kayhan.ir

رمز الخبر: 45333
تأريخ النشر : 2016September20 - 20:51

أمريكا عازمة على تقسيم سورية.. والحل في يد إيران


أحمد الشرقاوي

في تطور خطير، أغارت السبت خمس طائرات حربية أمريكية على مواقع للجيش العربي السوري في محيط مطار دير الزور العسكري وتلة جبل ثاردة، ما خلف 62 شهديا و 100 جريح وفق ما أعلنته موسكو، وجاءت الغارات الأربعة الأمريكية على الجيش العربي السوري في الوقت الذي كان يصد هجوما لـ”داعش” وهو يحاول قطع الطريق بين مطار دير الزور والمدينة عند قرية الجفرة، ما مكن التنظيم من احتلال تلة ثاردة المطلة على المطار مباشرة بعد العدوان الأمريكي في عملية تبدو منسقة بين الجانبين.

وأشارت مصادر عسكرية سورية إلى أن مروحيات أباتشي الأمريكية تدخلت بعد الهجوم لقصف فرق الإنقاذ والإخلاء السورية التي هرعت إلى عين المكان لنجدة المصابين، في عملية منظمة تؤكد استبعاد احتمال الخطأ بالكامل، خصوصا وأن مصادر روسية أكدت بالناسبة، أن القوات الأمريكية تمتلك خارطة المواقع وإحداثيات تواجد قوات الجيش العربي السوري بدقة.

وأمام هذا المستجد، تدخل الطيران الروسي والسوري في المنطقة، ما دفع بالطيران الأمريكي إخلاء أجواء المنطقة، وقدمت تعزيزات عسكرية سورية إلى عين المكان حيث دارت معاك شرسة بين القوات السورية وتنظيم "داعش”، استعاد على إثرها الجيش العربي السوري المواقع التي فقدها وأفشل مخطط فصل مطار دير الزور عن المدينة.

أما في واشنطن، فيجري الحديث عن خلاف حاد قائم بين الخارجية الأمريكية التي وقعت اتفاق الهدنة مع الخارجية الروسية والتزمت بتنفيذه بأمر من أوباما، وبين قيادة البنتاغون التي ترفض التنسيق مع الروسي لمحاربة الإرهاب في سورية باعتبار أن روسيا هي العدو الأول للولايات المتحدة في العقيدة الأمريكية العسكرية الجديدة، ويقال أن هذا الخلاف هو السبب في إصرار واشنطن على عدم نشر بنود اتفاق الهدنة، لأن من شأن تصديقه من قبل مجلس الأمن وتداوله من قبل الإعلام أن يخلق فتنة بين الفصائل الإرهابية تؤدي إلى حرب إبادة بينية لا ترغب فيها واشنطن لعدم إحراج أدواتها.

ومهما يكن من أمر، فكل ما يقال عن خلاف بين الخارجية الأمريكية من جهة، والمخابرات والقيادة العسكرية الأمريكية من جهة أخرى، هو مجرد تكتيك وتوزيع أدوار الهدف منه التملص من تنفيذ الاتفاق وربح الوقت في هذا الظرف الحساس الذي تمر منه الحملة الانتخابية الرئاسية، وفي نفس الوقت التنفيس عن الإرهابيين ومحاولة ضخ دماء جديدة في عروقهم، وإفشال حملة الجيش العربي السوري لإسقاط المنطقة الشرقية في حلب بعد محاصرتها بالكامل، لأن إسقاط حلب ستشكل نكسة للإستراتيجية الأمريكية في سورية.

ويأتي هذا التطور الخطير بموازاة إقدام الجيش الصهيوني المجرم في نفس اليوم على قصف مواقع للجيش العربي السوري شمال القنيطرة أدى لاستشهاد جندي وجرح خمسة آخرين من الجيش العربي السوري، بدعوى سقوط صاروخين في الجولان المحتل، تبين بعد ذلك أن الجماعات الإرهابية المرابطة في المنطقة هي من أطلقتهما، وهو ما اضطر تل أبيب إلى نفي أن تكون هي من قصفت مواقع الجيش العربي السوري في خان أرنبة.

هذا في ما أعلن ما يسمى بالجيش الحر السبت، انخراطه في قتال "داعش” في الشمال السوري تحت راية القوات الأمريكية بموافقة تركية بعد أن "حرر” الجيش التركي أكثر من 800 كلم من الأراضي في الشمال السوري واستبدل الإرهابيين فيها بإرهابيين آخرين تحت مسمى "الجيش الحر”، ليكون بمثابة القوة الأرضية الضاربة لأمريكا في سورية، ثم توجه بعد ذلك لاحتلال أراضي بالشمال العراقي بدعوى مطاردة الأكراد، ما يؤكد أننا أمام خطة "باء” أمريكية تنفذها تركيا والأكراد والجماعات التكفيرية لرسم معالم الإقليم الجديد الذي سيضم أراضي سورية وعراقية، وتحضيرها لاستقبال حوالي مليون لاجئ يتوقع أن يتوافدوا على المنطقة بعد بدء عملية تحرير الموصل وقد يزيد هذا الرقم نسبيا بعد عملية تحرير الرقة.

إلى ذلك، كانت قوات من مشاة البحرية (المارينز) قد دخلت الخميس بسيارات رباعية الدفع إلى مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي قادمة من مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي برفقة قيادات من حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ورفعت الأعلام الأمريكية على مدينة تل ابيض وعلى "برج البريد” في حي الإسكان الواقع على تل القرية الذي يبعد 2 كيلومتر عن تل أبيض على الحدود التركية السورية، مرفوقة بمروحيات الأباتشي وطائرات الاستطلاع الأمريكية، وعقد ضباط أمريكيون اجتماعا مغلقا مع القيادات الكردية في المنطقة لتدارس الخطة العسكرية المقبلة.

هذا التطور الجديد، دفع بنائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية الإيرانية كمال دهقاني فيروز آبادي للقول السبت، أن تواجد قوات أمريكية على الأراضي السورية هو بمثابة لعبة جديدة من قبل واشنطن لاحتلال وتقسيم سوريا، وهو ما سبق وأكدناه في مقالة سابقة بالقول إن مشروع التقسيم لم يسقط، وأن روسيا تراهن على الوهم باعتقادها إمكانية التوصل إلى تفاهم لمحاربة الإرهاب مع من صنع ومول ودعم ودرب الإرهاب في سورية.

كل هذا يحصل في ما لا تزال موسكو تطالب واشنطن بنشر بنود اتفاق الهدنة التي توصلت إليه معها بشأن سورية والأخيرة ترفض، بل وتتمنع من إطلاع أقرب حلفائها كفرنسا وبريطانيا على تفاصيله، وهي الهدنة التي تبين اليوم بما لا يدع مجالا للشك أن هدف الأمريكي منها هو خداع الروسي مرة أخرى، ومحاولة جديدة لإنقاذ الإرهابيين من السحق كي لا تفقد واشنطن أوراق ضغطها في سورية، بعد أن اكتشف العالم أن لا وجود لمعارضة معتدلة ولا من يحزنون، وأن أمريكا تدعم الإرهاب في سورية جهارا نهارا.

هذا في ما سجلت قاعدة حميميم السبت 199 خرقا محدودا وغير منظما للهدنة خلال الخمس أيام الماضية من قبل ما يسمى بالمعارضة المعتدلة التي رفض 22 فصيل منها الهدنة واعتبار "جبهة فتح الشام” (النصرة قديما) تنظيما إرهابيا، لكن واشنطن لم ترى غير خروقات الجيش العربي السوري التي لا وجود لها إلا في الخطاب الأمريكي المتحامل على النظام السوري، وتتباكى على المساعدات الإنسانية التي لم تصل للإرهابيين في حلب الشرقية بسبب إصرار دمشق وموسكو على تفتيشها، فيما تتجاهل بالكامل المساعدة الإنسانية للمناطق المحاصرة من قبل التكفيريين.

نقول هذا لأن موسكو تعرف قبل غيرها أن الرئيس أوباما يكذب كما يتنفس ويراوغ كي لا يفقد السيطرة على الأوضاع في سورية، وتعلم علم اليقين أن أوباما هو الذي أصدر أمرا سريا عام 2013 إلى وكالة الاستخبارات المركزية لتسليح الإرهابيين في سورية، وهو الأمر الذي كشفته صحيفة "نيويورك تايمز” في شهر يناير/كانون الثاني من نفس العام، وقالت أن "السعودية” وبطلب من واشنطن خصصت مبالغ مالية كبيرة لتمويل العملية، ومن جانبها ضمنت الوكالة تنظيم وإعداد وتدريب وتسليح ومساندة من أسمتهم حينها بـ”المعارضة المعتدلة” التي لا وجود لها على أرض الواقع، وحين فشلت المخابرات المركزية أسندت المهمة للقيادة العسكرية الأمريكية حين أقامت واشنطن تحالفها الدولي المشبوه، والمصيبة أنه تم الوقوف في وجه أي مطالبة بتحقيقات شفافة في هذا الشأن الذي اعتبره مراقبون أمريكيون مخالف للدستور والقانون الأمريكي قبل الدولي لما ترتب عنه من صرف لمليارات الدولارات من ضرائب الشعب الأمريكي، وهو ما أحال دون معرفة المجتمع الأمريكي لحقيقة أوباما الإجرامية، وساهم بشكل دراماتيكي في إطالة أخطر وأبشع حرب عرفتها البشرية عبر التاريخ.

فكيف يخطر على بال الرئيس بوتين تصديق أوباما وهو يعرف أنه تعهد أكثر من عشر مرات للشعب الأمريكي بألا تطأ أقدام الجنود الأمريكيين أرض سوريا.. ومع ذلك، تعلن الحكومة بين فترة وأخرى عن وجود قوات أمريكية خاصة في سوريا، في ما البنتاغون ينفي باستمرار وجود هذه القوات في خط المواجهة، ولكن عندما قصفت الطائرات الروسية والسورية مواقع المتمردين في شمال سوريا قبل فترة، أبلغ البيت الأبيض الكرملين بأن هذه الهجمات تهدد حياة أفراد القوات الأمريكية الموجودة في هذه المنطقة، ولم تقدم السلطات الأمريكية أي توضيح لمهمة هذه القوات، ما أثار تساؤلات كثيرة ظلت دون جواب.

فعن أي شركاء أمريكيين لمحاربة الإرهاب يتحدث الرئيس بوتين الطيب؟..

صحيح أن الوضع جد معقد، والأمر لا يحتمل ردة فعل متسرعة قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا وأننا نعلم من خلال متابعة تطورات الحرب في وعلى سورية أن الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو كانوا غير مرة قاب قوسين أو أدنى من المواجهة المباشرة مع روسيا، وأن الرئيس أوباما الكذاب والمراوغ صاحب جائزة نوبل للسلام هو من فاقم الأزمة في سورية والعراق واليمن وليبيا، وزاد من حدة المخاطر على المنطقة والعالم.

وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح اليوم بقوة في كل عواصم العالم هو: – هل سيصمد اتفاق الهدنة فيجدد بعد أن انتهت المهلة اليوم السبت، أم أنه قد انهار وسقط بمجرد أن أقدم الجيش الأمريكي المجرم على استهداف الجيش العربي السوري عن عمد وسبق إصرار وبتنسيق مع تنظيم "داعش” الإرهابي؟..

الجواب عند بوتين، لكن عند أي تطور دراماتيكي لا يمكن الرهان على روسيا لمواجهة أمريكا والأطلسي في سورية، لأن منظومة (إس 400) استقدمت لمواجهة تركيا وحماية قواعد روسيا البحرية والجوية في سورية، لكنها قطعا لن تستهدف الطائرات الأمريكية أو الإسرائيلية لما لذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة والعالم.

لذلك نعتقد أن الحل هو بيد إيران، والمدخل وفق ما تفرضه تطورات الأحداث هو الرد في العراق من خلال الوضوء بالدم الأمريكي، وهي المهمة التي تعرف كيف تقوم بها حركات المقاومة الإسلامية في المنطقة ولها باع طويل في ذلك، لأن من شأن هذه المقاربة الفعالة والمجربة إفشال مشروع تقسيم العراق وسورية، ومنع المحتل من إقامة قواعد عسكرية دائمة، وطرده من المنطقة ليرحل إلى الأبد بلا رجعة.

دون ذلك، لا مناص من التقسيم.