من يلتزم فعلا باتفاق الطائف ؟
غالب قنديل
بعد مخاض تشكيل الحكومة وولادتها بدأت المعركة الفعلية المؤجلة لتحديث الحياة السياسية والنظام السياسي في لبنان وهو تأجيل متواصل منذ العام 1943 اختصرته عبارة العلة الطائفية في الميثاق الأول ثم احتوته عبارة إلغاء الطائفية السياسية التي نص الميثاق الثاني على تأليف هيئة عليا للإشراف على السير لتحقيقها برئاسة رئيس الجمهورية وظلت معلقة دون تنفيذ بفعل فاعلين.
النظام السياسي القائم تحجر من زمن بعيد وتكرست قوانينه الانتخابية لإعادة إنتاج صيغة الحكم الطائفي بكل ما فيها من مخاطر تجديد الانقسام والتناحر وسيطرة العصبيات الطائفية المذهبية وتحولها إلى خطوط تماس باردة وساخنة مفتوحة على انعكاس المعادلات الدولية والإقليمية في داخل غير مستقر ومتهيء دائما لملاقاة التدخلات الخارجية التي تلاحقت في العقود الماضية.
تحدثت صيغة الطائف عن النسبية ووردت فيها إشارة إلى نظام المجلسين كصيغة دستورية للتمثيل وهي وصفة حضارية متقدمة اتبعتها دول كثيرة قبل اكثر من مئتي سنة في المساكنة بين صيغ التمثيل الطائفية والدينية والعرقية والجهوية وصيغة التمثيل المواطنية المدنية من خارج الولاءات السابقة للدولة الحديثة.
كل تلك البنود في اتفاق الطائف ظلت معلقة لأن القوى المهيمنة سياسيا باسم الطوائف والعصبيات اكتشفت خصمها الفعلي وهو النظام النسبي الذي يتيح لجميع منافسي الزعامات التي تحتكر تمثيل الطوائف ان يتمثلوا في البرلمان وهو ما سيطلق مباراة جدية بين البرامج والمشاريع في قلب كل طائفة ويقيم الفرز السياسي الطبيعي على أساس المشاريع والتوجهات الفعلية والمواقف من القضائيا التي تهم الناس .
شكل شعار الانقلاب على الطائف تهمة دائمة يوجهها تيار المستقبل والمتناغمون معه إلى قوى وأطراف كثيرة يتقدمها التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل وسائر القوى الوطنية والعلمانية امام كل مطلب إصلاحي جرى تحريكه خلال السنوات الماضية وجاء انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية تتويجا لتوازنات داخلية وإقليمية في حصيلة سنوات الاشتباك التي ثبت خلالها ان هذا الفريق هو من يتمسك بصيغة الطائف ويسعى لتجسيدها من خلال المثابرة على المطالبة بتطوير قانون الانتخابات وتجاوز النظام الأكثري البائس الذي تتخلى عنه معظم دول العالم المتحضرة وهو أداة الهيمنة على الطوائف وتكريس العصبيات وتعزيزها على قاعدة احتكار سياسي خانق يحول دون فتح البواب امام رياح التغيير فتتعفن الطوائف على داخلها السياسي كالمستنقع الآسن .
تسعى بعض الزعامات المتضررة من النسبية اليوم إلى استنفار الطوائف بالكلام عن خطر وجودي من النسبية وهو خطر يتهدد عمليا احتكارها ومصالحها وكالعادة فقد برعت قوى النظام اللبناني في هذه اللعبة من زمن بعيد أي إلباس الخطر على مصالح سياسية محددة لجهات سياسية محددة ثوب تهديد الطوائف لحشد الناس في معسكرات المساندة والتأييد وخوض المعارك بواسطتهم لمنع تغيير هو في الواقع لمصلحتهم القريبة والبعيدة التي لا يدركونها بفعل العمى الطائفي وعصبياته وفي ظل جبن القوى العلمانية المنادية بالتغيير والغارقة في متاهة التأمل الثقافي والحسرة لما تذهب إليه الحياة السياسية والفكرية من تصحر وعقم كبيرين .
النسبية لاتهدد أي طائفة وضمن أي دائرة انتخابية صغيرة ام كبيرة (لو نجح المعترضون في منع الدائرة الواحدة ) سيبلور الاقتراع النسبي صورة تمثيلية متعددة لواقع سياسي متعدد داخل الطوائف المناطق ومن يخشاها هم المتمتعون بمزايا احتكار التمثيل الطائفي وما يتيحه لهم من امتيازات ومغانم يضعون عليها ختم طوائفهم ويصرفونها لمصالحهم .معسكر النسبية يضم قوى فاعلة ورئيسية في البلاد يتقدمها فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس نبيه بري ومعهما طيف واسع من القوى والأحزاب السياسية الوطنية في طليعتها المقاومة وينبغي عدم التهاون في خوض المعركة التي ما تزال أهدافها دون مستوى نصوص الطائف وبالتالي ينبغي مواجهة المعترضين والمعرقلين بالعودة إلى احكام الطائف التي تذرعوا بها مرارا لاعتراض طريق انتخاب الرئيس ميشال عون ولعرقلة مشاريع الرئيس نبيه بري المتلاحقة لتطوير قانون الانتخاب فالنسبية هي الحد الأدنى من وصفة الطائف ولا يجوز التراجع هذه المرة فالقانون الانتخابي سيكون اهم توقيع للعهد على مستقبل الحياة السياسية والوطنية ولا تجوز المسايرة في هذا المجال.