بعد سقوط وقف النار : تفاوض على صفيح ساخن
حسن سلامة
كما كان متوقعا , سقط وقف اطلاق النار الذي كان جرى الاتفاق عليه بين الروسي والاميركي نتيجة ما قامت به واشنطن من مناورات للتنصل من الاتفاق وعدم قيامها في الوقت نفسه بأي ضغط على المسلحين للالتزام بوقف النار في حلب وغيرها من مناطق سيطرة المجموعات الارهابية .
وبحسب اوساط دبلوماسية قريبة من دمشق فان التعنت الاميركي دفع الامور نحو ما يسمى التفاوض على صفيح ساخن وبالتالي مسارعة الجانبين السوري والروسي وحلفائهما الى اتخاذ قرار للقيام بعملية عسكرية واسعة لاعادة احياء حلب الشرقية الى حضن الدولة كخطوة اولى على طريق القيام بعمليات مماثلة في مناطق سيطرة المسلحين .
لذلك , ماذا بعد سقوط وقف النار وماهي الخيارات المتوقعة على المستويين الدبلوماسي والعسكري في المرحلة القريبة ؟
في معلومات المصادر الدبلوماسية ان الاميركي وحلفاءه دفعوا في اتجاهات التصعيد الواسع انطلاقا من المعطيات الآتية :
1_ان واشنطن سعت منذ بداية الاتفاق على وقف النار الى اعطائه تفسيرات مغايرة لما هو منصوص عليه مما دفع الجانبين الروسي والسوري الى رفض مثل هذة التفسيرات المغلوطة ’ بل ان الاميركي لم يكتف بذلك وانما تغاضى عن مئات الخروقات التي قامت بها المجموعات المسلحة .
2 _ لقد جاء القصف الاميركي لمواقع الجيش السوري في دير الزور خلال فترة وقف النار ليؤكد بشكل واضح ان واشنطن لم تدخل مباشرة على خط اسقاط الهدنة فقط بل ان هذا القصف اظهر مدى التواطؤ مع داعش , ومن ثم جاء القصف الاميركي للجسور في دير الزور ليؤكد مرة ثانية ان الاميركي يدفع لمنع الجيش السوري من تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش . وتقول المصادر ان الاميركي وصلته معلومات تفيد ان الجيش السوري وصل الى مرحلة متقدمة من التواصل والحوار مع عشائر دير الزور خاصة قبيلة الشعيطات للانتفاضة على داعش مما ازعج الاميركي ودفعه للتدخل مباشرة بهدف توجيه رسائل الى السوري والروسي بانه ممنوع تحرير دير الزور , وهذا التدخل المباشر يعني ان واشنطن ترفض ان تكون الحدود السورية مع كل من العراق والاردن تحت سيطرة الجيش السوري وبالتالي محاولة قطع ا لطريق امام تحرير الرقة من جانب الجيش السوري , وليس بعيدا عن ذلك لجأ الاميركي الى ترك ممر في الموصل لهروب داعش باتجاه الرقة عندما تبدأ معركة استعادة الموصل .
3 _ بدا واضحا ضعف ادارة الرئيس باراك اوباما امام اعتراض ال " سي اي ايه " والبنتاغون الذين يعتبران ان ادارتهما قدمت تنازلات كبيرة للجانب الروسي , ولذلك كان واضحا كلام رئيس اركان الجيوش الاميركية جوزيف دانفورد برفضه التنسيق مع روسيا بما يتعلق بوقف النار والفصل بين النصرة ومن تسميهم واشنطن تنظيمات معتدلة.
4_ لقد اندفع الاميركي وحلفاؤه الى ادخال الاف الجنود الاميركيين وحتى من بريطانيا وفرنسا لمنطقة حلب ما يعني ان المعركة في الميدان لم تعد مع المجموعات الارهابية المسلحة فقط بل اصبحت مباشرة مع الاميركي وحلفائه . وتوضح المصادر ان مايزيد عن الفي عنصر من قوات النخبة في الجيش الاميركي يتواجدون اليوم مع المجموعات المسلحة بالاضافة الى مئات الجنود البريطانيين والفرنسيين الى جانب الخبراء العسكريين الذين يديرون غرف عمليات المسلحين .
5_ لم تقم الادارة الاميركية باي جهد او خطوة عملية لتنفيذ البند الأهم في اتفاق وقف النار وهو الفصل بين جبهة النصرة والمجموعات المسلحة المرتبطة بها , بل انها عمدت وحلفاؤها في الايام الاخيرة الى تزويد المسلحين بما في ذلك النصرة بصواريخ من طراز غراد يصل مداها الى اربعين كيلو متر وهي تحاول اليوم ابتزاز الجانب الروسي باعلان مسؤولين اميركيين ان السعودية ودول اخرى تنوي تزويد المسلحين بصواريخ مضادة للطائرات , وان كانت المصادر ترجح ان تكون وصلت مثل هذة الصواريخ الى المسلحين .
انطلاقا من ذلك , توضح المصادر انه رغم الصراخ الاميركي والغربي وحتى من قبل الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وموفده دي ميستورا اعتراضا على العملية العسكرية للجيش السوري وحلفائه ضد مواقع المسلحين في الاحياء الشرقية لمدينة حلب فالعملية العسكرية ستستمر . كما ان الجانب الروسي يعتبر ان التهديد الاميركي بتجميد الاتفاق لا قيمة له طالما ان واشنطن لم تلتزم به منذ اللحظة الاولى . الا ان دبلوماسيين روس ابلغلوا بعض من التقوا بهم مؤخرا ان الاميركي لا يستطيع التنكر للاتفاق مهما استخدم من مناورات فالاتفاق اصبح وثيقة لا يمكن للادارة الاميركية تجاوزها وحتى الادارة التي ستأتي مطلع العام الى البيت الابيض لا تستطيع التنكر له . ويؤكد هؤلاء الدبلوماسيون ان الاتفاق انجاز كبير لان الادارة الاميركية وافقت خطيا لأول مرة على عدد من المسائل المهمة التي كانت ترفضها سابقا وبخاصة الفصل بين جبهة النصرة ومن تعتبرهم واشنطن تنظيمات معتدلة .
وتخلص المصادر الى التأكيد ان لا تراجع عن استكمال العمليات العسكرية في حلب وغيرها , الا اذا عادت واشنطن والتزمت حرفيا بكامل اتفاق الهدنة .اما ماصدر عن مسؤولين اميركيين حول طلب اوباما درس كل الخيارات بما في ذلك الخيار العسكري فترى المصادر في ذلك نوع من الابتزاز والتهديد الدبلوماسي اكثر مما هو تهديد بتدخل عسكري مباشر لأن ادارة اوباما غير قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار على المستوى العملي وحتى في حال اتخاذ قرار بتنفيذ عمليات عسكرية خاصة او غارات جوية على مواقع للجيش السوري فان هذا الامر لن يمر من الجانب الروسي وحلفائه دون التصدي له.