kayhan.ir

رمز الخبر: 4201
تأريخ النشر : 2014July23 - 20:18

الجرف الصامد : ممجوجاتٌ ، محذوراتٌ ، تفاهماتٌ

لم يعد من المشكوك بأمره – بعد كل هذا القتل والإجرام الصهيوني بحق الفلسظينيين الأبرياء و العزّل ، ربعد كل هذا التدمير الممنهج لكافة مرافق الحياة في قطاع غزة .. – ، أنه أصبح من المسلّم به لدى جميع الفصائل الفلسطينية المقاومة ، بأن مسألة العودة إلى تفاهمات العام ٢٠١٢ مع الكيان الصيوني ، لم تعد قابلةً للطرح في أية مبادرات جديدة قد تعرض من هنا وهناك ، وذلك بغية وقف الحرب المجنونة التي يشنها الصهاينة في عمليتهم الجديدة ، والتي سموها “ الجرف الصامد “.

حسن شقير


لن نقف كالثكالى نبكي ونتباكى على السواد الأعظم من الأنظمة العربية والإسلامية المتخاذلة عن نصرتها لفلسطين ، ولن نطلب منهم ، ولن نستجدي هؤلاء ، كي ينتصروا – ولو بأضعف الإيمان – للقطاع المنكوب … لا بل أننا لن نتمنى عليهم – كما في عدوان تموز ٢٠٠٦ – بأن لا يتأمر هؤلاء على المقاومة ، فهذا ديدنهم على الدوام ..

إذاً إنه التعويل في هذه الملحمة ، يكون فقط وفقط على المقاومة الفلسطينية المجاهدة بكل فصائلها

في عدوانهم الجديد على القطاع اتبع الصهاينة استراتيجية جديدة – لتحفظ لهم خط الرجعة من جهة ، ولتعفيهم من المسائلة الداخلية لاحقاً في أية " فينوغراد " أتية – في عدم البوح والإعلان عن أهداف العملية وسقوفها العالية ، وهذا مرده إضافة إلى ما ذُكر سابقاً فيما خص الكيان الصهيوني ، هو عدم الوقوع في فخ المفاجأت التي تتوالى فصولها في الجانب الفلسطيني ، والذي يُدلل على مدى العمى الإستخباراتي الذي انكشفت عورته في هذه العملية

قد يدعي البعض ، أن الصهاينة لا يريدون من هذه العملية ، سوى هدف وحيد ، ألا وهو تسديد ضربة قوية جداً للفصائل الفلسطينية المقاومة ، وانهاكها ، وجعلها تُبتلى بإعادة الترميم ، لفترة ليست بقصيرة من الزمن الذي يفرض عليها هدوءً قسرياً طيلة تلك الفترة المديدة … نعم هذا التقدير له ما يبرره على أرض الواقع … وكي لا تقع الفصائل في شرك الصهاينة هذا ، كان لا بد لها من اتباع استراتيجة جديدة ، تجعل من أية تهدئة لاحقة ، تفوح منها رائحة النصر العابقة بدماء الشهداء وألام الجرحى ، وأنين الأمنين ..

منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة ، كانت الصورة واضحة لدى فصائل المقاومة الفلسطينة حول الأهداف الصهيونية الاستراتيجية لهذا العدوان ، الخفية منها ، وما أكثرها ، وكذا المعلنة ، وعليه وبناءً لذاك الوضوح ، وضعت هذه المقاومة نصب أعينها جملة من الأهداف والتطلعات التي يجب أن تتحقق كنتيجة حتمية لهذه الجولة الشرسة من العدوان الصهيوني على القطاع ، رافضة بذلك مبدأ التسويات القائمة على مبدأ " ما حدث قد حدث ، ولنعد إلى ما كنا عليه " والسبب في هذا الرفض ، أن من بين أهداف العدو الخفية أو المعلنة ، هو اختبار منظومة الحماية الصهيونية ( القبة الحديدية ) باللحم الحي الفلسطيني ، ناهيك عن التدمير المادي والبشري للمقاومة ، وذلك وفقاً لنظرية " الإنهاك والإشغال " ولأمد ليس بقصير من الزمن … وبالتالي فقد رفعت الفصائل المقاومة – وبعد كل هذا القتل الصهيوني الوحشي ، والتدمير الجنوني – شعارٌ عريض عنوانه " استمرار المعركة ، عنوانٌ للتغيير ".

في هذه العجالة سأستعرض ثلاثةً من العناوين ، فرضت المعركة الحالية عليها زمن التغيير ، وهي :

الممجوجات – المحذورات – التفاهمات

أولا ً : إسقاط الممجوجات

لقد سرّعت حرب غزة ٢٠١٤ ، في دفن " مسلّماتٍ فلسطينية ٍ” روّج لها كثرٌ في الداخل والخارج ، ولعقود خلت ، وقد طبّل لها كثرٌ في ما يُسمى بمحور الإعتدال العربي ، والتي من بينها حصريتان : حصرية الحل مع الكيان الصهيوني بالتفاوض ! وحصرية التمثيل الفلسطيني بفئة دون أخرى ! وهذه الحصرية هدفت عند الكثير ممن روجوا لها ، إلى تصفية القضية الفلسطينية .. إلا أن حدث المصالحة الفلسطينية ، الذي أنجز مؤخراً ، ضرب المسمار الأخير في نعش حصرية التمثيل ، وذلك بأن ارتكزت هذه المصالحة على مبدأ الشراكة والتكامل والمزاوجة ما بين السلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية ، على حد سواء … مما جعل من المشهد اللبناني – الذي يجهد الكيان الصهيوني ويحيك له المؤامرات بغية الخلاص منه – يكاد يتجسد واقعاً على الأرض الفلسطينية في الداخل ، فتنطلق ثلاثية ذهبية جديدة في فلسطين قوامها مشابه إلى حد بعيد نظيرتها اللبنلنية وأيضاً تلك السورية التي بشّر بها الرئيس الأسد في تصريحه الشهير حول " إطلاق المقاومة الشعبية لتحرير الجولان "

هذا الحيّز الفلسطيني من هلال الثلاثيات الذهبية المطوقة للكيان الصهيوني ، هو الذي يحاربه هذا الأخير اليوم لأجل إسقاطه من معادلة الصراع مع العرب والفلسطينيين … لأن الرضا الصهيوني بتلك الثلاثية الفلسطينية ، وخصوصاً بعد حدوث المصالحة ، وإكمال السير بها ، سيؤدي حكماً إلى إسقاط الممجوجة الثانية ، والمتمثلة بإعادة الحقوق حصراً عبر التفاوض ، لأن الكيان يعلم أن أفق التسوية بشروطه – خصوصاً بعد الفشل الأمريكي الأخير – لن يتحقق ، وبالتالي فإن اللجوء للخيار الثاني في انتزاع الحقوق ، سيكون ممكناً عملياً ، فضلا ً عن أنه سيستند إلى شرعية فلسطينية عريضة في حينه ، ولربما أبعد من ذلك أيضاً.

ثانياً : إفشاء المحذورات

منذ اللحظات الأولى للعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة ، وفي كل الإعتداءات السابقة ، كان هدف الصهاينة قطع شرايين الإنعاش للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وذلك تمثل ، ومنذ سنين ، باستراتيجية الحصار والإطباق على القطاع بعيد كل عدوان ، وذلك لمنع المقاومة من ترميم نفسها … لقد أدركت الفصائل الفلسطينية ، أن الهدف الصهيوني – غير المعلن – من العدوان على غزة ، كان فحص منظومة الحصار القائمة ، والتحقق من مدى فعاليتها في تحقيق الهدف الصهيوني منها

انطلاقاً من هنا ،.كانت الرؤية واضحة لدى المقاومة لهذا الإختبار الصهيوني ، فسارعت إلى إرسال الرسائل الميدانية المتسارعة في هذه الجولة من العدوان ، ولم يكن لمسألة التدرّج في الكشف عن المفاجأت مكاناً في هذه المعركة .. وبالتالي فلقد أرادت المقاومة عملياً ، أن تُثبت للصهاينة فشل منظومة الحصار في منعها لتطوير قدرات المقاومة ، فضلا ً عن أنها فجرت مفاجأت الإكتفاء الذاتي والتصنيع المحلي في مجالي الصواريخ والطائزات من دون طيار ..!

لقد اتبعت المقاومة باستراتيجيتها تلك ، على مبدأ يقوم على تيئيس الكيان الصهيوني من الخيارات التي يريد فرضها على المقاومة في أية تهدئة لاحقة ، حيث سيصبح المطلب الصهيوني في تشديد الحصار على القطاع غير ذي جدوى ..وبالتالي فلقد أسقطت المقاومة الفلسطينية باستراتيجيتها الذكية في إفشاء المحذورات فيما لديها ، منظومة الحصار والعقوبات من جعبة العدو الصهيوني .. وذلك في قلب ميدان القنال !

ثالثاً : إرساء تفاهمات

لا بد لجولة العدوان الحالية ، أن تصل إلى خاتمتها ، وذلك وفقا ً لتهدئة جديدة ، سيرضخ لها الكيان الصهيوني ، بعد كل ذاك الصمود البطولي لفصائل المقاومة على الأرض ، خصوصاً بعد تحقق العدو ميدانياً ، من أن منظومة الحصار قد سقطت ، وأن العودة إلى تفاهمات العام ٢٠١٢ ، لم تعد مقبولةً البتة ، وبالتالي وبناءً على ما ذكرناه سابقاً من إسقاطٍ للممجوجات ، وإفشاءٍ للمحذورات الفلسطينية ، وبعد تلك الورقة التي قدمتها الفصائل لقبولها بالتهدئة ، إلى كل من يعنيهم الأمر … فإننا نسجل من خلالها تطورات مهمة ينبغي الإضاءة عليها :

- الإعلان الرسمي عن ولادة الثلاثية الذهبية على التراب الفلسطيني

- وضع شعار وحدة التراب الفلسطيني في الضفة والقطاع ( كمرحلة أولى ) موضع التنفيذ العملي ، وذلك بإدخال الضفة الغربية في أية تهدئة أتية … ولربما يتطور الأمر لاحقاً إلى تفاهم نيسان فلسطيني مع الكيان الصهيوني ، وذلك يودي بمشروع نتنياهو لتجزئة وتصفية القضية الفلسطينية ، ومنع المصالحة ، إلى الهاوية

- الطلب من الأمم المتحدة ، أو من بعض الدول الراعية ، ضمان التهدئة ، مما سيعني حكماً أن المقاومة الفلسطينية ، قد اكتسبت شرعية دولية ، فضلا ً عن شرعيتها الفلسطينية والعربية ، وما يترتب على ذلك من إقرار ضمني بالإحتلال ، بأنه إحتلال يجب مقاومته بكافة الوسائل المشروعة – وفقاً للقانون الدولي – ، والتي من بينها المقاومة … تماماً كما حدث في تفاهم نيسان ١٩٩٦ ، مع المقاومة اللبنانية … وهذا الأمر – إن حصل – سيكون منعطفاً مفصلياً في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني .

خلاصة القول ، إن عملية " الجرف الصامد” الصهيونية ، كان من نتائجها لغاية اليوم ، جرف الممجوجات لصالح الثلاثيات ، وانهيار العقوبات بإفشاء المحذورات .. والتي نأمل أن تصل لإرساء تفاهمات تسقط معها المحرمات منذ العام ١٩٤٨ .