلى "منظمة دول البريكس” فأسَّستها مع دول كالبرازيل، وجنوب إفريقيا والأرجنتين، والهند والصين كذلك، وحلفاءها كفنزويلا، فهذه الدُّول المنضوية تحت لواء "منظومة البر يكس″والتي قد احتلت مجتمعة ما مجموعه 50 بالمئة من الناتج العالمي الخام في 15 سنة، و في حدود 15 إلى 20 بالمئة قبل تلك الفترة.

فمنذ سنة 2008 بدأت المعايير الاقتصاديَة والميزان التجاري العالمي يتغير لصالح هذه الدول، فالولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت ونجحت للأسف في إسقاط النظام في البرازيل وأحدثت الاضطرابات في جنوب إفريقيا تحاول الآن ضرب المصالح الروسية في الشرق الأوسط وفي سوريا عن طريق دعم الإرهاب ومُنظَّماته العاملة هناك وردَّت روسيَا عن طريق إقامة قاعدتين عسكريتين في هذا البلد الأولى في "ميناء طرطوس السُّوري”والثانية في "قاعدة حميميم العسكرية الجوية”.

فالصراع الروسي الأمريكي كما يقول المُحلل السِّياسي”ميخائيل عوض” المُمتد من أوكرانيا إلى سوريا هو في جوهره صراع استراتيجيٌ للسَّيطرة والتحكم في مناطق جيواستراتيجية حيوية، وكذلك للسَّيطرة على مسارات الملاحة البحرية وزيادة حجم نفوذها العسكري عن طريق إقامة قواعد عسكرية في قارات أوروبا وأسياَ على وجه التَّحديد.

فالقواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا والتي بلغت 67 قاعدة عسكرية وجوية تتوزَّع بينَ دول هامَّة ولها حلف تاريخي طويل معها كألمانيا التي تتمركز بها 17 قاعدة عسكرية "كقاعدة رامنشتاين” زيادة عن 60 منشأة عسكرية بها 30 ألف جندي.

أمّا في ايطاليا فبها مركز قيادة أسطول الغوَّاصات التابع لحلف الأطلسي وفيها قواعد عسكرية في كل من”لاماديا ليتا”-وقاعدة "عيتا "و”قاعدة نابولي” وبها حوالي 100 منشأة عسكرية أمريكية بها 25 ألف جندي أمريكي، وفي بريطانيَا الحليف التقليدي لأمريكا هناك 5 قواعد جويَّة بها 11 ألف جندي أمريكي وهناك دول كهولندا بها قاعدة جوية للأسطول الجوي الأمريكي واليونان بها 3 منشأات عسكرية, أمَا البرتغال فيوجد بها "قاعدة لاجيني” ويتواجد بها 170 عسكري أمريكي فقط، بالإضافة إلى قواعد عسكرية مُنتشرة في كل من تركيا، واستونيا وليتوانيا وكوسوفو وبولندا حيث هناك "قاعدة تشيكا "في غربها وهي قاعدة لإطلاق الصواريخ والطوربيدات البحرية المضادَّة للغواصات، وهناك قاعدة يتمُّ توسيعها في اسبانيا ويتمُّ الآن التَّحضير لبناء قاعدة عسكرية في رومانيا كذلك، وفي أوكرانيا حاولت أمريكا تطويق روسيا عسكرياَ عن طريق الدِّرع الصاروخي فيها وهذا ما دعا السَّفير الروسي في لبنان السيِّد "الكسندر زاسبكين” إلى القول بأنَ روسيا لو أرادت تقسيم أوكرانيا لفعلت وهدفها كان فقط استعادة "جزيرة القرم” لأنَّ الشطر الشرقي منها سيكون تحت النفوذ الروسي والغربي تحت سيطرة ونفوذ أمريكا وحلفائهَا, فأهمُّ أقاليم البلاد الشرقية وهي مقاطعة "لوجا منيك”والتي تعتبر مركز الثقل الصناعي في أوكرانيا بأزيد من 70 بالمئة سكانها ينحدرون من أصول روسية، ويتكلَّمون لغتها، وروسيا ليست لها نية في تأجيج الأوضاع في منطقة القوقاز رغم القواعد العسكرية التي تمتلكها في دول "كقرغيزستان "والتي بها مقر الأسطول البحري رقم 338 وقاعدة اتصالات، والتي فيها كذلك منشأة اختبار للصواريخ والطوربيدات وهناك أيضاً في مالدوفيا قاعدة”ترانشي-ستبريا” والتي يتواجد بهَا 1500 جندي، و "قاعدة في طاجاكستان” والتي تحمل رقم 201 وبها أزيد من 7500 جندي، وقواعد عسكرية في "أرمينيا” "كقاعدة بورمي” والتي بها 3000 جندي و 74دبابة، و 148 ناقلة جند و 84 قطعة عسكرية و 18 طائرة ميغ 28 و "قاعدة بريفان "والتي فيها”مقر الفرقة الجوية”رقم 1424 والتي فيها أسراب طائرات ميغ 28 و 24، وبيلاروسيا وبها "قواعد فيليكا-وهاشافيتشي -وبارانوفيتتشي” وهناك "قاعدة غوداوتا” 7 في جورجيا وبها 3500 جندي روسي و”قاعدة في أوسيتيا” و بها 4000 جندي، بالإضافة إلى "قاعدة جمهورية كازاخستان” وبها "قواعد ساري شاجان- ودنبو-وقاعدة بحيرة بخاش للإختبارات العسكرية البحرية”وهناك قاعدة روسية منذ السبعينات أعيد تفعيل دورها وذلك في الفلبيّن، وهي "قاعدة كان رام” وبالتالي فإنَّ هناك توازن استراتيجي في هذه المنطقة من العالم، بين النفوذ الأمريكي والروسي, فالصِّراع حول القوة والسَّيطرة في العالم ليست وليد اللحظة بل هو نتيجة صراع تاريخي طَويل منذ فترة الحرب الباردة واستمر اليوم بطرق وأساليب عدَّة، وهذا يفسر ربَّما قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنناَ نستعد للدخول في مرحلة حرب باردة جديدة في بداية هذا القرن.

كل المُؤشرات والدلائل الملموسة والإستشرافية تُؤكد على أنَ التصعيد بين روسياَ وأمريكا سيستمر ولعقود طويلة لأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية وقادتها السِّياسيين والعسكريين لا يريدونَ أن يفهموا بأنَ اللعبة الدَّولية تغيرت وبـأنَ دول العالم لم تعد تقبل بأحادية القطب الأمريكية، فالعملاق الصيني قد استيقظ ويريد لعب دور محوري و استثمار قدراته العسكرية والاقتصادية لإيجاد مكان له في ظلِّ هذه المنظومة وهو الحليف القوي والعضوي لروسيا رغم تباين وجهات النظر في عدَّة ملفات إقليمية ودولية، وهذا يفسر ربَّماَ القلق الأمريكي المتزايد من نقل التكنولوجيَا وتبادل الخبرات العسكرية والتقنية بين روسيا والصين ودول أخرى كإيران، والهند وهذا ما يفسر ربما لماذا لا تريد أمريكا حتىَّ اليوم تخفيض ميزانية الدفاع المتعلقة بإيقاف الصين وتحييدها عن هذا الصراع.

فالأقطاب العالمية المتعددة، باتت ترى في الوجود الأمريكي في منطقة القوقاز وبحر قزوين وسوريا تحدياَ لها وتهديداَ مباشراَ لمصالحها فأمريكا التي ضغطت على حلف الأطلسي من أجل إدخال بولونيا، وجمهوريات دول البلطيق ضمن نطاق مجاله الحيوي. بالتالي هي قد قامت بخطوة استباقية حسب رأي الخبراء العسكريين والمراقبين وصاغت سياسة عدائية ضدَّ روسيا وهذا ما أغضب "الرئيس بوتين” والذي صرَّح بأنَ روسيا تمتلك من القوة العسكرية ما يكفيها لحماية أمنها القومي والدِّفاع عن مواطنيها في وجه أيّ تهديد خارجي محتمل، وقد حاولت أمريكا عن طريق تركيا تفجير صراع في سوريا للضغط على الوجود الروسي فيها وهذا ما ذكرته "صحيفة الغارديان البريطانية”وذلك بإطلاق صاروخين من تركيا اتجاه سورياَ أسقطتهما منظومة الدفاع الجوي الروسية المنصوبة هناك، فهذه حلقة من حلقات الصراع الدَّائر بينَ أكبر قوتين عسكريتين عظمتين تتقاسمان تَسيير شؤون ملفات عالقة منذ زمن، وربَما إن استمرت حدَّة التوتر وتصاعده خصوصاَ بعد تغييب روسيا وإيران عن حضور "مؤتمر الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية” الذي عقد قبل مدَّة في العاصمة الأمريكية واشنطن والذي كان تحت رعاية الرئيس الأمريكي السَّابق باراك اوباما شخصيًا، فالحرب الباردة قد تتحول إلى حرب نووية ثالثة وهذا ما تنبأَ به "فوكوياما” في كتابه "صدام الحضارات” وبالتالي قد تنفجر الأوضاع وتتأزم أكثر وهذا ما سيهدِّد ليس الأمن الإقليمي لحلفاء البلدين بل هذا ما سيؤدي إلى انهيار منظومة السِّلم والأمن الدوليين برمتها.

فالغرب كلما حاولت روسيَا أن تكون قوية يفعل المستحيل من أجل إضعافها وإعادتها إلى نقطة الصفر فالإستراتيجية الروسية التي تقوم على فرض سيطرتهَا ونفوذها في منطقة بحر قزوين والشرق الأوسط، والكاريزما التي يتمتع بها بوتين والتي ظهرت جليةً في ملفات عدَّة كالملف أوكرانيا والأذري والسُّوري وحتىَّ إبان الخلاف مع تركيا، برهنت للغرب بأنهُ زعيم حديدي ومن الصَّعب جداً على الغرب أن يتجاهل مصالح روسيا وتزايد نفوذها وقوتها على المستوى الدولي, فالصِّراع سَيستمر وسوريا ستكون كبالون اختبار تجريبي لكسر العظم بين روسيا وأمريكا وحلفائهما في المنظور القريب.