من سيئ الى اسوأ.. اقتلوني واقتلو مالكاً معي
* بقلم رائد دباب
يبدو ان سن البلوغ لدى بعض الحكام وحاشيتهم يتجاوز المئة عام.. لذلك لازال هناك من الوقت حتى يعرفوا مسؤولياتهم ويتّعظوا على اقل تقدير.. فحين تتحدث اليهم تراهم يناقشون بالقرآن وكأنهم اعلم ما فيه، ثم يتنابزون ويتفاخرون على الاخرين بان الله خصهم بخاتم الانبياء دون غيرهم من الخلق، لكن اصحاب الذكاء الاعتيادي ولا نقول النوابغ من الناس، يعلمون وببساطة ان الانبياء لم يُرسلوا او يُبعثوا الى قوم، الا لتردّ او فساد وانحراف اصابهم.
ولا يخرج عن طريق الصواب الا اثنان، إما غبي او من غلب عليه الشيطان فاغواه حتى نسي خلقه... ولربما الكلام قاس بعض الشيئ وهذا هو حال الحقيقة منذ الازل، لكن الله قد اوصانا بالتذكير وقد تنفع الذكرى المؤمنين!
ربما حالة التفريط والافراط هي الغالبة اليوم على سلوك البعض، ما بين وهابي داعشي يقطع الرؤوس، او علماني ملحد اول ما يناقشك ليس على الحال وما تعانيه الشعوب على يد حكامها الفاسدين، ولا على كيفية ان يجعل الحياة اجمل بالنسبة لابناء جلدته، بل على اثبات وجود الخالق سبحانه.
ولو اخذنا عينة من واقع الانظمة العربية المتمثل بآل سعود مثلا، لتوصلنا الى مدى غيبوبة بعض الشعوب او تقاعسها. فالكل يعلم ان السعودية استعانت بالغرب وبريطانيا بالتحديد ضد الدولة العثمانية السنية والله يقول (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين).. والأسوأ من صمتهم كانت حجتهم التي تخالف مباني واصول مذاهبهم، مع بالغ الاسف لاستخدام هذا التعبير، وهو ان السلاطين او الخلفاء العثمانيين كما سماهم البعض، قد ظلموا الامة فاستعانت بالغرب.. لان هذا يخالف للفكر السلفي الذي يفرض طاعة ولي الأمر حتى لو كان يزيد بن معاوية.
لكن على الرغم من هذا استبشر بعض السذج خيرا قامت "الثورة العربية الكبرى" ضد الاحتلال العثماني.. واذا بهم تفرقوا اكثر واصبحوا مابين دول ودويلات يحكمها عملاء اصبحوا يتعاملون مع ابناء جلدتهم بشكل اسوأ من الاجنبي الذي استعمرهم!!!
ثم سلم الغرب قبلتهم الاولى الى اليهود الصهاينة بعد ان اعطى الحرمين الشريفين الى اعتى عتاة الوهابية التي لطالما صاح البعض في الامة انهم منحرفون ويحرفون الدين، وخرج الفلسطينيون العرب السنة الى الشتات تحت مظلة انظمة اخوانهم العرب (عملاء الاستعمار البريطاني)، فأذلوهم وصادروا ارواحهم وعقولهم كما فعل الصهيوني الذي صادر ارضهم..
ونقولها شهادة للتاريخ، خرج بعض العرب ليحارب على العرض والارض العربية في اعوام ستة وخمسين وسبعة وستين وثلاثة وسبعين لكن النتيجة كانت على العكس فقد ساعدت السعودية في توطين بيع البترول بالدولار نصرة للاقتصاد الاميركي والقصة طويلة، وضاعت القدس وضاع الجولان واحتلت سيناء، وتم التوقيع على معاهدة كامب ديفيد فاصبح الشباب العربي الذي يخدم في الجيوش العربية من مدافع عن ارض العروبة الى حارس لأمن "اسرائيل".
ثارت ثائرة بعض العرب ضد الشعب المصري وليس الحكومة المصرية وقطعوا علاقاتهم مع مصر ومنها السعودية، والحجة التطبيع مع الكيان الغاصب.. لكن الغريب ان في تلك الفترة حين زار شاه ايران، ايران التي ينعتها اليوم مفتي السعودية بالمجوسية، حين زار الشاه السعودية لأداء فريضة الحج رقص له الملك سلمان وكان اميرا حينها ترحيبا به، بينما كان العلم الاسرائيلي يرفرف في عاصمة الشاه، طهران.
استمرت الشعوب العربية على ما كانت علية وكل ينتظر المنقذ على ايديولوجيته وعقيدته الخاصة.. حتى انتصرت الثورة الاسلامية في ايران على شرطي اميركا و"اسرائيل" في الخليج الفارسي وانزلت ايران العلم الاسرائيلي ورفعت العلم الفلسطيني.. فاصبحت مصر الصديقة وايران العدوة، ورفع اكثر الحكام العرب شعارالقادسية ضد المد الشيعي الفارسي والرياح الصفراء والفرس المجوس.
لم يصمت عرب الجنسية وحسب، بل زجوا بابنائهم في حرب طالت الشعب الايراني المسلم لثماني سنوات، انتعشت من خلالها "اسرائيل" والاقتصاديات الغربية على حساب النفط العربي واموال الشعوب العربية وابنائها واصبح صدام سيف العرب المسلول والقائد الضرورة للامة وحامي البوابة الشرقية!
ولم يصل الحكام العرب الى اية نتيجة من تلك الحرب المفروضة سوى احتلال الكويت واذلال شعبها العربي، فانقلب الحكام العرب ضد الشعب العراقي وليس ضد الحكومة العراقية وحاصروهم حتى بات الطفل العراقي يموت جوعا من فقدان الحليب وصدام وعائلته لم يمسهم اي سوء، ولم تتجرأ الجيوش العربية على ردع الغازي وتحرير الكويت، بل استعانوا باميركا ضد المحتل الذي كان بالامس بطل العرب الاوحد، وهنا تأكد الغرب ان هذه الأنظمة وبعض الشعوب يمكن ان تتحمل كل نوع من الاذلال.. وكانت الرسالة واضحة، احرق نفسي بدلا منك لتعرف مدى كراهيتي لك ومدى خوفي من التعذيب.
هكذا حرق البوعزيزي نفسه في تونس ومن هنا ظن البعض خطأ ان ساعة الصفر حلت وان الناس قد عرفوا وجهة بوصلتهم، واذا بالعديد من الشباب العربي يلتحق بـ"داعش" واخواتها ليس لتحرير اوطانها وفلسطين، بل "لتحرير" الشعب السوري!!!.. وبدل ان يحاكموا ويقتلوا حكامهم الذين خذلوهم وذلوهم، قتلوا ابناء الشعب العربي السوري وحرقوه ليبعثوا رسالة واضحة لحكامهم مفادها: "لاتخافوا فنحن اما نُضرم النار في انفسنا بدلا منكم او نقتل العرب لتعرفوا كم نحن خطرون على الاخرين وليس عليكم".
ومن خلال ما يحصل في سورية والعراق تمكن الشباب العربي المتفلسف (نسبة للسلفية الوهابية) ان يُثبت للعالم مدى تمسكه بالديمقراطية من خلال اعتماد التعددية في الحركات والتنظيمات الارهابية (وطبعا هذا الارهاب هو ضد الشعب العربي وليس "اسرائيل" او الغرب او ديناصوراته من الانظمة العربية) والدليل القاطع على ايمان هذا الشباب بالديمقراطية سهل الاثبات، ويكفي ان نعرف عدد الفصائل التي تقاتل ضد الجيش العربي السوري والجيش العراقي.
كل هذا يدلل ان بعض عرب العقال والغترة والبشت لم يتجاوزوا ضغائنهم حتى بعد ان بعث الله لهم بخاتم انبيائه، وهذه هي الطامة الكبرى!
لم يبق امامنا سوى تذكير اولئك المتبقين من المعترضين على هذا الواقع المخزي بالحديث الشريف (كيفما كنتم يُولى عليكم) والمثل العامي يقول: (إن كان شاهدك من اهلك، فقتلك حلال!).