kayhan.ir

رمز الخبر: 4371
تأريخ النشر : 2014July27 - 20:11

الهدنة المسمومة

دبلوماسية التهدئة هي الحرب الصامتة اللاحقة للحرب نفسها وحتمية وراء كل صراع مسلح لمحاولة إيجاد حل يرضي المتصارعين ينهي المعاناة والدمار والأذى وكل ما لحق بالكل والبدء باعادة الاعمار. السؤال الأكثر إلحاحا ، ليس إن كانت دبلوماسية التهدئة مهمة ومفيدة أم لا؟ فمن الطبيعي والبديهي بل ويجب أن يكون تبادر لذهن الجميع انه لا حرب بلا نهاية ولكن عن اي نهاية نبحث او تفرض علينا .

علاء الدين سلامة


لو تذكرنا تهدئة حرب النكبة التي كانت بين إسرائيل وحلفائها والجيش العربي من دول الجوار فهي استراحة محارب من طرف واحد فقد قامت اسرائيل ببناء البنى التحتية وانشاء المؤسسة الحيوية للدولة كمطارت وموانئ وبرلمان ومؤسسة الجيش نفسها بعد أن كانت فرق او فصائل متناحرة على هوية الدولة الجديدة !! نحن الان بعد ست وستون عاما لدينا برلمان ودولة مؤقتة في نادي الدول ولكن لا يوجد جيش مؤسس بل فرق وفصائل مختلفة فيما بينها في كل شيء الا على التحرير وهو قاعدة اساس للاجماع . نحن بصدد العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في غزة و كان جلياً التفاهم الاسرائلي الغربي والامريكي والعربي الغير رسمي على العدوان نفسه .

ولكن بلا وجود طريق للنزول عن الشجرة التي علق فيها الجميع . واضح بشكل غيبي ان اي تحرك دبلوماسي بعيد عن عضلات الميدان هو تحرك اسرائيلي مصلحي بحت ، الهدف الرسمي المعلن من قبل إسرائيل هو الحسم العسكري الكامل بالقضاء على القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية والصاروخية منها تحديداً مع قطع أي طريق تغدية من الخارج وتدمير البنية التحتية لفصائل المقاومة وحماس على وجه الخصوص في القطاع ، الأهداف الثلاثة رسمها نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل مع أولى الساعات لبدء القصف الوحشي ضد المدنيين في غزة . ولكنه نسي ان ذلك لم يحصل على يد اكثر الجنرالات "حسما” – ارييل شارون مدة خمس سنوات في حكمه وكانت مزرعته الاوفر حظا من الصواريخ ، بل وان المذكور يكاد تجاهل ذلك وركز في حينها على امور اكثر حساسية للحكم في اسرائيل لا وقت لذكرها وابرزها جنوب لبنان وهو لا تزال اسرئيل في مرمى صواريخه .

هذه الاهداف هي نفسها من اسقطت اولمرت وفشل نتياهو فيها سابقا ولكن الجديد هذه المرة هو التواطؤ العربي الكامل بل وشبه العلني ضد المقاومة في حين زيادة شعبيتها لدى دول كثيرة كانت على الحياد او ضدها سابقا وابرزها تركيا .

وفي ضوء شبه المستحيل لتحقيق القضاء على انتشار السلاح ونحن امام انتشار سلاح خارج الانظمة الرسمية العربية كالعراق وسوريا ولبنان ومصر يعطيك حجم العبث في الموازين العربية ! وهذا التناقض له أسبابة ودوافعه وتواليه أيضا التي يجب علينا أن نركز عليها لتوضيح الصورة كاملة لنا وللجميع . الحكومة الاسرائيلية منذ اليوم الأول للعدوان تتخبط بين شعارات رنانة تذكرنا بالفم العربي الكبير لتهدئة شعبها المذهول من ضربات غير متوقعة للمقاومة الفلسطينية مع محاولات للمزايدة بالتطرف على البعض داخل الائتلاف الحكومي ماهو الا هروب للامام من حجم الضغط الشعبي وسنرى مدى الاحتجاجات الشعبية في كل المدن الاسرائيلة لاحقا . دون اي استراتيجية لاحقة للعدوان مثل ان تفتح بطن مريض في غرفة العمليات ولا تعلم الخطوة التالية .

الوقت يمضي وكل دقيقة هي من عمر المريض وهو الائتلاف الحكومي الهش . حجم المفاجأة الاسرائيلية من قدرات المقاتلين الفلسطينين منعها من الاقدام على غباء اخر كهجوم بري مثلا ! الإسرائليين الآن أمامهم حل واحد لا غير في ضوء فقدان للبوصلة السياسية والعسكرية والمطروح وهو الحفاظ على ماء الوجة لنتانياهو ومن يدعم سياسته اليمينية عبر إتفاق هدنة مع حماس دون غيرها من فصائل المقاومة. نتيجة هذه الهدنة التي تلعب مصر وأوروبا الدور الأساسي للتوصل لها تكون بإظهار جميع الأطراف المتورطة بالمعركة علي أنها الرابح . مثل كل مرة. ستقوم الهدنة وتعطي نتانياهو الفرصة الذهبية وانتشاله من وحل الخسائر التى لحقت بالائتلاف والمجتمع والاقتصاد ويكون بإستطاعته حينها أن يقول لأطراف الحكومة ولشعبه إن الغرب ضغط علي لقبولها لكي لا تحصل إساءة أكبر للرئيس الفلسطيني عباس لدى الرأي العام الفلسطيني وهو ثالث الخاسرين في الحرب بعد الوسيط غير النزيه ،ما يمثل أفضل الخيارات لإسرائيل ، وإستفادة "القوى المتطرفة” في الشارع الفلسطيني من الحدث مما يشكل خطراً مستقبلياً على إسرائيل والعملية السلمية فمن يريد ان يعتبر الهدنة شيء غير جيد من مفهومه الشخصي سيقوم بذلك ، ولكن الجميع نسى الراي العام الفلسطيني الحقيقي ولا احد وصي عليه وهو ما سيظهر في الوقت المناسب ، من الواضح للإسرائيليون مدى الدعم العالمي للقضية الفلسطينية وإنزلاق سمعتها على المستوى الدولي للحضيض في مظاهرات الدعم لغزة وللشعب الفلسطين في أنحاء العالم.

أعتقد أن أي هدنة بأقل الحقوق الفلسطينية ستمكن غزة من الإهتمام العالمي والعربي والفلسطيني الذي خسرته بعد سياسة خارجية غير فلسطينية في السنتين الماضيتين وتبرز بشكل أقوى كمنافس لمنظمة التحرير وتقوي مركزها داخل المجتمع الفلسطيني من جديد مع العودة الى ذروة شهرتها والحشد والتأييد لها مع سياسة جديدة مع المصريين بعد خفض التوتروخصوصاً في معبر رفح مما يساعد على تهدئة نوعية في الشارع الغزاوي ، قد يعكر صفو الوحدة الوطنية الشعبية القائمة .

أخطر ما في الهدنة هو إنهاء إحتمال أي إنطلاقة لإنتفاضة ثالثة في فلسطين المحتلة 67 و 48 !! . إنتفاضة ثالثة تعني المسمار الأخير في نعش المفاوضات السرية ونهاية أكيدة لسلطة فلسطينية مهترئة مالياً وشعبياً ودولياً غير قادرة على تلبية اي مطالب من اي طرف !! مع تركيز الدعم للنضال الشعبي المُحرج للإحتلال وإنتفاضة متصاعدة في الضفة وكفاح مسلح بغزة لإسقاط أخر ورقة توت لاوسلو !! التي سترت عورة الإحتلال في العقدين الاخيرين وكشف الوضع الحالي المزري وبالتالي فشل مروع أخرللغرب الذي راهن على كل هذه السياسات الفاشلة المتناسية لحق تقرير المصير الفلسطيني على أرضه. القائيمين على المرحلة الجديدة ملقى عليهم أمل وحرج وحب وأمانة … لأنه بعد ذلك أي حرب أو سلام مع إسرائيل دون تحقيق الطموحات الفلسطينية هي عبث ومقامرة بامتياز ولا استثي احداً .