غدر الناس منع الامام السجاد من مواكبة ثورات زمانه
جميل ظاهري
الكثير لا يزال حتى يومنا هذا خاصة ممن يدعي انه من اتباع أهل بيت النبوة والامامة، يأخذ على الامام على بن الحسين بن على أمير المؤمنين عليهم السلام عدم إستغلال الأوضاع السياسية التي عصفت على سلطة بني أمية بعد فاجعة عاشوراء الدامية بكربلاء واستشهاد والده الامام الحسين عليه السلام والعشرات من أبنائه وأهل بيته وانصاره في أرض الطف بنينوى وبذلك الوضع المأساوي الوحشي البربري الهمجي الذي لطالما أخذنا نشاهد البعض مما دار في ظهر العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة في عصرنا الحالي على يد أحفاد وأنصار وأتباع يزيد الفاجر الفاسق شارب الخمر مداعب القردة الخارج على الدين والملة، في بلاد الشام والعراق واليمن والبحرين وغيرها من بلاد المسلمين .
يروي المؤرخون أنه بعد دخول سبايا أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام الى مجلس أبن زياد حفيد صاحبة الراية الحمراء، في الكوفة حدث تغير على الحضور والكل أخذ يبكي وينحب أبن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما جرى عليه وعلى أهل بيته وانصاره بأرض كرب وبلاء وقبل يومين وهم يهتفون مطالبين الامام السجاد عليه السلام بقيادتهم لإسقاط الحكم الأموي والإنتقام لدم سيد الأحرار وشهدائه الأبرار لكن الحقيقة الكامنة في قلوبهم تقول غير ذلك كما قالها الفرزدق قلوبهم معك وسيوفهم مع بني امية!.. قَالَ الْفَرَزْدَقُ: لَقِيَنِي الْحُسَيْنُ (عليه السَّلام) فِي مُنْصَرَفِي مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: "مَا وَرَاكَ يَا بَا فِرَاسٍ"؟، قُلْتُ: أَصْدُقُكَ؟، قَالَ: "الصِّدْقَ أُرِيدُ"، قُلْتُ: أَمَّا الْقُلُوبُ فَمَعَكَ، وَ أَمَّا السُّيُوفُ فَمَعَ بَنِي أُمَيَّةَ، وَ النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، قَالَ: "مَا أَرَاكَ إِلَّا صَدَقْتَ، النَّاسُ عَبِيدُ الْمَالِ، وَ الدِّينُ لَغْوٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ بِهِ مَعَايِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا لِلِابْتِلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُون" - بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ع: 44/195) .
الامام على بن الحسين عليهما السلام كان واقفاً على نوايا أهل الكوفة وحشود المجتمعين المنادي له بقيادة ثورتهم وهم يهتفون بأجمعهم كذباً وزوراً وبهتاناً صارخين بالقول: نحن كلنا سامعون، ومطيعون، حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرنا يرحمك الله فإنَّا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا؛ فأجابهم الامام (ع) قائلا: "هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا الى كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟! كلا! فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيتي معه، ولم ينسني ثكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثكل أبي وبني أبي، وجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري ومسألتي أن لا يكونوا لنا ولا علينا" .
ثم يضيف الامام زين العابدين (ع) بكلمات حارقة مدمية موجعة تحمل بين طياتها المرارة والألم الشديد في كل قطعة من جسده، والغصة ما برحت باقية في حلقه حزناً وكمداً ومرارة من تجربة دعوة أهل العراق لوالده لنصرته ثم خذلوه بتلك الطريقة الشنيعة؛ جعلته يتخذ موقفاً حاسماً لا مهادنة فيه بأن لا يكرر التجربة التي مرت على آبائه وأهل بيته يرفض الاستجابة لمن يدعوه القيام بالثورة على الحكم الأموي دون أن يطمئن لأسباب الانتصار، ليخاطبهم بالقول: "ولم ينسني ثكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثكل أبي وبني أبي، وجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش صدري" .
كيف للامام على بن الحسين (ع) أن يصدق القوم الذين خذلوا والده وعمه وجده من قبل أن تسيطر بني أمية الطلقاء على مقابض الحكم ومكامن القوة بالشكل الذي عاصره حيث كان الملوك الأمويون وولاتهم في عصره في أوج قوتهم في ملكهم ويشهد التاريخ بأنهم أشد الناس قسوة وانحرافاً عن الإسلام حيث وصل بهم الأمر إلى رمي الكعبة بالمجانيق وسبي المدينة وقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وملوك عصره هم: يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك. وولاة عصره هم: الحجاج بن يوسف الثقفي وعبيد الله بن زياد وهشام بن إسماعيل والي المدينة.
اليوم الصورة تتكرر في عالمنا الاسلامي البعض يدعو للثورة والآخر يرد بمزاعم أن الخروج على الحاكم حرام وإن كان فاسقاً أو فاجراً أو ظالماً، مثلما حصل مع أهل العراق والشام إبان سلطة معاوية الفاجر المنحرف وإبنه يزيد الفاسق الخارج عن الملة والدين، حيث ملئت أكياس الذهب والفضة جيوب المشايخ والدعاة وكممت أفواههم حتى بلغ بهم المطاف بالافتاء بأن أبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "خارجي" وأستبيح دمه وماله وسبيت نساؤه وأطفاله يطوفون بهم البلدان، والصورة قائمة في وقتنا الحاضر بتكميم الأفواه ببترودولار آل سعود هذه الشجرة الخبيثة والملعونة لتزهق الأرواح وتسيل دماء الأبرياء تحت يافطة طائفية تكفيرية جاهلية قبلية من البحرين وحتى ليبيا ومن سوريا وحتى اليمن مروراً بالعراق الدامي الجريح الذي عانى ما عانى طيلة القرون الماضية على يد زمرة غاوية محرفة مزيفة للدين الاسلامي المحمدي .
أبى الامام السجاد (ع) أن يعيد الكرة رغم كثرة الثورات في زمانه، فسلك طريقاً آخر لمقارعة الطغاة والفراعنة والمتجبرين من حكام بني أمية أبناء ذوات الرايات، مشرعناً مساراً وسلاحاً جديداً في التصدي للظلم والقمع والجهالة والرق وهو سلاح الدعاء الذي أكده القرآن الكريم والأحاديث النبوية الذي لطاما أكد عليه ديننا الاسلامي الحنيف لدوره الكبير في تربية الانسان المسلم وتوعيته وتنوير فكره وهدايته نحو الصواب والطريق القويم وتعزيز إرادته وعزمه على مواجهة المصاعب والمصائب وردع الظلم والفرعنة والطغيان والتصدي للظلم والاحتلال والاستعمار والدعوة نحو التحرر والاستقلال .
ومن هذا المنطلق رسم الامام على بن الحسين بن على بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام والذي نعيش هذه الأيام ذكرى شهادته المفجعة المؤلمة على يد الطاغية الأموي الوليد بسم قاتل أرسله من الشام ودسه عامله على المدينة آنذاك الى الامام (ع) فقضى شهيداً؛ رسم معالم مدرسته الاسلامية ونهجه المقاوم للطغاة وفضح الظلم ونبذه والتصدي اليه بأدعية عالية المضامين تستند كلها لوحي القرآن الحكيم وتعتبر بحق دائرة معارف عليا لجميع المعارف الالهية، ابتداءً من معرفة الله سبحانه وتعالى، وانتهاءً بتكريس الصفات الرسالية عند الانسان المسلم في التوحيد والعدالة والمساواة كما وردت في صحيفته السجادية في وقت كان العالم الاسلامي يمر بأصعب مراحله وحكم أعتى طغاته من بني أمية المجرمين.
أتباع أهل البيت عليهم السلام وأنصارهم ومحبهم وعلى مدى عقود وقرون متمادية إلتزموا بهذا النهج في مقارعة الطغاة وحكام الجور والطغيان، ما زرع الخوف والفزع في قلوب سلاطين القمع والظلم ومنهم الأنظمة الموروثية المعاصرة فجعلوا من المساجد والحسينيات بنوك أهدافهم المشؤومة التي تلم شمل المسلمين الشيعة ليتعظوا بالدعاء ويستقووا بالمعرفة؛ وأضحت هدفاً رئيسياً للارهاب التكفيري الوهابي السلفي المبتدع المضل في العراق مع بداية الأحتلال الأميركي، ثم اتسع نطاق المشروع الإجرامي هذا ليشمل مساجد وحسينيات البحرين حيث دمر الكيان الخليفي حوالى 40 مسجداً ناهيك عن الحسينيات والمآتم التي فاقت المئة؛ وآل سعود بناة الفكر التفريقي النفاقي وضعوا المساجد والمراقد وقبور الصلحاء أهداف عدوانهم البربري الهيستيري على اليمن ولم يعد في بلاد سبأ من مسجد قائم أو قبر من قبور الأولياء مشيداً؛ فيما لم تسلم مساجد وحسينيات سوريا ولبنان وباكستان والهند وافغانستان ايضاً من حقد الارهاب التكفيري الوهابي السلفي السعودي، والذي أزهق أرواح عشرات آلاف الأبرياء غالبيتهم من الأطفال والشيوخ والنساء، والعالم المتشدق بالحرية وحقوق الانسان صامت أطرش أعمى البصر والبصيرة على شاكلة وعاظ سلاطين آل سعود .