اميركا المضطربة تفتقد صوابية القرار
باتت الانظار متجهة بقوة صوب موسكو لترى ماذا سيتمخض عن زيارة وزير الخارجية الاميركي تيلرسون الحالية لموسكو والتي تعتبر الاولى له لروسيا بعد تسلمه لمقاليد الدبلوماسية الاميركية وهي بالتاكيد تأتي في ظروف حرجة والاسوأ في تاريخ العلاقات الروسية ـ الاميركية منذ ثلاثة عقود لذلك ليس من السهولة ان نتوقع الشيء الكثير من هذه المفاوضات وفقا لرؤية البلدين المتباينة والمتباعدة حول الازمة السورية والضربة الصاروخية الاميركية الاخيرة لسوريا والتي وصفها لافروف لدى اجتماعه بالامس بنظيريه الاميركي تيلرسون بانها "مناهضة للقانون" ومحذرا اياه من تكرار مثل هذه الضربات ومحذرا اياه من تكرار مثل هذه الضربات اضافة الى انه ذكره بالتصريحات الاميركية "الغامضة والمبهمة التي تثير الكثير من التساؤلات ولابد من اجراء حوار صريح وبناء ".
ومما لا شك فيه ان التحرك الاميركي صوب موسكو لم يات من موقع القوة التي تحاول اميركا تصويرها بعد الضربة الصاروخية لقاعدة الشعيرات والتي اوقعتها في مأزق وجعلتها في الموقف الاضعف لتشعر بان عليها محاورة الروس التي لا يمكن الاستغناء عنها خاصة بعد ان هزمت اميركا في المنطقة في عهد الرئيس اوباما والذي يحاول الرئيس ترامب عبثا العودة اليها من خلال استعراض العضلات متناسيا ان قطار محور المقاومة قطع شوطا كبيرا على سكة الانتصار على داعش اليد الضاربة له ومهما فعل ترامب فانه اعجز من ان يعود بعقارب الساعة الى الوراء.
ان الهدف الاساس من كل هذه التحركات الاميركية المريبة والتي قد تضحي بكل مصالحها في المنطقة هو تأمين الحماية للكيان الصهيوني الذي بات في مهب الريح لان شجرة محور المقاومة اصبحت باسقة واصلب عودا.
وعلى اية حال فان الادارة الاميركية الحالية التي تصرفت خارج الارادة الدولية وقانونها بارتكاب عدوان سافر وغير مبرر على سوريا تحاول اليوم عبر تقديم مشروع قرار لمجلس الامن الدولي بالتنسيق مع لندن وباريس حول حادثة خان شيخون ايجاد مخرج لازمتها الا انها ستصطدم بالفيتو الروسي الذي توعدت به لتفويت الفرصة على واشنطن.
والامر الاخر الذي يضايق الادارة الاميركية ويمنعها من المناورة هو الموقف الحاسم للبيان الذي صدر من غرفة العمليات المشتركة التي تضم كلا من روسيا وايران وسوريا وحزب الله بان اميركا بعدوانها على سوريا قد "تجاوزت الخطوط الحمراء" واذا ما تكرر ذلك سنواجهها بقوة "مهما بلغ ما بلغ" وهذا يعني الاستعداد والجهوزية الكاملة وبدون تحفظ لمواجهة التهديدات المحتملة القادمة ومن المستبعد جدا ان تغامر الولايات المتحدة الاميركية ثانية على الاقدام عليها لتشعل حربا عالمية ثالثة وهي ليست في موقع القوة والظرف التي تتحمل كوارثها صحيح ان الجمهوريين انفسهم يحكمون الآن في واشنطن لكن اميركا ليست كما كانت عشية غزوها لافغانستان والعراق وبالتالي ان سوريا بما تتمتع به قوة ذاتية ومن مناصرة جدية من حلفائها هي ليست العراق اوغيره حتى تتلاعب بمقدراتها.
لكن ما صدر في الايام الاخيرة من مواقف متناقضة ومتقلبة ومتباينة جدا حول الموقف من سوريا ورئيسها بدءا من الرئيس الاميركي ووزير خارجيته وممثليته في الامم المتحدة كانت فضيحة مدوية لهم وكانت اشبه بتقلبات المناخ خلال 24 ساعة وهذا ما يفقدها مصداقيتها واعتبارها في الوسط الدولي لكن المؤكد انه نابع من شدة الاضطراب والاختلال الذي تعاني منه الادارة الاميركية نتيجة للضغوط الكثيرة التي تواجهها من الكيان الصهيوني والذيول في المنطقة الذين باتوا يتحركون في دائرة الهزيمة النهائية.
واخيرا دعوة موسكو لظريف والمعلم للتشاور والتنسيق خلال الايام القادمة تؤكد بما لا يقبل الشك ان المنطقة امام منعطف تاريخي كبير وان اميركا غير جديرة بالوثوق بمواقفها وعهودها ولابد من مواجهة الصلف والعنجهية الاميركية بقوة وحسم عبر اتخاذ قرار تاريخي ومصيري تضع المنطقة في مسارها الصحيح بعيدا عن الهيمنة ومصادرة قرار الشعوب التي هي من حقها الطبيعي ان تقرر مصيرها بنفسها وتختار من يقودها.