’قادمون يانينوى’.. بدايات قوية، ونتائج طيبة
ـ عادل الجبوري
بددت الانطلاقة القوية والسريعة والمنسقة لعمليات تحرير محافظة نينوى من عصابات داعش الارهابية، والتي اطلق عليها "قادمون يانينوى" الكثير من الهواجس والمخاوف من التعثر الذي يمكن ان يواجه العمليات بسبب التقاطعات والاختلافات الكبيرة بين الاطراف المعنية، محلية كانت ام اقليمية ام دولية.
وكذا الحال بالنسبة للنتائج الاولية الطيبة للعمليات خلال الساعات الثمان والاربعين الاولى، التي حددت بقدر كبير مسارات ومآلات المراحل القادمة للمعارك.
المشهد العام يبدو في مجمل ملامحه ومعالمه مشجع ويبعث على التفاؤل، من حيث المقدمات، ومن حيث النتائج الاولية، ومثلما يقال اذا كانت المقدمات صحيحة فأنها تؤدي الى نتائج صحيحة.
ومن بين المقدمات الصحيحة، العمليات النفسية من خلال وسائل الاعلام المختلفة، والمنابر السياسية، والاوساط الجماهيرية، ضد تنظيم داعش الارهابي، التي عكست وجود ارادة حقيقية من قبل الجميع للقضاء على ذلك التنظيم الارهابي، وعكست ايضا ضعف ذلك التنظيم وخوائه بعد سلسلة الهزائم التي تعرض لها على امتداد اكثر من عامين في جرف النصر وامرلي وبلد وسامراء والدجيل وبيجي وسنجار وتكريت والرمادي والفلوجة ومناطق ومدن اخرى. وكذلك عكست المنهج الدموي والطابع الاجرامي التكفيري لداعش، الذي لم يستثن ديانة او قومية او مذهب او طائفة من جرائمه البشعة، ولم يترك معلما دينيا او تأريخيا او ثقافيا الا ودمره.
الموصل . بداية جيدة
ولاشك ان العمليات النفسية، سواء بجانبها المنظم من قبل الجهات المعنية، او بجانبها العفوي العام، هيأت الظروف والمناخات الملائمة لالحاق الهزيمة بتنظيم داعش، وبأقل قدر من الوقت، وبأدنى خسائر وكلف مادية وبشرية، والمؤشرات حتى الان تؤكد ذلك.
العامل الاخر-في اطار المقدمات الصحيحة-التنسيق العالي بين مختلف القوى والتشكيلات التي كان يفترض ان تشارك في عمليات تحرير الموصل، كالجيش، والشرطة الاتحادية، وجهاز مكافحة الارهاب، وسلاح الجو، وقوات الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة الكردية، والحشد الوطني-العشائري، وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة هي محور التنسيق، بشخص رئيس الوزراء حيدر العبادي، وكبار القيادات العسكرية في وزارة الدفاع وهيئة الاركان المشتركة، والمفاصل العسكرية والامنية الاخرى.
وساعد ذلك التنسيق في توزيع المهام والادوار بطريقة ممنهجة ومدروسة، حالت دون حصول تقاطعات واختلافات ميدانية من شأنها ان تربك الاوضاع وتخلط الاوراق.
والى جانب التنسيق العسكري عال المستوى، كان هناك اجماع ودعم وتأييد سياسي لعمليات تحرير الموصل من قبل مختلف مكونات الطيف السياسي العراقي، سنة وشيعة واكراد، وتجلى ذلك الدعم والتأييد عبر تصريحات وبيانات واضحة وصريحة، صدرت من قيادات وعناوين سياسية وعسكرية عليا، كرئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، ورئيس التحالف الوطني السيد عمار الحكيم، وزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدري، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، واتحاد القوى العراقية، واخرين.
هذا الاجماع، جعل الاصوات النشاز المخالفة هنا وهناك في الداخل تخفت وتتلاشى، والمواقف الاقليمية والدولية الرافضة لمشاركة هذا الطرف او ذاك في عمليات التحرير تتراجع، او تلوذ بالصمت في اسوأ الاحوال.
ويمكن للمراقب للمستجدات، ان يلمس تبدل الخطاب الاميركي حيال مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، والاحباط الذي لف الخطاب السعودي بعد انطلاق المعركة، وتلاشي نبرة الاستعلاء والصلافة التركية-الاردوغانية، بعدما حاصرت تشكيلات من القوات العراقية، القوات التركية المتمركزة في معسكر بعشيقة، ومنعتها من القيام بأي تحرك، ناهيك عن اعلان رئيس الوزراء حيدر العبادي، التعامل مع اية قوة اجنبية كعدو لايختلف عن داعش في حال تحركت دون اذن وتنسيق مع القيادة العراقية.
ولعل اقدام انقرة على ارسال وفد سياسي-دبلوماسي الى بغداد رفيع المستوى بعد انطلاق العمليات بوقت قصير يؤشر بوضوح الى مدى احباط وخيبة اردوغان، وهو يراقب الوقائع والاحداث دون ان يستطيع تحريك ساكن، على خلاف ما كان حتى وقت قريب جدا يهدد ويتوعد.
في اطار الايقاع السريع والايجابي خلال الايام القليلة الاولى للمعركة، تفرض المؤشرات الايجابية المتفائلة نفسها على ارض الواقع، متمثلة، بحسم المعركة بصورة نهائية خلال فترة زمنية قصيرة لاتتعدى الاسابيع القلائل، وعدم حصول عمليات نزوح واسعة لابناء محافظة نينوى، كما كان يتخوف الكثيرون، وعدم حصول عمليات تدمير وتخريب كبيرة للبنى التحتية، مثلما حدث في معارك سابقة، كمعركة تحرير الرمادي، الذي اديرت من قبل قوات التحالف الدولي، وخلفت دمارا هائلا في البنى التحتية ومنازل وممتلكات المواطنين بنسبة 80%.
وكذلك توفر الفرص الجيدة والجديدة لصياغة تفاهمات سياسية بين الفرقاء، من شأنها ان تقطع الطريق على الاجندات التخريبية، التي تتمحور حول هدف اغراق نينوى بالفوضى والصراعات السياسية، بعد طرد داعش منها، بتخطيط ودعم وتمويل تركي-سعودي-قطري- وو..، وادوات داخلية بائسة.
التفكير والتصرف بطريقة واقعية من قبل الاطراف المعنية، والبحث عن نقاط الالتقاء وتجنب نقاط الافتراق، يمكن ان يذلل الكثير من الصعوبات، ويفككك العقد والاشكاليات، التي من المحتمل ان تطل برأسها بعد معركة تحرير الموصل، وبالتالي يختزل ويقلص المسافات بين النتائج والمقدمات.