ذتفاعلات بركانية تبحث عن فوهة
إيهاب شوقي
لا امنية لحاكم مستبد فاسد او نظام احتلال او انظمة للهيمنة العالمية افضل من ان يكتفي المعارضون بالتشخيص والفضح واقامة الحجج وعقد المقارنات وابتكار المقاربات والتحذير من التداعيات والافتخار بتحقق النبوءات والتوقعات ووو...دون عمل على الارض يهز عروش الطغيان او الاحتلال او يهدد مصالح الهيمنة العالمية ومنظوماتها.
فالقاعدة عند هؤلاء.."انت حر مالم تضر"..والضرر هنا هو تقديم البدائل والاشارة اليها محددة عبر تنظيم او مشخصة عبر زعيم والاخطر هو السعي لتمكين البدائل او خلخلة قواعد الطغيان، بخطوات وافعال على الارض مما يقض مضجع الطغاة ويستنفرهم ويخرج اشرس ما فيهم.
وهناك انظمة من الهشاشة كمشيخات الخليج الفارسي على سبيل المثال، تقض مضاجعها كلمة نقد او اعتراض، فيعتبر مثل هذا خط احمر وتجاوز خطير يرقى لدرجة الفعل القالب لنظام الحكم!
وقد تمر بالامم بعض من الظروف الموضوعية للثورات ولكنها تفتقد الظروف الذاتية الممثلة في التنظيم القادر على البلورة والقيادة.
الا انه وبعد ما اطلق عليه امريكيا "الربيع العربي"، فإن الثورات فقدت الكثير من قوتها الدافعة، اما بفعل ظرفها الذاتي المشوه والمرتبك والمخترق، واما بفعل الثورات الملونة المعدة سلفا، مما افقد الثورات مصداقيتها ونزع منها التأييد والزخم الشعبي، كما ان تراكم الاحباطات نتيجة الفشل ترك جرحا شعبيا غائرا يصب في خانة انعدام الجدوى بل وان النتائج ستكون وخيمة وبالتالي عدمها افضل من القيام بها!
هنا تستبعد الثورات كبديل للتغيير لا عن ارادة بل عن عجز ولتعقيدات متعلقة بما سبق ذكره ولو بشكل مؤقت مما يفتح الباب لآليات اخرى غير مضمونة العواقب وغامضة التصنيف الا ان المتفق عليه انها بالغة العنف والخطورة.
كذلك الحال للكيان الصهيوني والذي نجح بمعاونة الرجعية العربية في حرف بوصلة الصراع وتأجيج العصبيات والطائفية، بما جعل عنوان الصراع داخلي وسمح بقفز التناقضات الثانوية على التناقض الرئيسي بل والصراع الوجودي!
ويتغافل كثيرون بمن فيهم من يتصدون للرأي والتحليل و من يعرفون انفسهم بـ "الخبراء الاستراتيجيون"، عن ارتباط الاستبداد والرجعية بالصهيونية، وانهما مكملان ومغذيان لبعضهما البعض، وان مشروعهما واحد، بدليل اعتماد الكيان على المستبدين والرجعيين، وبدليل احتماء هؤلاء بالصهاينة.ٍ
ولعل نعوم تشومسكي في كتابه الدول المارقة..حكم القوة في الشؤون الدولية، قد اوضح مفهوم المارق امريكيا والتغاضي عن المارقين المرضي عنهم امريكيا وصهيونيا.
يقول العلماء انه وعلى بعد عدة كيلومترات تحت قشرة الارض، تبلُغ درجة الحرارة ارقاماً قادرة على غلي الماء.
و إذا حفرنا نحو 50 كليومتراً داخل الارض، فإن الحرارة تزيد حينها عن 1200 درجة مئوية، و هي درجة حرارة كافية لصهر الصخور تماماً، كما تبلغ الحرارة في باطن الكرة الارضية نحو 5530 درجة مئوية.
و عندما تنصهر الصخور بفعل درجات الحرارة هذه، فإنها تتمدد و تصبح بحاجة لمساحة محيطة أكبر، وعندما لا تجد الصخور المصهورة مساحةً فإن الضغط لأعلى يُصبح هائلاً لدرجة أن المصاهير هذه تنفجر خارج القشرة الارضية مما يولد ما نعرفه بالبراكين.
والفوهة البركانية هي الفتحة العليا في البركان التي تخرج منها الغازات والحمم البركانية.
ويوجد للبركان أكثر من فوهة، الفوهة الرئيسية وفوهات أخرى ثانوية أيضاً.
كما يوجد عنق للبركان أو مدخنة، وهي التى تصل ما بين الفوهة العلوية وبين باطن الأرض لكى تنطلق المواد المنصهرة الملتهبة من خلاله، وكما يوجد للبركان أكثر من فوهة فنفس الشىء بالنسبة لمدخنته فتوجد مدخنة رئيسية ومداخن ثانوية تنبعث منها مواد الانفجارات البركانية من قاع الأرض.
تماما هذا هو حال السياسة والمجتمعات الانسانية، فان عدم الانفجار ليس دليلا على عدم التفاعلات والتمددات الناتجة عن الغليان والانصهار، سواء للشعوب تحت نير انظمتها، او نظم احتلالها، او حتى تحت نير النظام الدولي ككل.
وعن إمكانية التنبؤ بالنشاط البركاني، فإن العلماء دائماً في حالة تريث عند التنبؤ بميعاد حدوث بركان، وكل ما يمكن قوله أنه توجد بعض الشواهد التي يُستدل من خلالها عن إمكانية حدوث بركان .. ومن بين هذه الشواهد:
- حدوث زلزال في المنطقة التي ستشهد البركان، وهذا الزلزال قد يسبق البركان بساعات أو بسنين.
ونظن ان الزلزال قد حدث، فيما يعرف بالربيع العربي المختلط، بين ما هو حقيقي وما هو مفتعل ملون، الا ان الثابت ان الشعوب وغليانها وتراكم احباطاتها انذرت وافصحت عن مداخنها البركانية واقتراب اختراقها للقشرة ملقية بحممها.
اللافت ان الانصهارات والتفاعلات والمداخن البركانية لا تقتصر على الشعوب ولا على اصحاب المبادئ، فهناك مداخن ثانوية مشكلة من المرتزقة والتكفيريين، وقد احسوا بذاتهم ويريدون اقتناص فرصهم التاريخية بالهيمنة، وتفاعلاتهم لا تخفى، وهناك عصابات السماسرة واغنياء الحروب والذين ايضا يغتنمون الفرص التاريخية واصبحوا اصحاب سطوة وسيطرة على انظمة الحكم مما يجعل تحديهم مجازفة ويجعل لهم رقما في حسابات التوازنات.
وبالمثل في قضايا الاحتلال، هناك تفاعلات بركانية مزايدة على نظم الاحتلال عبر متطرفيها ومواطنيها الجدد قادرة على توريط كيانات الاحتلال، وهناك ايضا ارتدادات ارهابية كفيلة بالتهديد، ناهيك عن حجم الغضب الكامن والمتراكم من قبل المستضعفين الواقعين تحت الاحتلال.
كل هذه التفاعلات تبحث عن فوهة، وقد يحدث الانفجار من فوهات فرعية على غير ما يتوقع المستبدون والمحتلون والذين يركزون كل اهتمامهم وخططهم على تبريد المدخنة الرئيسية ترهيبا وترغيبا!
فقد يحدث في بلد يعاني من الاستبداد انفجار غير ثوري وربما لحادث عرضي، وقد يحدث انتشار للفوضى والجريمة لتنكشف هشاشة النظام في برهة من الزمن.
وقد يحدث للاحتلال هزيمة معنوية بفعل المقاومة وصمودها ما يفجر تناقضات المحتل الداخلية ويعرضه للتآكل الذاتي التدريجي ويدخله في دائرة توازنات دولية يصبح فيها عبئا على داعميه.
والباعث على الامل هنا، برغم انفجار الحمم وقسوة المشاهد المتوقعه يحدثنا عنه العلم ايضا حيث يقول، ان البراكين تتحكم في تشكيل سطح الأرض، فبعد أن تهدأ ثورة البركان وتتراكم المواد التي خرجت من باطن الأرض معه نجد تكون الجبال والهضاب بل وأن فوهتها تتكون فيها البحيرات التي تمتلئ بمياه الأمطار عند هطولها.
كما أن التربة التي تشهد انفجار بركاني تكون من أكثر أنواع التربة خصوبة لأن البراكين غنية بالمعادن من البوتاسيوم والحديد والكبريت اللازمة لنمو النباتات، ولذا تجود عليها زراعة مختلف أنواع النباتات والفاكهة.
والغازات المنبعثة من النشاط البركاني تستخدم في توليد الطاقة.
وبالتالي فان ما نأمله برغم المخاطر المتوقعة وحجم التضحيات المقدمة، ان التربة ستكون خصبة والدروس التاريخية ستكون واضحة ومعتبرة لدى الغالبية، حيث هناك دوما وعلى طول التاريخ من لا يعتبرون حتى بالحاضر لا بالماضي فقط.
نعم نحن امام مفصل تاريخي، قدر المقاومين فيه الثبات وتحمل الضغط المركز على نقطة الكسر، حماية لأمة كاملة من الانكسار.
على عكس المأمول وعلى عكس فضيلة التفاؤل، نتوقع مزيدا من التصعيد، ومزيدا من التضحيات، الا ان هذه التضحيات ستكون معجلا للانفجار البركاني والذي ستتمخض منه ارهاصات النهضة الجديدة لامة عصية على الانكسار.