القوات الأميركية في سورية: نجاحات تكتيكية ومأزق استراتيجي
حميدي العبدالله
لا شك أنّ القوات الأميركية قد حققت نجاحات ميدانية في مناطق واقعة في محافظة الرقة السورية، تجلت هذه النجاحات باستيلاء وحدات الحماية الكردية على مطار الطبقة العسكري، والضغط على قوات داعش في مدينة الطبقة وفي محيط سدّ الفرات. كما تجلت هذه النجاحات بسيطرة وحدات الحماية الكردية قبل ذلك على قرى واقعة جنوب وشرق مدينة الرقة. لكن هذه النجاحات التي تحققت بفضل المساندة الأميركية الجوية والبرية ممثلةً بالوحدات الخاصة التي أنزلت في الطريق الواصل بين حلب والرقة شرق نهر الفرات لا ترقى إلى مستوى النجاحات الاستراتيجية وهي أقرب إلى النجاحات التكتيكية أكثر منها إلى نجاح استراتيجي. النجاح الاستراتيجي يتمثل في استيلاء القوات الأميركية ومن يساندها على الأرض على مدينة الرقة، لكن هذا الهدف لا تزال تحفه الكثير من المخاطر بفعل ثلاثة أسباب، السبب الأول، وجود قوة كبيرة لداعش داخل مدينة الرقة التي تشكل المعقل الأخير الأهمّ لهذا التنظيم بعد خسارته للموصل، وهو سيدافع بقوة عنه، وبالتالي السيطرة على الرقة دونها معركة طويلة نسبياً وتحتاج إلى أعداد كبيرة من الجنود على الأرض، وهذا غير متيسّر، على الأقلّ حتى الآن للولايات المتحدة، لأنّ الأكراد ليس لديهم العدد الكافي للحفاظ على مناطق سيطرتهم الحالية في ريف الرقة، وعلى تخوم محافظة الحسكة وهي مناطق تمتدّ على مساحات واسعة. السبب الثاني، أنه داخل مدينة الرقة ثمة وجود كبير نسبياً للمدنيين، وبالتالي فإنّ استخدام الطيران الأميركي بقوة على غرار ما جرى ويجري في الموصل، سيقود إلى وقوع أعداد كبيرة من المدنيين، ومن شأن ذلك أن يثير ردود فعل كثيرة وواسعة، وتتحاشى واشنطن هذا الخيار، لا سيما في ظلّ تنبيه روسي، واستعداد موسكو للتنديد بأيّ أعمال تستهدف المدنين. السبب الثالث، أنّ الغالبية العربية لا تريد القتال تحت قيادة الأكراد لطرد داعش من الرقة، لا سيما أنّ الأكراد يدلون بتصريحات بصورة دائمة تتضمّن نيتهم ضمّ الرقة، إلى «المناطق الفيدرالية» وهذا يحرج واشنطن ويدفعها لأن تصدر توضيحات على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية يعلن فيها معارضته للموقف الكردي، ويقول فيها أن هذه مسألة يقررها السوريين مجتمعين، أضف إلى ذلك، عادت أنقرة من جديد إلى تحذير الولايات المتحدة من مغبّة استمرار تعاونها مع أكراد سورية، ومن شأن المعارضة القوية لتركيا لاعتماد الولايات المتحدة على طرد داعش من الرقة على الأكراد أن يثير مشاكل مع أكبر دولة في المنطقة حليفة للولايات المتحدة.
ما تقدّم يشكل مأزقاً استراتيجياً للولايات المتحدة في سورية، يضاف إلى مأزقها المتأتي من تلاشي ما يسمّى بالمعارضة المعتدلة أمام إصرار هيئة تحرير الشام على تصفية هذه المعارضة.