حينما تتعدد جبهات مواجهة الارهاب في العراق
ـ عادل الجبوري
في الوقت الذي كانت المعارك مع تنظيم داعش الارهابي على تخوم محافظة نينوى محتدمة من كل الجهات، احتضنت العاصمة العراقية بغداد واحدة من اهم وابرز الفعاليات السياسية على الصعيدين الاقليمي والدولي، الا وهو المؤتمر التاسع للمجمع العالمي للصحوة الاسلامية، بحضور واسع ومتنوع، مذهبيا وجغرافيا وحتى سياسيا.
وسواء كان ذلك التزامن بين معارك تحرير نينوى (الموصل) وانعقاد المؤتمر عفويا او مقصودا ومخططا له، فأنه اطلق رسالة قوية وبليغة في معانيها ودلالاتها، جاءت لتعطي زخما كبيرا لوقائع الميدان وتفاعلاته الساخنة.
في الاطار العام، وفي خضم الانشغال السياسي والعسكري والاعلامي الكبير بمعارك التحرير، لم يكن لفعالية سياسية من هذا القبيل ان تحظى بالاهتمام الكافي، لاسيما وانه كان يمكن ان تنعقد في طهران او اية عاصمة اسلامية اخرى، لاتعيش ذات الانشغالات والهموم والتحديات التي تعيشها بغداد.
وبالفعل، قيل ان نقاشا وجدلا غير قليل شهدته بعض الكواليس والاروقة السياسية بين عدد من اصحاب القرار والمعنيين بالامور، حول جدوى تشتيت الانتباه وتبديد الجهد على فعالية، قد لا تمثل شيئا مقابل ما مطلوب تحقيقه من انتصارات في الميدان.
الصحوة الاسلامية في العراق
وقيل ان نفس المعترضين والمتحفظين في البداية، كانوا في قمة الارتياح، وهم يتلمسون النتائج الايجابية والطيبة للمؤتمر، وفي مقدمتها ذلك التفاعل الكبير من قبل ممثلي كل الدول المشاركة-التي تجاوزعددها خمس وعشرين دولة-مع العراق في حربه ضد داعش.
وطبيعي انه حينما يكرس الجزء الاكبر من اطروحات وافكار المؤتمر لاظهار الدعم والاسناد للعراق في حربه ضد الارهاب، وبحث ودراسة السبل الكفيلة لتوحيد جهود المسلمين لمواجهة الارهاب التكفيري بكل مظاهره واساليبه وسلوكياته السلبية والسيئة والاجرامية، فهذا يعني ان هناك جبهة فكرية-سياسية واسعة وعريضة تتجاوز حدود الجغرافيا العراقية، تساند الجبهة العسكرية وتعزز مواقفها وتكرس انتصاراتها.
وربما لم يكن اغلب المشاركين في المؤتمر التاسع للصحوة الاسلامية في بغداد يمتلكون صورة واضحة عن حقيقة وطبيعة ما يجري، وحجم المخاطر والتحديات التي يواجهها العراق ومعه العالم الاسلامي جراء وجود تنظيم داعش الارهابي، بيد ان ما سمعوه وما شاهدوه ساهم في توضيح معالم وملامح الصورة الحقيقية، بعيدا عما يقال في عدد لايستهان به من وسائل الاعلام والمنابر السياسية والمحافل الفكرية والثقافية في العالمين العربي والاسلامي.
والملفت ان اغلب المشاركين ينتمون الى الفضاء السني، المعبأ من قبل الاطراف الداعمة للتوجهات التكفيرية المتطرفة، بمفاهيم وافكار ونظريات منحرفة ومشوهة لاتمت الى الواقع بصلة، لذلك فأنهم توقفوا طويلا بين ما يحملونه من انطباعات وتصورات غير دقيقة، وبين اجواء ومناخات المؤتمر، وكذلك اجواء ومناخات التوجهات السياسية العراقية المعتدلة والمتوازنة لدى مختلف عناوين المشهد السياسي في العراق، رغم اختلاف توجهاتها ومشاريعها وبرامجها السياسية، وتعدد انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية.
الى جانب ذلك، فأن الاهتمام الاعلامي الواسع بالمؤتمر، سواء كفعالية سياسية، هي نتاج ولادة مشروع المجمع العالمي للصحوة الاسلامية قبل خمسة او ستة اعوام في العاصمة الايرانية طهران، وما تخلله من حراك طيلة تلك الاعوام، كان لايران دور فاعل ومحوري ومهم فيه، علما ان العراق لم يكن- من خلال عدد من رموزه الدينية والسياسية- بعيدا عنه، او ارتباطا بما شهده من نقاشات تمحورت في مجملها حول سبل تعزيز وحدة المسلمين، والاتفاق والتفاهم على الاولويات الملحة، لاسيما المتعلقة منها بتقليص مساحات الخلاف، وتجسير الهوة بين ابناء الدين الواحد.
فضلا عن ذلك فأن المؤتمر اطلق من بغداد رسائل مهمة وعميقة، تضمنها البيان الختامي للمؤتمر بفقراته الثمان، ربما ما كان له ان يطلقها من عاصمة اخرى في ظل هذه الظروف.
وتبقى الرسالة الاكثر عمقا واهمية ومضمونا هي ان العراق بات يشكل محور المواجهتين العسكرية والفكرية معا للارهاب التكفيري بمختلف عناوينه واشكاله وصوره، وبشتى ادواته ومصادر تمويله واسناده.