kayhan.ir

رمز الخبر: 46885
تأريخ النشر : 2016October22 - 18:17

هدنة حلب تعري واشنطن .. وتُسقط ورقتها الإنسانية المزيفة

ميشيل كلاغاصي

لا يملك أحدٌ الحق باختزال ألفي يوم للحرب على سوريا بكلمة – أكثر من خمسة أعوام – رغم تطابق المعنى الزمني,لا بل أكثر من ذلك إذ يجب الحديث عنها بالساعة والثانية , ولا يمكن وصف وسرد تفاصيل الحرب الكونية بعبارة "ما حدث خلال السنوات الستة”!..فقد ارتكب المجرمون جرائمهم على مدار الساعة, ولم يتوقفوا ليلا ً أو نهارا ً عن القتل والذبح والتخريب وسرقة الوطن والدولة والمواطن.

وهنا يطرح السؤال نفسه..هل هي حقاً ً ألفي يوم..!؟

بالتأكيد ليست كذلك .. فالحرب على سورية حملت مئات الأهداف , ونوايا الإنتقام من الدولة السورية و دورها التاريخي في تعطيل وصدّ مشروع تقسيم المنطقة وتجزئتها وتمكين السرطان الصهيوني من نهش جسد الأمة العربية الذي لن يتوقف عند حدود محاولة إبتلاع فلسطين.

و ها نحن اليوم نرى تخبط معسكر الشرّ بالقيادة الأمريكية المباشرة , و فشل معظم أهدافه , تلك التي تدحرجت و أصبحت أهدافا ً أكثر تواضعا ً, فمن تدمير الدولة السورية و رحيل الرئيس الأسد , إلى بقائه و محاولة إحتوائها عبر استمرار استنزافها للحصول على أكبر قدر ممكن من التغييرات في بنية الدولة و نظامها السياسي , في إطار التوافق مع الدولة الروسية التي تقف سدا ً منيعا ً – أقله – لمنع استباحة الشرعية الدولية في بلد ٍ عضو في الأمم المتحدة.

فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها "العرب” والإقليميين والدوليين ومنذ اليوم الأول وراء تحقيق أهدافها عبر الإرهاب والإرهابيين, وعبر التدخل العسكري المباشر بين الحين والاّخر , إما لمنع إنهيار مجاميعها الإرهابية أو لدعمهم في السيطرة على المزيد من الأراضي السورية.

و كان الفشل الذريع ينتظرها في كل الجولات و المعارك الميدانية , بفضل قوة الثبات و شجاعة السوريين ووقوف الحلفاء معهم , ولم تستطع مجاراتهم , إذ أخذ البساط الميداني يُسحب من تحت أرجل إرهابييها إما عبر المواجهات المباشرة أوعبر المصالحات الوطنية التي شكلت مخرزا ً في عينها.

و لم يعد من المجدي استمرار الحرب وفق نفس القواعد , أرادت اللعب على تشويه الدور الروسي و السوري بعزفها على الوتر الإنساني و إقحام ملفات التهم الجاهزة كالكيماوي والحصار و التجويع والتهجير والتغيير الديموغرافي وغيرها , للدفع بملفات المناطق العازلة والعمل على إحياء مؤامرة تقسيم سورية .

لقد كانت حملاتها الإعلامية ضد الدولتين الروسية و السورية بالإعتماد على قوة وعدد وسائل الإعلام الأمريكية ووسائل إعلام شركائها في الدم , عبر نشرهم و تسويقهم لصورٍ شنيعة لا يعرف أحدٌ مصدرها و أين تم إلتقاطها , فيما فُضحت الكثير مما إعتبرته واشنطن "أدلة ً” , فبعض الصور كان في بغداد 2004, و في ليبيا , وغزة – ومع ذلك استطاعت ولوقت ٍ قصير إحراجهما , لكن الحكمة والقوة السياسية البعيدة النظر, دفعتهما لنزع القناع الأمريكي عبر الهدنة الإنسانية التي أعلنتها الدولتان و منحت الإرهابيين فرصة الخروج من أحياء حلب الشرقية في الوقت الذي كان دخول الجيش السوري إلى تلك المناطق متاحا ً .

إن تصاعد أصوات أهالي حلب في تلك الأحياء و توقهم لخروج المسلحين سواء كانوا من جبهة النصرة أم سواها , دفعهم لإيصال أصواتهم عبر كافة الوسائل بما فيها رفع أعلام الجمهورية على شرفاتهم و أبنيتهم , وتهديدهم بخروج تظاهرات النساء وهنّ سافرات , ناهيك عن استمرار تعاونهم مع أجهزة الدولة بإعطاء المعلومات الدقيقة عن أماكن وجود و إختباء المسلحين اللذين تخلّوا عن لحاهم و اندسوا بين الأهالي واستخدموهم دروعا ً بشرية .

لقد تم الإعلان عن موعد سريان مفعول الهدنة روسيا ً, وسط ترحيب المبعوث الأممي ديسمتورا , إعتبارا ً من صباح الخميس 20\10\2016 , مع إمكانية تمديدها في حال نجاحها ..و ُحددت المعابر الإنسانية , و معابر خاصة للمسلحين , وأُزيلت السواتر الترابية , وابتعدت قوات الجيش مسافة ً كافية لإثبات نوايا الدولة الحسنة, و ُاستقدمت حافلات النقل وسيارات الإسعاف ومُنح المسلحون الراغبون بالخروج فرصة إختيار وجهتهم إلى إدلب أو إلى أي مكان آخر , و دعمت أجهزة الدولة السورية الهدنة وخروج المسلحين و الأهالي بكافة مستلزمات العملية ووفق المعايير الدولية , بالإضافة لفتح الدولة صدرها للعائدين إليه , وترك السلاح وبما يضمن لهم الاستفادة من مرسوم العفو.

لكن صباح الخميس حمل معه منذ الصباح الباكر تنفيذ المسلحين خيارهم بعدم الخروج وفق الأوامر الأمريكية و كافة مشغليهم من السعوديين والقطريين والأتراك .. وكانوا قد هددوا منذ مساء البارحة كل من يفكر في الخروج وأنهم يعتبرونه خائنا ًوسيُقتل بمجرد إقترابه من المعابر.. لقد كان الصوت الأمريكي أكبر من أصوات المدنيين هناك , و بتجاهل ٍ تام لدعوات الجيش والعقلاء , حتى لصوت مفتي الجمهورية التي حضر ليخاطبهم عبر مكبرات الصوت , و يؤكد لهم الخروج الاّمن .

فما إن دقت الساعة الثامنة صباحا ً حتى بدأ الإرهابيون بإستهداف حواجز الجيش برصاص القنص في بستان القصر, و بدأت قذائف حقدهم تتساقط على الأهالي اللذين ينتظرون خروج أقربائهم و محبيهم , و لم يتوانوا عن تطوير استخدامهم لمختلف الأسلحة , دون الإكتراث لإصابة سيارات الإسعاف و وسائل الإعلام التي تواجدت لنقل الحدث , واندفعت لتصويب قذائف الهاون و القذائف الصاروخية على كافة الأحياء الحلبية بدءاً من المشارقة , الفيض, بستان الزهرة , الأكرمية , الأعظمية , محيط جسر الكرة , المريديان , المارتيني , الحمدانية , مشروع ال3000 شقة , المحافظة و جمعية الزهراء , مما استدعى سحب الحافلات والطواقم الطبية والأمنية من بستان القصر في حلب بعد تزايد استهدافها.. لقد أراد الإرهابيون إسقاط الهدنة, لكن الدولة السورية تحلت بأعلى درجات ضبط النفس و مددت الهدنة ل 24 ساعة إضافية بالتوافق مع موسكو.

لقد قامت الحكومة السورية بكافة مؤسساتها بتأمين كل ما يلزم لإحلال السلام, لكن رسالة الولايات المتحدة عبر الإرهابيين كانت واضحة لجهة رفضها السلام.

فما حدث اليوم أمام عدسات الإعلام , يُسقط كافة الإدعاءات الأمريكية وحلفائها , في التعبيرعن "حبهم ” للسوريين عموما ً والحلبيون خصوصا ً , و لم يعد من المسموح لها الحديث عن الملف الإنساني مجددا ً , و لا بد لأوباما و وزير خارجيته أن يُقلعا عن إجترار نفاقهما السياسي , و ما عاد الملف الإنساني يضمن لهما صعود الشجرة من جديد , فالعرب قالت : ” سقط الدب عن الفنن ".