منبج: واشنطن تعاقب أول مدينة تمردت على «داعش»!
عبد الله سليمان علي
تدفع مدينة منبج الثمن مرتين. مرة عندما قررت التمرد لوحدها ضد تنظيم «داعش» وممارساته العنيفة، ومرة عندما تجاهلت الولايات المتحدة هذا النَّفس النضالي لأهالي المدينة العزّل في وجه أقسى تنظيم في تاريخ الإنسانية، وقررت وضعهم بين خيارين، أحلاهما مرّ، إما التعاون مع التنظيم الذي حرموه سابقاً من دفء البيئة الحاضنة، وإما رؤية مدينتهم وهي تُضم إلى مشروع لا يريدونه ولا يؤمنون به، أي الفدرالية الكردية.
ومن الحقائق المغيبة عن مدينة منبج، أن أهالي هذه المدينة كانوا من أوائل من أعلنوا تمردهم ضد «داعش»، ورفضوا سياساته القمعية وأساليب إدارته التي عفا عليها الزمن، في حين كانت بعض المدن تسارع إلى إعلان ولائها للتنظيم تجنباً لحد السكين الذي كان يشهره بوجه الجميع.
فقد شهدت منبج أول انتفاضة شعبية ضد «داعش» حرمته من اتخاذ المدينة معقلاً لجنوده من الجنسيات الأجنبية، خلافاً للدعاية الغربية التي أطلقت على منبج لقب «لندن المصغرة» لكثرة المقاتلين الأجانب فيها، وهذا غير صحيح، ولم يكن صحيحاً في أي وقت، وحتى في ذروة الوجود الأجنبي في المدينة، فإن نسبة الأجانب فيها لم تكن أكثر من نسبة تواجدهم في العديد من المدن الأخرى.
وقد كان شهر أيار من العام 2014 بداية التنافر العلني بين «داعش» وبين أهالي المدينة، حيث أعلنوا الإضراب العام احتجاجاً على ممارسات التنظيم وتنديداً بهمجيته الوحشية، ونجح الإضراب برغم التهديدات التي وجهها التنظيم ضد القائمين عليه. وما زال حوالي 150 شاباً معتقلاً في سجون «داعش» بسبب ذلك الإضراب ولا معلومات عنهم حتى اليوم. كما خرج أهالي المدينة بتظاهرات كثيرة ضد التنظيم معرضين أنفسهم لإطلاق النار من قبل جنوده. وتوسع الحراك ضد التنظيم بعد ذلك واتخذ أشكالاً مختلفة، من توزيع المنشورات التي تدحض دعايته إلى الكتابة على الجدران بشعارات مخالفة لشعاراته، إلى حمل رايات وأعلام أمام المباني التي يتخذها معقلاً لحكمه. وما زالت الفتاة التي حملت العلم السوري القديم أمام مبنى محكمة «داعش» في وضح النهار تقيم في منبج وسط حرص الأهالي على التكتم على اسمها وهويتها من أجل حمايتها من ردة فعل الجهاز الأمني للتنظيم، الذي شن حملات مداهمة كبيرة لمعرفة الفتاة، رافعة العلم، والقبض عليها، ولكن من دون جدوى.
هذا التمرد الشعبي، أدى إلى نتيجتين: الأولى انسحاب أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب من مدينة منبج، لأن ظروف المدينة لم تعد تناسبهم من الناحية الأمنية. والثانية تفكيك غرفة العمليات التي كان التنظيم قد أنشأها في المدينة لإدارة عملياته الخارجية، سواء لجهة استقدام مقاتلين أجانب أو لجهة تنفيذ عمليات أمنية في بعض الدول الأوروبية، وهي غرفة العمليات التي تحدث عنها مؤخراً وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إذ قال إن القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، تزحف باتجاه المدينة التي تعتبر معبراً لتدفق المقاتلين الأجانب، ما يجعلها «ضرورية ومهمة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا». وأضاف: «نعلم بوجود تآمر خارجي من مدينة منبج ضد أوروبا وتركيا، وكل أصدقائنا وحلفائنا والولايات المتحدة أيضاً».
لكن منذ أوائل العام 2015 أصبحت مدينة منبج خالية من غرفة العمليات الخارجية هذه. وكانت هذه الغرفة تتخذ من منطقة أم السرج بريف منبج الجنوبي مقراً لها، وهي عبارة عن جبل مرتفع يحوي مغاور وكهوفا تساعد في التحصن والاختباء. وقد كان هذا الجبل يحوي أيضاً أحد المقار التي كان يتردد إليها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. ولكن غرفة العمليات نقلت إلى مدينة الرقة بعد تصاعد التمرد ضد تنظيم «داعش». وهناك في الرقة تم تنشيط عمل الغرفة، وعين أبو محمد العدناني مشرفاً عليها. ومذاك بدأ النشاط الفعلي لهذه الغرفة بتنفيذ العمليات في الخارج، بينما لم يسجل لها أي نشاط وهي في أم السرج بمنبج، حسب ما أكدت لـ «السفير» مصادر متقاطعة من داخل مدينة منبج، بعضها مقربة من تنظيم «داعش» وبعضها الآخر مناوئة له. لكن كلا المصدرين اتفقا على أن غرفة العمليات، التي أشار إليها كارتر، جرى تفكيكها ونقل معداتها والوثائق فيها إلى مدينة الرقة والطبقة.
ومنذ ذلك التاريخ أيضاً، أي النصف الأول من العام 2015، لم يعد يناسب المدينة أن يطلق عليها لقب «لندن المصغرة»، لأن أعداد المقاتلين الأجانب فيها أصبحت قليلة للغاية، ومن بقي من هؤلاء المقاتلين داخل المدينة يضطرون لارتداء أقنعة على وجوههم كي تبقى هوياتهم غير معروفة من قبل أهالي المدينة، خشية من وجود جواسيس. كما أن غالبية هؤلاء انسحبوا من المدينة نحو مدينة الباب، قبل أن تصبح مدينة منبج محاصرة بالكامل، مؤخراً. لذلك من يراهن على «صيد ثمين» في منبج سيبوء بالفشل.
وقد انعكست قلة أعداد المقاتلين الأجانب على الهيكلية القيادية لتنظيم «داعش» في منبج، إذ احتكرها أعضاء التنظيم السوريون، بينما لم يشكل الأجانب سوى نسبة ضئيلة.
وتنشر «السفير» في الآتي أبرز أسماء قادة تنظيم «داعش» في المدينة، حيث يتبين أن غالبيتهم من الجنسية السورية، ومن أبناء المنطقة تحديداً، بينما عدد أسماء المقاتلين الأجانب في هرم القيادة قليل جداً ويكاد يكون غير ملحوظ:
-»أمير» المدينة أبو محمد الصيداني، منبجي. وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين منبجي «أميراً» على المدينة. وكان قد استلم «إمارة» المدينة سابقاً كل من أبو الحارث الشامي وأبو دجانة الكويتي. وقد يكون تعيين منبجي في هذا المنصب محاولة من التنظيم لكسب ود أهالي المدينة وإصلاح علاقته معهم. وبالتالي فإن ما تتداوله بعض وسائل الإعلام حول مقتل «أمير» منبج، الذي تدعوه بابي حمزة الأنصاري غير صحيح، لأن أبا حمزة قتل قبل فترة طويلة، وهو بكل الأحوال ليس «أمير» المدينة.
-»أمير» الخدمات العامة أبو محمد الألماني، وكان قد استلم إدارة الكهرباء سابقاً. وجاء إلى منبج بدعوة من راسم الحمد وشقيقه ماهر من أبناء المدينة، ويحملان الجنسية الألمانية، وهما من «أمراء» التنظيم في المدينة.
-»أمير» الزكاة والجباية احمد البشر، وهو مهندس زراعي.
-»أمير» البلدية محمد بشر (أبو حسن). وشقيقاهما الآخران عبد العزيز وعبد الهادي قائدا مجموعتين.
-»أمير» العلاقات العامة خضر الخضر، وقد قتل له شقيقان في صفوف التنظيم.
-أبو علي السفراني «أمير» في الحسبة.
-أبناء أبو شهاب، وهم قادة مجموعات في التنظيم، أحدهم يدعى نبيل، وقد نفذ تفجيراً انتحارياً في تركيا قبل أسابيع عدة.
الى ذلك، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ووكالة «أعماق» إن «داعش» شن هجوماً مضاداً على «قوات سوريا الديموقراطية» قرب منبج وألحق بهم خسائر بشرية فادحة. وأشار «المرصد» إلى أن مقاتلي «داعش» سيطروا على ثلاث قرى جنوبي منبج.
وجنوبا، نجح مقاتلو «داعش» أيضاً في صد قوات الجيش السوري التي اقتربت لمسافة عشرة كيلومترات جنوبي مدينة الطبقة ذات الأهمية الإستراتيجية. وذكرت «أعماق» إن عناصر التنظيم استولوا على نقطة تفتيش للجيش السوري قرب مفرق طرق استراتيجي يؤدي لمدينة الرقة.