هكذا تصدت الدفاعات الجوية السورية للتوماهوك الذي استهدف مطار الشعيرات
من وجهة نظر عسكرية، الضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية شرق حمص ضربة محدودة الأهداف العسكرية بشكل واضح، وأهدافها سياسية بحتة موجهة للداخل الأميركي، فالمطار مازال يعمل بشكل فعال، والأضرار الناتجة عن الضربة أقل بكثير مما كان يتوقع أكثر المتفائلين.
بعد انقشاع غبار الضربة الصاروخية التي نفذتها مدمرتا الصواريخ الموجهة "يو أس أس روس" و"يو أس أس بورتر" على قاعدة الشعيرات الجوية شرقي حمص فجر يوم 7 نيسان/أبريل الجاري، ظهر لكل المتابعين للميدان السوري مفاجآت جديدة تغير كثيراً من الإنطباعات المتسرعة والمبالغة في تقدير قوة وخطورة الخطوة الأميركية.
المفاجأة الأولى كانت في نتائج الضربة الصاروخية، والتي تم تنفيذها بصواريخ "توماهوك" الجوالة، وزارة الدفاع الأميركية أعلنت عن إطلاق 59 صاروخاً يحتوي الصاروخ الواحد منها على نحو 450 كلغ من المواد المتفجرة في رأسه الحربي، وعدد كبير من الصواريخ المطلقة كانت تحتوي على رؤوس حربية عنقودية.
هذا العدد من الصواريخ يجعلنا نتوقع تدميراً شاملاً للمطار وإخراجاً كاملاً له ولطائراته من الخدمة، لكن كان الواقع مخالفاً تماماً لهذا التوقع، فلم يصل هذا العدد من الصواريخ بشكل كامل إلى أهدافه، ولم يتم إخراج المطار من الخدمة.
ما وصل إلى المطار بشكل فعلي هو 23 صاروخاً فقط، بالإضافة إلى 3 صواريخ أصابت القرى الواقعة شرق المطار ومنها قرية فراقلس، الجهة الشرقية للقاعدة الجوية كانت الأكثر تعرضاً للصواريخ، حيث أصابها نحو 15 صاروخاً استهدفت الملاجئ المحصنة للطائرات جنوب شرق المطار، ومخازن ذخيرة في الشمال الغربي، ومحطة التزويد بالوقود ومحطة الصيانة وكتيبة الرادار شمال المطار، كما وصل بعض الصواريخ إلى الملاجئ الموجودة غرب المطار وأصاب إحداها جانب مدرج الإقلاع الرئيس.
تقييم الأضرار الناتجة عن الغارة يشير إلى أن الملاجئ التي تمت إصابتها من إجمالي 24 ملجأ محصناً بالمطار هي 10 ملاجئ، منها 6 لم يكن بها أية طائرة، ونتج عن الضربات تدمير 9 طائرات ميغ 23 وسوخوى 22، منها 6 طائرات في الخدمة الفعلية.
ظل في المطار 5 قاذفات سوخوى 22 وميغ 23 عاملة، نفذت 3 منها طلعات من المطار بعد عدة ساعات من الغارة انطلاقاً من المطار.
تعرضت كتيبة الرادار الملحقة بالمطار لأضرار كبيرة ولم يتعرض المدرج الفرعي للمطار لأي أضرار، وكانت الأضرار التي ألحقتها الضربة بالمدرج الرئيسي طفيفة جداً، ما سمح باستئناف الطلعات من خلاله بعد ساعات.
على المقياس السابق نستطيع أن نستخلص أن الضربة الصاروخية لم تتمكن من إخراج المطار من الخدمة، أو تحقيق خسائر جسيمة في صفوف ومعدات الجيش السوري.
المفاجأة الثانية كانت في أداء صواريخ التوماهوك أثناء الضربة، نسبة الصواريخ التي وصلت إلى المطار من إجمالي ما تم إطلاقه كانت مؤشراً واضحاً على أن الدفاع الجوي السوري تصدى بشكل فعال للصواريخ أثناء تحليقها باستخدام منظومتي "بوك أم" و "بانتسير" المضادتين للطائرات اللتين تمتلكان قدرات مميزة على التصدي للصواريخ الجوالة.
عمليات التصدي للتوماهوك أدت إلى سقوط عدد من الصواريخ في مناطق قرب مدينة طرطوس مثل قرية كرتو، وقد ظهرت صور لخزانات الوقود الداخلية الخاصة بالتوماهوك ضمن الحطام الذي سقط، بجانب مناطق أخرى في شرق حمص، منها منطقة "الحمرات"، وهذا يؤكد فرضية تفعيل الدفاع الجوي السوري الذي حقق نسبة إسقاط كبيرة تعد إنجازاً للدفاع الجوي السوري، لكن في نفس الوقت لا بد من استخلاص عبرة كبيرة من هذه الضربة وهي على المستوى العسكري "تطبيق مثالي لمبدأ الإغراق الصاروخي"، ربما السبب الأكثر منطقية للعدد الكبير من الصواريخ التي تم استخدامها هو يقين الولايات المتحدة أنه سيتم إسقاط عدد كبير منها أثناء التحليق.
حتى الصواريخ التي وصلت إلى المطار وأصابت الملاجئ المحصنة نجح عدد محدود منها في اختراق بدنها، وفشل عدد كبير منها من تحقيق اختراق إلى داخل الملاجئ، وبعضها أصاب ممرات الدخول بدلاً من الملاجئ نفسها.
إذن من وجهة نظر عسكرية، الضربة الصاروخية الأميركية ضربة محدودة الأهداف العسكرية بشكل واضح، وأهدافها سياسية بحتة موجهة للداخل الأميركي، فالرئيس الأميركي يواجه ضغوطاً سياسية كبيرة من الداخل والخارج بفعل التضليل الإعلامي الكبير حول ملف خان شيخون، وبالتالي هذه الضربة تمثل مخرجاً له من هذه الضغوط.
مطار الشعيرات مازال يعمل بشكل فعال، والأضرار الناتجة عن الضربة أقل بكثير مما كان يتوقع أكثر المتفائلين.
هذه الضربة المحدودة ستستفيد منها سوريا أضعاف خسائرها منها، فروسيا أعلنت بشكل واضح عن نيتها تدعيم الدفاع الجوي السوري وربما يعني هذا إكمال توريد مكونات صفقة صواريخ الدفاع الجوي "أس-300" إلى سوريا والتي كان قد تم تجميدها سابقاً، وربما تتجاوز روسيا هذا الحد إلى تزويد سوريا بطائرات مقاتلة سواء من المخزون الروسي أو من الإنتاج الجديد.
بالنسبة لسوريا الوضع الميداني لم يتغير، لكن بالنسبة لروسيا التفكير الحالي هو في إجراءات تستهدف قطع الطريق على أي محاولات تصعيدية جديدة من قبل الولايات المتحدة التي مازالت الضغوط مستمرة عليها من دول إقليمية لمزيد من التحركات العسكرية ضد الحكومة السورية، الضغوط الداخلية في واشنطن مستمرة أيضاً وآخرها من الكونجرس الذي قام بتفويض الرئيس الأميركي لتزويد قوات المعارضة المسلحة بقواذف كتفية مضادة للطائرات.
وزارة الدفاع الروسية أبلغت البنتاغون أنه تم رسمياً تعليق خط الإتصال الساخن حول سوريا بداية من اليوم، وبالتالي مستقبل الميدان في سوريا بات رهناً أولاً بقدرة الجيش السوري على الاستمرار في التقدم الميداني ومواجهة المحاور الهجومية التي يتم فتحها من قبل المجموعات المسلحة، وثانياً بقدرة روسيا والولايات المتحدة على إيقاف المحاولات الإقليمية لإدخال الملف السوري في دوامة جديدة من خلط الأوراق.