لماذا رفعت منظومة أس 300 الروسية في سوريا منسوب القلق والتوتر؟
شارل أبي نادر
بالعودة قليلا الى منتصف شهر تموز يوليو الماضي، تسللت بنجاح طائرة دون طيار ( كانت مجهولة المصدر بداية فوق اراضي الجولان السوري المحتل، واستطاعت الافلات من منظومة صواريخ باتريوت اميركية الصنع ومعدلة اسرائيليا، وايضا أفلتت من الاصابة بصواريخ جو – جو اميركية الصنع اطلقتها قاذفة اسرائيلية نوع اف 16 ايضا اميركية الصنع، ليتبين لاحقا أنّ الطّائرة دون طيّار، تابعة للقوّات العسكريّة الرّوسيّة، وقد اجتمع عسكريّون إسرائيليّون وروس ضمن لجنة التّنسيق المشتركة لإسرائيل وللقوّات الرّوسيّة المتواجدة في سوريا لمتابعة الموضوع ولم يصدر معلومات تؤكّد مصدر وهويّة مطلق الطّائرة.
المهم في الحادثة ليس في صدمة العدو الاسرائيلي من فشل منظومة اساسية يعول عليها بالكامل تقريبا للدفاع ضد خطر صواريخ حزب الله الذي اصبح بالنسبة إليهم واقعا واكيدا، وهذا طبعا مهم وحيوي بالنسبة للعدو؛ ولكن ما يثير قلق اسرائيل والراعية الام لها أي الولايات المتحدة الاميركية هو هذا الخرق الاستراتيجي الذي احدثته تقنية روسية ضمن الحرب الباردة الناشبة بين القوتين دائما وأبدا، والذي رأتا فيه ثغرة مهمة وخطرة تستدعي المتابعة والتقصي والاستعلام لما تشكله من تداعيات معنوية وامنية وعسكرية في منظومة الدفاع ضد كيان العدو بشكل خاص وفي منظومة تعتبر عماد المواجهة في الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة الاميركية بشكل عام، وكما لم يتوصل الاميركيون ومن ورائهم الصهاينة حتى الان إلى تحديد أسباب الاختراق وهل هي فنية تقنية أم عسكرية أم أمنية، جاءت مؤخرا خطوة نشر منظومة الصواريخ الروسية أس 300 الأكثر تطورا على الاراضي السورية لتزيد وترفع منسوب القلق لديهما وذلك للاسباب التالية:
تأتي اهمية هذه الخطوة الحساسة في نشر منظومة اس 300 الروسية على الاراضي السورية، ما بين حميمم وطرطوس وفي أمكنة أخرى بقيت غير معلنة لأسباب أمنية وميدانية أو لأسباب استراتيجية تتعلق بمناورة الردع الروسية بشكل عام، لما تتميز به من قدرات وتقنيات تجعلها لوحدها وبمجرد الاعلان عن نشرها كأنها تغير قواعد الاشتباك التي اوجدتها توازنات الردع المتبادل بين القوتين في اغلب نقاط المواجهة الباردة بشكل عام وفي سوريا ومحيطها حاليا بشكل خاص.
قلق اميركي في سوريا
وفي ظل قواعد الاشتباك المذكورة بين القوتين في سوريا - والتي بقيت حتى الامس محكومة بآلية تنسيق جوي لمنع التصادم، والتي اعلن عنها واحترمها الطرفان حتى الان - تأتي منظومة اس 300 لتضع قواعد الاشتباك هذه جانبا وتفرض وبشكل تلقائي قواعد اشتباك خاصة بها، تحددها قدراتها ومميزاتها كمنظومة دفاعية متكاملة بمواجهة اي نوع من الطائرات او الصواريخ التي يعتبرها رادارها او منظومة راداراتها عدوة بالنسبة لها، بما فيها كل قاذفة او صاروخ غير عضوية في المنظومة العسكرية التابعة لها والتي لا تحمل رقمًا محددًا او لقبا تُعَرّف عِبره في الاجواء الممسوكة من غرفة عمليات القوات الجوية الروسية في قطاع محدد طولا وعرضا وارتفاعا، ولم يحدث ان تدنت ابعاده عن مدى المراقبة والرمي لهذه المنظومة المتطورة والتي تتجاوز دائرة بشعاع 250 كلم وعلى ارتفاع ما بين الصفر ولاكثر من 40 كلم تقريبا .
هذا الهلع من تلك المنظومة هو مبرر بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية اكثر من غيرها، فهي أول من يعلم عن مخططات عدوانية تدرسها لا شك وتتضمن مروحة واسعة من عمليات اطلاق صواريخ كروز باليستية بعيدة المدى من قاذفات استراتيجية او من قواعد عسكرية بحرية او برية، تستهدف عبرها نقاطا حيوية واستراتيجية تابعة للجيش العربي السوري ولقيادته العملانية أو لقيادته العليا، ومن غير المستبعد ان تستهدف ايضا نقاطا وقواعد روسيا تعتبرها (عن طريق الخطأ طبعا كما حدث في اعتدائها الوقح على جبل الثردة في دير الزور) مواقع لداعش، او حتى لجبهة النصرة (فتح الشام) التي ما زالت، وايضا بوقاحة تعتبرها ارهابية ولكن ترعاها وتحميها وتؤمن لها ما تحتاجه في الميدان بالكامل ، كما أن المرجح حدوث ذلك علنا او بطريقة سرية يُجَهل من خلالها منفذ الضربة، وكما يبدو انها خبيرة بهذه المناورة الخبيثة حيث تعددت سابقا الحالات المشابهة في الميدانين العراقي والسوري والليبي والصومالي وغيرها، تأتي منظومة الصواريخ الروسية أس 300 لتخلق عائقا امام هذه المخططات المبيتة والتي تُدرس بجدية فائقة على خلفية عجز العملاء "المعتدلين" في حلب ومحيطها عن تأثير الاندفاعة القوية للجيش العربي السوري ولحلفائه بدعم جوي روسي مركز وفعال .
واخيرا، ما نشهده اليوم على ساحة الشرق الاوسط وتحديدًا في مركز ثقلها على الارض السورية هو حرب ارادات ام حرب رادارات بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا؟ وهل هذه الساحة التي يبدو انها مرشحة لمزيد من التوتر الخطر الذي خلقه النزاع الديبلوماسي غير المسبوق بين الطرفين، والمترافق مع حساسية ميدانية تحبس الانفاس ستشهد تصادما عسكريا بين الاثنين يبدو انه غير بعيد ويتمتع بنسبة وازنة من امكانية حدوثه؟؟ ام ان الموضوع لن يتخطى الضغط الواسع المتبادل للسير بمفاوضات اصبحت حتى الان محكومة بتقدم ميداني للجيش العربي السوري لن يقبل الاخير بإبعاد تأثيره في تلك المفاوضات؟؟